أصالة الشعب الفلسطيني في مواجهة تشبيص حماس

بقلم: طلال الشريف


هناك ثقافة تعمقت في المجتمع بكل قطاعاته منذ سنوات، وهي، الفهلوة، التي توجتها فهلوة حماس في السياسة والادارة، ومن هنا يبدأ البحث فيما تراكم على هذه الثقافة من سلوكيات تبدأ بالمواطن وتنتهي بالوزير في كل قطاع الخدمات والقضية السياسية. وأساس هذه الثقافة هما حقيقتان هامتان، الأولى الهزيمة المجتمعية أمام جبروت الحكام، ولا أقول هنا الاحتلال، لأن الاحتلال لم يهزم مجتمعنا مباشرة، بل هزمه من خلال الحكام، وتلي هذه الهزيمة المجتمعية سقوط القيم والاعتبار التي بنى عليها مجتمعنا أصلا.

من هنا كانت ظواهر الفهلوة والجميع يراها كل يوم في السلوكيات العامة مع كل الفئات من المواطن والحكام وما بينهما، فلا إدارة تنجح ولا عقوبات في ظل هذه الفهلوة، وعليه فعوامل الهدم في مجتمعنا لازالت فاعلة حتى تطيح باللوحة السياسية الآنية وعلى رأسها الحكام، والتي بعدها يمكن وضع أساس جديد مبني على قيم تنهض بالمجتمع، وهنا قد لا تكون هي نفس القيم التي مجدناها في الماضي، ولكن سيصبح مجتمعنا له (1) ملامح جديدة، و ( 2) نظام سياسي مستقر، يكونان أساس العلاقات الجديدة في المجتمع الفلسطيني، ومنه تنتقل للمجتمع الخارجي، وقد تتكرس وتتعمق الهزيمة الحالية، وقد تحدث ثورة، ولكن المؤكد أننا سنكون غير ما كنا عليه، وستصبح علاقات الناس مبنية على ما تعاقدوا عليه من جديد.

أصالة المجتمع الفلسطيني ظاهرة بالتأكيد من خلال رفضه لما يمر به من أزمة كارثية حدثت قبل خمس سنوات عندما انقسم الوطن قبل تحرره رغم السكون.

حاولت حماس من حينها وإلى الآن الهروب بانقلابها نحو الجنوب رافضة كل ما نادي به هذا المجتمع المقهور، قلبوا كثير من المفاهيم لتشبيص الحالة التي أدخلوا نفسهم وأدخلوا شعبنا فيها دون مبادرات تنم عن الحكمة وقراءة المستقبل بشكل استراتيجي يأخذ في الحسبان ما يتمتع به المجتمع الفلسطيني من أصالة تعمقت قيمها بالنضال الطويل ضد الاحتلال، فاستخدموا القوة والإرعاب لتمرير ما يرغبون، ولكن نسوا أن الحالة التي صنعوها هي حالة قصرية غير طبيعية ولا تتناسب مع ظرف الشعب الفلسطيني الذي له قضية أولى وأساسية مع الاحتلال، وما السلطة والحكم إلا طريقة كانت لإنهاء الاحتلال وليس لتكريسه.

حماس حاولت منذ البدء الاستيلاء على مقدرات السلطة ما هو حقها وما ليس من حقها ، أخذت المباني الحكومية وغير الحكومية، أخذت الأراضي الحكومية وغير الحكومية، أخذت الوظائف الحكومية وغير الحكومية ، أخذت وسائل النقل الحكومية وغير الحكومية، فرضت قانونها على الناس، وليس القانون الفلسطيني، وقمعت الحريات بكل الأساليب وجمدت العمل السياسي في كل الخارطة السياسية الفلسطينية، تصرفت كحكومة وأحيانا كعصابة تستولي عل ما يفيدها بكل الأساليب والطرق الالتفافية، احتكرت كل شيء ولم تترك للمواطن ولكل ما هو غير حمساوي شيء، غيرت ما تريد ولم تترك ما لا تريد، وتقف عقبة في وجه الآخرين،

أصالة المجتمع الفلسطيني وقفت ولو سلبيا في وجه قمعها دون مقدرة على مواجهة صلف القوة المفرطة التي تستخدمها عمال على بطال في سبيل إخضاع الجمهور لقانونها، ولذلك خسرت في الشارع كثيرا وهربت من الانتخابات والانصياع لإرادة المجتمع الفلسطيني وساعدها على ذلك ضعف القيادة السياسية في اجتراع الحلول التي كانت تنقلها فجأة إلى خط المواجهة وتغادر العقل والضمير، والأصالة الفلسطينية تتمسك بالتناقض الأساس مع الاحتلال.

حماس لم تطور شيء في البلد، بل تراجعت الخدمات والصحة والتعليم وتراجع اهتمام الناس بحقوقهم وواجباتهم وحتى بمواجهة الاحتلال، حماس دفعت الناس نحو السكوت أو الالتحاق لمنهجها ليعيلوا أسرهم بعد أن طال زمن الانقسام وازدادت المعاناة، حماس لم ترصف شارعا، ولم تبن مدرسة، ولم تقلم شجرة في الشارع الفلسطيني، حماس انهمكت في حصارها مبدئيا ثم استغلت الحصار لمصالحها الحزبية والشخصية، حماس حاولت مع وصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم أن تهرب للجنوب أكثر رغم أن أرضنا المحتلة هي في شمال غزة وليس جنوبها، حماس استماتت في إمكانية عمل علاقات خارجية للاعتراف بها ولكنها فشلت إلى اليوم في اعتراف من أحد سوى مكونات حكم جماعاتها من الإخوان المسلمين.

حماس لم تحكم طوال خمس سنوات كقائد للشعب كله، وميزت في كثير من مناحي الحياة بين من هو حمساوي ومن هو مواطن غير حمساوي فخسرت الأغلبية وكسبت الأقلية، حماس لم تعالج الفساد الذي كانت تقول عليه وبقي الفاسدون وترعرعوا على خلفية تبادل المصالح، حماس تصرفت كأنها فوق المجتمع وليست على نفس المستوى الاجتماعي وتعالت على الناس، حماس بنت المولات والعمارات ولم تبن ما تهدم من الحرب، حماس كسبت من الناس ولم تعطهم شيئا من الأموال التي تصلها وهي في الأصل أموال للشعب الفلسطيني والجهات التي تقدم لحماس الدعم المالي والعيني هو للشعب الفلسطيني وإلا يكون هذا المال لأجندة حزبية يرفضها القانون والوضع الفلسطيني، حماس مكنت عناصرها في كل الوظائف ولكن بطريقة أكثر حزبية، حماس رفضت المواطن فرفضها المواطن.

حماس في طريق خاطئ إذا لم تتوقف عن محاولات شق التمثيل الفلسطيني في الخارج وفي الداخل، وما تريده لن يتحقق لأن الشعب الفلسطيني ليس كله حماس والدول خارج الوطن لا تتعامل على أساس حزبي وخاصة في الحكم ، على حماس العودة للعقل فقد فعلت الكثير دون فائدة وطنية عامة، ولم تنجح في عمل شيء للشعب الفلسطيني بمجموعه.

الاستمرار في هذه الحالة من الهروب لن تفيد حماس مستقبلا ، حماس عليها المصالحة مع الشعب الفلسطيني سريعا قبل أن تفقد باقي شعبيتها، حماس لن يفيدها الخارج فالشعب هو الحامي وهو الحاضنة لها ولكل التنظيمات وما فائدة أن تكسب حماس الخارج وتخسر شعبها وهي بالتأكيد لن تكسب من الخارج إلا من هم على شاكلتها وهم قلة في العالم الكبير، قضيتنا تحتاج علاقات مع كل العالم وليس فقط مع الإخوان المسلمين.

22/9/2012م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت