منذ فترة وجيزة استبشرت خيرا بالوجوه الشابة لقيادة حركة فتح في المحافظات الجنوبية وكنت من أوائل الداعمين للقيادات الشابة لكي تأخذ فرصتها في قيادة التنظيم، ورأيت النوايا الحسنة في بعض الخطوات على طريق البناء في إطار التلاحم الفتحاوي من خلال الأفكار التي تصب في خدمة التنظيم مهما تعددت واختلفت مصادره ونواياه، واستشعرت أن تلك الفترة سيكون فيها عودة الانتماء الفتحاوي فكرة وروحا إلى قواعده الحقيقية حتي تشده إلى أهداف التنظيم بدلا من البعثرة والضياع الذي عاشه أبناء الحركة موزعين الولاء في أكثر من اتجاه ووراء أكثر من هدف، سيما بعد أتفاق أوسلو حيث كان ينتهي دائما إلى سراب.
ومع مرور الوقت ومن خلال الممارسة على أرض الواقع انصدمت بغياب روح العمل الجماعي في صفوف قيادة الحركة وانحسار العمل التنظيمي في دوائر مغلقة ورفض التعلم والقيادة والمشاركة واستغلال تلك الفرصة لإثبات الذات، وبقيت لغة الإشارة هي السائدة في العمل وكأن التنظيم كتب عليه أن يعيش في تلك الدوائر وبقي الحال على ما هو عليه في ظل غياب زمام المبادرة من أجل لملمة تلك الجهود في بوتقة العمل التنظيمي الموحد، وانعدمت روح الشباب المفترض أن تبقي في حالة اليقظة الدائمة، وافتقد التنظيم الى وجود قائد لديه قدرات خاصة يجعل ذلك في قوالب عملية تؤثر في القاعدة الفتحاوية، ولكن تم اختصار الأمر على الحبايب والمقربين مما خلق حالة من التذمر وانعدام الثقة وانحرفت الأمور من مسارها الحقيقي إلى حالة التجاذبات والاستقطاب بعيدا عن القيادة الجماعية واحترام التسلسل التنظيمي وتجسيد مقوله فرق تسد تكون أنت الرابح، وانعدام الاستماع لبعضنا البعض وحرية الرأي وعدم قبول الرأي الآخر في الإطار التنظيمي، والتفرد بالقرارات وعقد جلسات آخر الليل للحبايب والاباحة بأسرار التنظيم وسرعان ما تنشر في الشارع وتبدأ الحكايات واختلاق القصص وما خفي أعظم !!
بالطبع في ظل هذه العقلية الفردية والدونية والتي يرافقها غياب تام للرؤية المستقبلية والأهداف الاستراتيجية الحقيقية كيف لنا أن نعد أو أن نتوقع وجود قادة لمستقبلنا وأن نهيئ الظروف لإعداد جيل من الشباب الموهوب والقوي لقيادة التنظيم في المرحلة المقبلة؟
بالرغم من أن الدراسات تظهر أن الشاب الذي يعطى فرصة في صغره للتجربة حتى وإن أخطأ يكون أقدر على القيادة واتخاذ القرار ممن لم يعط فرصة في صغره، إلا أنه مع انتشار ثقافة السلبية في شتى نواحي الحياة التنظيمية، فالعضو في التنظيم جل همه أن يتقاضى راتبا وكل ما يريده أن يأخذ حقوقه كاملة من التنظيم ثم يماطل في الواجبات التي عليه أو أن يؤديها ثم يركن لبيته وأهله، وهكذا الكل لا يريد أن يحمِّل نفسه أي عبء أو التزام وتحمل المسئولية والعمل بروح الفريق الواحد مع ضعف التشجيع المادي والمعنوي لمبادرات الشباب في التنظيم .
وفي ظل هذا الوضع السائد في العمل التنظيمي في المحافظات الجنوبية يبدو أن القيادة الشابة لم تستثمر الفرصة بالشكل المطلوب كما وكيفا ولم تأخذ العبر والعظات من الآخرين، ومع ذلك نري أن الخبرة والشباب لا بد منهما في التنظيم في كل المواقع.
لو استرجعنا الذاكرة نري أن قيادة فتح السياسية والعسكرية جميعها كانت من الشباب، فعند التأسيس كان ياسر عرفات الرقم الأول في القيادة، وكان عمره 29 عاما، أما أبو جهاد الرجل الثاني فكان عمره 23عاما فقط، وعند الانطلاقة المسلحة تم تشكيل القيادة العامة لقوات العاصفة، حيث كان القائد العام الشاب ياسر عرفات، وعمره 36 سنة، ولأنه أكبرهم سنا أطلقوا عليه عندئذ لقب الختيار، وكان أبو جهاد عمره ثلاثون سنة، وأبو علي إياد ثلاثون سنة، أما أبو صبري فكان أصغرهم سنا حيث كان خمسة وعشرين سنة، والجدير ذكره هنا أن أبو جهاد كان الوحيد المتزوج من القيادة، وكذلك اللجنة المركزية للحركة كانت أيضا من الشباب، والمؤشرات الشبابية في حركة فتح متعددة، وفي كل المجالات.
اليوم وبعد هذا التاريخ الطويل للتنظيم لا بد من إعادة صياغة العمل التنظيمي بما يتلائم مع التطور الفكري والنضج العقلي وخلق مساحات واسعة من الإبداع في إطار التنظيم وتكافؤ الفرص وهذا ليس ببعيد على حركة فتح العملاقة بعظمة أبنائها، وفوق كل ذلك الحرص أن يكون كل الحرص على بقاء الجسم الفتحاوي قويا متينا أمام أعين المتربصين لفتح ومشروعها الوطني.
بقلم / رمزي النجار
باحث وكاتب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت