وبالاطلاع على الخبرات العالمية في هذا السياق، يتضح أن تقديم برامج التجسير أمر معمول به بكثرة في كل من الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، ومما يميز برامج التجسير في كل من هاتين الدولتين (وهما من الدول الرائدة في مجال الخدمات الصحية) أنه يتم تقديمها من خلال ما يعرف باتفاقات الارتباط التكاملي(Articulation Agreements). حيث تبرم هذه الاتفاقات بين مؤسستين من مؤسسات التعليم فوق الثانوي تشتركان في تصميم وتقديم برنامج / أو برامج لمنح درجة البكالوريوس على مرحلتين،بحيث تقدم إحدى المؤسستين برنامجاً لمنح درجة الدبلوم أو دبلوم مشارك. وتلتزم المؤسسة الثانية بإتاحة الفرصة لخريجي المؤسسة الأولى للالتحاق ببرنامج تكميلي يؤدي إلى الحصول على
درجة البكالوريوس، وعادة ما تكون المؤسسة الأولى معهداً أو كلية مجتمع وتكون المؤسسة الثانية كلية للتعليم العالي أو جامعة.
وقد أحدثت الأردن تغييرات جذرية على أسس التجسير بين الكليات الجامعية المتوسطة والجامعات . و انصبت التغييرات لجهة تسهيل التجسير، بحيث تصبح الكليات المتوسطة جاذبه للطلبة، و بحيث يتسنى الابقاء على التعليم المتوسط و الحفاظ على المهن المساعدة ، و دعم و تطوير التدريب و التعليم المهني و التقني .
و كانت هذه التغيرات ضمن خطة انعاش أخذ بها الأردن للحفاظ على « الكليات الجامعية المتوسطة، البالغ عددها (53) كلية، بهدف تعزيز الجانب التطبيقي والمهني وزيادة إقبال الطلبة عليها.و ترتكز (الخطة) في جزء منها على تعديل أسس التجسير بين الكليات والجامعات وتعديل أسس القبول في الجامعات ، وقد تم رفع اسس القبول في معظم التخصصات الجامعية و بما يزيد على معدل 65% في امتحان الدراسة الثانوية حسب التخصص .
و في السعودية التي تتبنى خططاً رائدة في مجال تنمية الموارد البشرية حيث طلبت وزارة التعليم العالي من 19 جامعة سعودية إبداء ملاحظاتها في الضوابط التي وضعتها لجنة من الوزارة السعودية لإعادة «تجسير» خريجي المعاهد والكليات الصحية . هذه الخطوة ستحدث نقلة نوعية ومستقبلاً مميزاً للمجسرين ، بعد أن كان عدد كبير من الطلبة يذهبون إلى الأردن وأستراليا وأميركا لـلقيام بعملية التجسير . و هكذا ففي الأردن بصورة خاصة تم تبني نظام للتجسير سهل استفاد منه عدد كبير من الطلبة الإلتحاق بالجامعات الأردنية لإكمال تعليمهم وحصولهم على درجة البكالوريوس .
وأخذت الجامعات الاردنية قبول الطلبة الفلسطينيين الحاصلين على الدبلوم، والحاقهم ببرامج البكالوريوس بسهولة ويسر مع احتساب سنتي الدبلوم، حتى ودون الالتفات الى معدل التوجيهي ،أي فك الارتباط بين المعدل في شهادة الدراسة الثانوية وبين مواصلة الدراسة الجامعية عبر نظام التجسير ، حيث يقبل الطالب في الجامعة الأردنية لمواصلة الدراسة دون الالتفات إلى معدله في شهادة الدراسة الثانوية . مئات الطلبة الفلسطينيين الحاصلين على الدبلوم تم قبولهم في الجامعات الأردنية. و صدرت مناشدة من الطلبة الخريجين من الكليات المتوسطة الفلسطينية وأولياء أمورهم لسيادة الرئيس ابومازن حفظه الله لإصدار توجيهاته ، بأن يتم العمل بنظام التجسير وبالسرعة الممكنة في الجامعات الفلسطينية، لأن ذلك يحقق محموعة من الأهداف، أهمها:
1. إن إعادة النظر في حزمة الشروط المطلوبة للسماح للطالب بالتجسير بين الشهادة الجامعية المتوسطة وشهادة البكالوريوس، يأتي في إطار خطة شاملة لتطوير الكادر البشري وتدعيم قدرته التنافسية في ظل تراجع فرص العمل المتاحة للخريجين ، كما ينسجم ذلك مع الوضع المالي الذي يستلزم ضرورة تبني السياسات التي تؤدي إلى منع تسرب الموارد المالية لتفيد اقتصادات دول أخرى مجاورة .
