القدس المحتلة – وكالة قدس نت للأنباء
ذكرت دراسة داخلية في قيادة الجيش الإسرائيلي، كشف النقاب عنها، أن خطة احتلال بيروت التي نفذت في الحرب العدوانية على لبنان سنة 1982، أعدت منذ 1979. وأن أرييل شارون، وزير الجيش آنذاك، وضعها هدفا أمامه، على الرغم من أنه لم يبلغ الحكومة بذلك. وأن قيادة الجيش تعتبر تصرفات شارون يومها غير مهنية وتنطوي على غش وخداع للحكومة وللشعب، وعلى تناقضات أربكت الجيش وجعلته يتصرف بلا تخطيط واضح، مما أسفر عن إخفاقات كبيرة، وعن ارتكاب مذابح صبرا وشاتيلا ضد اللاجئين الفلسطينيين.
وقالت الدراسة، إنه بعد 30 سنة من حرب لبنان الأولى، ينبغي الإفادة من هذا الدرس، وهو ما اعتبره المحرر العسكري في صحيفة "هآرتس"، أمير أورن، تلميحا واضحا للتناقضات القائمة اليوم ما بين قيادة الجيش الإسرائيلي، التي تعارض القيام بضربة عسكرية لإيران بلا تنسيق وشراكة مع الولايات المتحدة، ووزير الجيش، إيهود باراك، المتحمس لضربة كهذه ويسانده فيها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
المعروف أن حرب لبنان نشبت في الخامس من يونيو (حزيران) 1982. وفي حينه، وعلى الرغم من وجود اتفاق لوقف إطلاق النار بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية المسيطرة على جنوب لبنان، وعلى الرغم من أن الطرفين التزما بوقف النار، شنت إسرائيل هجومها بحجة الانتقام لمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف، في يوم 3 يونيو (حزيران) 1982. لكن الوثيقة الجديدة، التي صدرت الأسبوع الأخير، توضح أن شارون التقى قادة الجيش في شهر مايو (أيار)، أي قبل شهر من محاولة اغتيال أرغوف، وأطلعهم على أهداف الحرب القريبة.
وتجدر الإشارة إلى أن الإسرائيليين لم يجروا أي دراسة أو تحقيق حول تلك الحرب، إذ إن لجنة التحقيق التي أقيمت بعدها وعرفت باسم "لجنة كهان"، حققت بالأساس في مجازر صبرا وشاتيلا، التي نفذت في الشهر الثالث من احتلال لبنان (يومي 16 و17 من سبتمبر "أيلول")، أي قبل 30 سنة بالضبط. وفي حينه أجرى الجيش أيضا تحقيقا حول المجزرة. لكن تحقيقه بقي سريا. وهناك ملحق سري لتقرير لجنة كهان أيضا، وكلاهما بقي سرا. وقررت اللجنة الوزارية الخاصة بالرقابة في الحكومة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أن لا تسمح بنشر مضمون التقريرين، على الرغم من مرور 30 سنة.
أما الحرب نفسها، فلم يجر حولها أي تحقيق سوى التحقيق الجديد الذي أصدرته دائرة التأريخ في الجيش، في كراسة من 50 صفحة. وحتى هذا، فقد سلم إلى كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي ولم يسمح بنشره على الملأ. لكن مقاطع منه تم تسريبها إلى وسائل الإعلام في اليومين الأخيرين، وهي التي تتعلق بطريقة شارون في تتويه الحكومة ورئيسها وصدامه مع قادة الجيش. وقد قدر محرر "هآرتس" أن يكون الدافع وراء التسريب، هو التحذير من مخاطر الخلافات القائمة حاليا بين باراك ونتنياهو من جهة وقيادة الجيش حول إيران.
ومما سرب من التقرير يلفت النظر عدد من الوقائع، أبرزها: أولا: قيادة الجيش الإسرائيلي، تحت مسؤولية رئيس الأركان رفائيل ايتان، خططت لاحتلال بيروت منذ سنة 1979، وهي تعلم علم اليقين أن احتلال عاصمة عربية هو تطور خطير من شأنه أن يقود إلى حرب إقليمية شاملة. وكان الهدف في حينه هو تصفية المقاومة الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين، وإخراج القوات السورية من لبنان. وقد أضاف شارون إلى هذه الحرب هدفا آخر هو إقامة حكم لبناني جديد يكون جزءا من العالم الحر، ويبرم معاهدة سلام مع إسرائيل، ويمنع أي عمليات عسكرية ضدها من لبنان.
ثانيا: في هذه الحرب ساد تقليد معروف في إسرائيل، هو الخلافات الدائمة ما بين الجيش ووزير الجيش والحكومة. فهذه الظاهرة بدأت في سنة 1954، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. وفي حرب لبنان انطوت على خديعة كبيرة، حيث أبلغ وزير الجيش شارون، الحكومة بأن الحرب ستستغرق 48 ساعة فقط، وسيصل فيها إلى عمق 40 كيلومترا في الأراضي اللبنانية، مع العلم بأن جيشه لم يلتزم بوقت واحتل نصف لبنان وغالبية أحياء بيروت، واستمرت 18 سنة عمليا، وليس 48 ساعة.
ثالثا: حرب لبنان الأولى أيضا، لم تكن مدروسة استراتيجيا، تماما مثل حرب لبنان الثانية. فقد وضعوا هدفا لها تصفية المقاومة وطرد السوريين وتغيير الحكم في لبنان. و"لكن مثل هذا الأهداف الكبيرة تحتاج إلى دراسة كبيرة وعميقة لكل جوانب الموضوع وتبعاته، وهذا لم يتم". ولذلك، تعتبر اللجنة هذه الحرب فاشلة. وتشير إلى أن إسرائيل خسرت فيها 1216 قتيلا (العرب خسروا 18 ألفا، معظمهم من الجيش السوري، وفيهم نحو ألفي فلسطيني ومثلهم من اللبنانيين). وأن هذه الحرب أنهكت الجيش الإسرائيلي وليس لبنان وسوريا والفلسطينيين فحسب. وأدت إلى تفسخ المجتمع الإسرائيلي وزعزعت مكانة الجيش وأساءت لسمعة إسرائيل وجيشها في الخارج.
رابعا: في تقرير اللجنة وردت الجملة التالية، التي تدل على نمط من التفكير الإسرائيلي لافت للنظر: "عشية الانتخابات (الإسرائيلية) في يونيو (حزيران) 1981، وعلى خلفية تعميق التدخل الإسرائيلي في لبنان لدعم المسيحيين في مواجهة سوريا، تعزز الشعور بأن هناك تصعيدا مقبلا. الحرب أصبحت حتمية وينقصها عنصر صغير، هو لم يتم تحديد العدو. فقد استنتجت قيادة الجيش أنه لا مفر من عمل عسكري في لبنان، والسؤال الباقي هو ضد من. فهناك من أشار إلى منظمة التحرير، وهناك من أشار إلى السوريين، وهناك من أراد محاربة الطرفين معا".