2. توفير مزيد من النفقات على الأسر الفلسطينية التي تعاني أصلا" من ضائقة مالية ، وإبقاء الطالب في وطنه، وتوفير أعباء السفر والانتقال الى دولة أخرى.
3. إن اقرار التجسير، يدعم المعاهد والكليات المتوسطة، ويدعم أيضاً الجامعات الفلسطينية ويرفدها بطلبة يجمعون بين النظري والتطبيقي، الأمر الذي من شأنه تعزيز وتطوير العملية التعليمية في بلادنا، وقبل كل ذلك يدعم الطلبة انفسهم، الذين من حقهم تعليمياً ووطنياً وأخلاقياً ان يحصلوا على فرص تعليمية في الجامعات المحلية.
4. إن السماح بعملية التجسير يعبر عن مستوى من المرونة لدى وزارة التعليم العالي في مجال تحديد ماضي وحاضر ومستقبل الطالب ، بناء" على مجموع علاماته في شهادة التوجيهي والتي تثبت الحقائق على أرض الواقع عدم ارتباط مستويات الأداء الوظيفي بدرجة ما بمعدل التوجيهي الذي لا يعبر بالضرورة عن مستوى تحصيل الطالب الذي قد تعتريه أو تعتري عائلته ظروف خارجة عن الإرادة تؤثر سلبا" على تحصيله العلمي .
5.إعطاء حافز للحاصلين على معدل أقل من 65% في الثانوية العامة يؤثر إيجابيا" على أدائهم إذا شعروا أنهم من الممكن أن يكملوا دراستهم ويحصلوا على درجة البكالوريوس أسوة بزملائهم ، وبالتالي تدعم فرصهم في الحصول على فرص عمل ملائمة براتب معقول يتلاءم مع المستويات المعيشية المرتفعة والتي تتزايد بصورة مضطرده في هذه الأيام.
في سياق مقالتي هذه أردت أن أوجه رسالة إلى صناع القرار بضرورة الإسراع في عملية التغيير ، في عصر تتسارع فيه الأحداث ما يستلزم من صناع القرار نظرة تقييمية شاملة ومعمقة لعملية التعليم برمتها ، وذلك لإنجاز المنظومة الكفيلة بحصول طلبتنا على التميز في عملية التعليم . وفي السياق ذاته يلقي مستقبل المئات من خريجي الكليات المتوسطة بظلاله على هذه المرحلة الصعبة . إن إنجاز نظام متطور وحضاري لعملية التجسير ، ينسجم مع أنظمة التجسير في دول مجاورة ودول متقدمة ويستجيب لتطورات ومتطلبات سوق العمل ، هو بمثابة شرط ضروري وإن لم يكن كافياً لتطوير الكادر البشري وتدعيم ميزته التنافسية في سوق العمل. إن نظام التجسير سيمكن ذوي الموارد المحدودة من اللحاق بركب التعليم ويوفر كثيراً من الأموال التي يمكن صرفها داخل فلسطين ليستفيد منها إقتصادنا الفلسطيني ذو الموارد المحدودة والحاجات المتنامية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت