رام الله- وكالة قدس نت للأنباء
أكد احمد قريع "أبو علاء"، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على ان "اتفاق أوسلو وملاحقه، بما في ذلك بروتوكول باريس الاقتصادي، لم يأت نتيجة معركة عسكرية ظافرة، تمكن المنتصر فيها من إملاء شروطه وانتزاع كامل حقوقه، وإنما جاء كحصيلة لنضال وطني شاق وطويل، تراكمت خلاله عوامل إيجابية متفرقة أفضت بنا إلى إقامة سلطة مفتوحة السيادة، وإرساء أولى مداميك الكيان الوطني وإجراء الانتخابات وبناء أولى المؤسسات".
واشار الى ان "اتفاق باريس الذي أتى في أعقاب مفاوضات جانبية، شارك فيها عدد كبير من المفكرين الاقتصاديين والخبراء في حقل المال والاعمال والبنوك المركزية، بعضهم من مصر والأردن وبعضهم الآخر من لبنان، الى جانب مجموعة هامة من الباحثين الاقتصاديين الفلسطينيين أغلبهم جاؤوا من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ومن كوادر دائرة الشؤون الاقتصادية في منظمة التحرير الفلسطينية، ممن راكموا خبراتهم من خلال التجربة الميدانية على الأرض تحت الاحتلال".
وقال في ورقة عمل قدمها الى الملتقى الفكري العربي"لقد كانت الغاية من وراء اتفاق باريس ماثلة لنا بكل وضوح، ألا وهي إخراج الاقتصاد الفلسطيني من بطن اقتصاد الاحتلال الاسرائيلي، وإحداث أوسع قدر ممكن من التعادل بين اقتصاد اسرائيلي كبير ومتقدم، وبين اقتصاد فلسطيني صغير في طور النمو الأولي، من خلال تقطيع أواصر التبعية الاقتصادية والمالية بالحد الاقصى المتاح، وبالتالي الخروج من دائرة الهيمنة الاسرائيلية الكلية على الحياة الاقتصادية الفلسطينية، وخلق مقومات تنمية مستقلة تتيح تطوير اقتصاد ذي سياسات منفصلة عن الاقتصاد الاسرائيلي".
واضاف ابو علاء" لقد دارت مفاوضات باريس الاقتصادية في حينه تحت سقف المرحلة الانتقالية، ما جعلها تجري في مجريات المؤقت، وتتوافق بالضرورة مع مقتضيات الحل الممهد لمرحلة تالية مقررة مسبقاً، وتلحظ في الوقت ذاته إمكانية تطوير الاتفاق بما يتلاءم مع توسيع ولاية الحكومة الذاتية الانتقالية المؤقتة وشمولها المزيد من الاراضي الفلسطينية، بما في ذلك توسيع نطاق هذا الاتفاق على المستويين القطاعي والتخصصي ومجالات اخرى لم يتم التطرق اليها في حينه، ووفق ما تقرره اللجنة الاقتصادية الفلسطينية الاسرائيلية المشتركة".
وتابع ابو علاء" وعليه، فقد جاء هذا الاتفاق لينظم العلاقة الاقتصادية، لأول مرة وعلى نحو فيه قدر وإن كان محدوداً من التكافؤ، بين اقتصاد تابع واقتصاد مهمين تماماً، كان فيه القرار الاسرائيلي حتى حينه قراراً كلياً ومسيطراً سيطرة مطلقة وتامة على كل مناحي الحياة الاقتصادية الفلسطينية، حيث كانت تجبى الضرائب وتدفع الرسوم الجمركية دون أن يعود منها شيء على الاقتصاد القابع في جوف الحوت الاسرائيلي".
وزاد "وأكثر من ذلك فقد نص اتفاق باريس، وبصورة لا تقبل التأويل، على إعادة كثير من الصلاحيات والموارد والعوائد الى سلطة القرار الاقتصادي الفلسطيني بصورة متدرجة على مدى خمس سنوات.
وبالتالي فإنه لم يتم التنازل بموجب هذا الاتفاق عن أي شيء كان بين أيدينا، بل انتزعنا ما كان في وسعنا انتزاعه في إطار حل سياسي انتقالي، تمهيداً لمرحلة الحل الدائم والاستقلال الذي كان من المفترض أن يتم إنجازه بعد خمس سنوات من تاريخ هذا الاتفاق أي عام 1999".
وفي هذا الصدد فقد اكد على انه "ومع ذلك، لم يكن اتفاق باريس الاقتصادي اتفاقاً عظيماً، ولم تتح بنوده إقامة بنية اقتصادية متحررة ومتوافقة تماماً مع أماني الشعب الفلسطيني، لكنه اتفاق أحدث فرقاً ملموساً في حياتنا اليومية، وانتزع قدراً في بعض الجوانب الاقتصادية والمالية والمصرفية والتجارية، وأرسى سابقة يمكن البناء عليها، وأكد حقوقاً كانت مسلوبة بالكامل وغير معترف بها على الاطلاق".
وقال "ذلك أن هذا الاتفاق الاقتصادي لم يتم عقده بين دولتين، ولم تجر مفاوضاته للوصول للاتفاق الدائم، ولم ترق أهدافه إلى ما يتجاوز نطاق سلطة في طور التكوين، كانت تبدأ من نقطة الصفر على كل صعيد، وتتخلق مؤسساتها وأنظمتها وبنيتها من العدم على وجه التقريب، إلا أنه أول اتفاق اقتصادي من نوعه يكرس لنا حقوقاً مسلوبة، ويضعنا على أول الطريق الطويل نحو امتلاك القرار الاقتصادي المستقل، وإدارة بيتنا الوطني تحت سلطة وطنية انتقالية مؤقتة".
واضاف ابو علاء" واذا ما احتكمنا إلى النص، فقد غطى هذا الاتفاق كلاً من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتم التوافق تعاقدياً على تطبيق أحكامه على الأرض المشمولة بولاية السلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث يسمح للسلطة الوطنية استيراد المواد الغذائية وبعض السلع الصناعية ومشتقات النفط من الدول العربية والاسلامية، لا سيما من مصر والاردن، وذلك بحسب الرسوم التي تقررها السلطة، وبما يشمل مواد بينها المركبات والاسمنت والحديد وغيرها، أي إعادة الروابط بين الاقتصاد الفلسطيني وعمقه العربي لأول مرة منذ الاحتلال الاسرائيلي عام 1967".
وتابع "غير أن هذا الاتفاق نص في المقابل، على إقامة غلاف جمركي يشمل الاقتصادين الفلسطيني والاسرائيلي للمرحلة الانتقالية المؤقتة ولمدة لا تتجاوز 5 سنوات، وهو مزيج من النمطين المعروفين في عالم التجارة الدولية وهما: منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي، على أن يسمح بسياسة مالية جمركية فلسطينية مستقلة مع الاطراف الخارجية الأخرى، الأمر الذي أدى إلى إدامة روابط واسعة وغير متكافئة بين الاقتصادين المتفاوتين بكل المعايير الحسابية".
واكد ابو علاء على ان "قبولنا بالغلاف الجمركي هذا كان قبولاً بشروط المرحلة الانتقالية المؤقتة لدرء الخيار الأسوأ، اي المفاضلة بين استمرار الاقتصاد الفلسطيني ملحقاً ومندمجاً بالاقتصاد الاسرائيلي، على نحو ما كان عليه الحال طوال سنوات الاحتلال الطويلة السابقة، وبين تحرير جزئي لمرحلة انتقالية مؤقتة لاقتصاد وطني منهك كانت القطاعات المختلفة فيه تدفع الرسوم والضرائب لخزينة الاحتلال دون أي عوائد يعتد بها لصالح الفلسطينيين".
وقال "ولتوضيح الأمر أكثر، فقد كفل اتفاق باريس للسلطة الوطنية الفلسطينية حرية الاستيراد والتصدير عبر سائر المعابر البرية والجوية والبحرية المسيطر عليها من جانب اسرائيل، وان تتم المعاملات التجارية هذه بمعايير مساوية لتلك المطبقة على المستوردين والمصدرين الاسرائيليين".
واضاف ابو علاء "وضمن لنا هذا الاتفاق كذلك الحصول على عوائد الجمارك التي تدفع على المستوردات الفلسطينية عبر تلك المؤانئ، على أن يتم تحويل المبالغ الى حساب السلطة الوطنية خلال ستة أيام من التخليص على البضائع المستوردة حتى وإن كانت عبر وكيل اسرائيلي".
وتابع "كما كفل لنا هذا الاتفاق أيضاً الحق في فرض الضرائب المباشرة، مثل ضريبة الدخل والاملاك والاراضي وجميع الرسوم البلدية، وفق المتطلبات المالية والاقتصادية الفلسطينية، وبصورة مستقلة تماماً عما هو معمول به في اسرائيل، أي انتهاج سياسة مالية مستقلة تحدد بموجبها النسب الضريبية والجمركية الملائمة لاعتباراتنا الاقتصادية والاجتماعية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة دون فرض أو إملاء من جانب اسرائيل".
وزاد ابو علاء "ولا أود أن أمضي أكثر في بيان بعض المنافع الجزئية المتفرقة في نص اتفاق باريس، مثل تحويل 75% من عوائد ضرائب العمال الفلسطينيين في اسرائيل، وشمولهم بالتأمين الاجتماعي والخدمات الصحية، فضلاً عن إنشاء سلطة نقد فلسطينية مستقلة تقوم مقام البنك المركزي ما عدا إصدار العملة، وتولي سلطة التأمين جميع الصلاحيات في المجال التأميني، فيما تقوم سلطة سياحية مستقلة بالمهام المتعلقة بالقطاع السياحي".
ولكنه اشار ايضا الى انه "مقابل هذه المنافع المتفرقة دفعنا أثماناً كبيرة، حيث فرضت علينا شروط المرحلة الانتقالية القبول بسلطة انتقالية منقوصة السيادة، وبسياسات اقتصادية مالية اجتماعية منقوصة السيادة كذلك، أي أننا بقينا سلطة وطنية تحت الاحتلال، يجور عليها وينتهك صلاحياتها، ويقرر من طرف واحد ما هو مسموح به وما هو محظور، يغلق علينا المعابر متى شاء، ويقيم الحواجز أينما رغب".
واكد على انه "اذا ما أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة، ونضع أصابعنا على الجرح تماماً، ونتحدث بالفم الملآن دون تأتأة، فان علة العلل، وبيت الداء الفلسطيني المقيم منذ نحو عشرين عاماً لا يكمن في اتفاق باريس الاقتصادي، الذي لم نرمه بحجر حتى انفجار الأزمة الأخيرة، وإنما يكمن هناك في موضع آخر، أي في الالتزام الدقيق بتنفيذ الاتفاق السياسي المرحلي الذي تجاوز آجاله الزمنية المقررة، ودخل في شبه غيبوبة مديدة، وجرى انتهاكه مرة إثر مرة من جانب قوة احتلال غاشمة، وإغماض العين من قبل المجتمع الدولي وخاصة من قبل الراعي الأميركي عن الممارسات والانتهاكات والمماطلات الاسرائيلية، حيث بدا هذا الاتفاق وكأنه اتفاق دائم لإدارة الأزمة التاريخية لا حلها، وهو أمر انسحب بالضرورة على فرعه الاقتصادي".
ودعا ابو علاء الى ان "لا نضيع اتجاه البوصلة، لا اليوم ولا غداً، وأن نصب جهودنا على الهدف الأوسع نطاقاً، والأشد أهمية، ونعني بذلك العمل على إلزام إسرائيل بتنفيذ بنود اتفاقات المرحلة الانتقالية، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه بمقتضى ما وقعنا عليه مع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، بما في ذلك حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، وأخص بالذكر منها النبضة الثالثة، عوضاً عن الدخول في مناكفات داخلية لا طائل من ورائها، ولعله من غير الجائز محاكمة واقعة خارج سياقها الزمني وظروفها الخاصة".
وقال" فنحن عام 1994 حين وقعنا اتفاق باريس كنا بلا مقومات اقتصادية، نحاول الانتقال من فضاء التاريخ الى حيز الجغرافيا، والعبور الى أرض الوطن بلا عدة ولا عتاد، فيما نحن نملك اليوم قواماً سياسياً معترفاً به على أوسع نطاق، لدينا المؤسسات والاجهزة والشرعية الدولية التي لم تكن لدينا من قبل، الأمر الذي لا تستقيم معه المكاسب الضئيلة التي تحققت في تلك البيئة غير المواتية، مع ما يمكن أن ننجزه ونحن هنا على الأرض، رغم قسوة الظروف وصعوبة المرحلة وتعقيداتها".
وعلى ذلك فقد ختم ابو علاء بالقول "وإذ أضم صوتي الى أصوات كل المطالبين بإعادة فحص اتفاق باريس، وأضع نفسي في خدمة هذا الهدف بما يتلاءم والواقع الفلسطيني الذاتي الذي تغير كثيراً عما كان عليه واقع الحال الاقتصادي عام 1994، فإنني أدرك أن بلوغ هذا الهدف لن يتحقق بالصراخ ولن نمسك بأهدابه من خلال الشكوى والتظلم والنكايات، بل من خلال عمل منهجي مدروس، نعيد فيه الاعتبار لوضعنا الوطني الذي لا يسر، وإعادة بناء تحالفات أعمق وأوسع نطاقاً، تتيح لنا من موقع أكثر ندية طلب تغيير الأوضاع القائمة وانهاء سيطرة الاحتلال وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، اي إنهاء المرحلة الانتقالية بما في ذلك اتفاق باريس الاقتصادي وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين وتحرير أسرانا من سجون الاحتلال الاسرائيلي".
وقد لفت ابو علاء الى أن "اتفاق باريس الاقتصادي هو جزء من اتفاق أشمل يعرف باسم اتفاق أوسلو، كان اتفاقاً انتقالياً مؤقتاً لمرحلة انتقالية مؤقتة لا تتجاوز 5 سنوات نصاً واضحاً في الاتفاق شأنه في ذلك شأن الاتفاق السياسي الذي كان مقدراً له أن ينتهي عام 1999 ليحل محله اتفاق دائم" وقال "التعثر الطويل والاخفاقات الشديدة في تنفيذ الاتفاق الأم، أي الجانب السياسي، أدى بالضرورة إلى بقاء الشق الاقتصادي منه على حاله الى اليوم" واضاف "ان هذا الاتفاق وكما نص عليه بوضوح يتطلب تشكيل وتفعيل لجنة اقتصادية مشتركة من المفترض أن تتولى عملية المراجعة الدائمة لهذا الاتفاق ومراجعة تطبيقاته".
وكان الملتقى الفكري العربي، نظم حوارا حول مائدة مستديرة في معهد "ماس" بتاريخ 18 ايلول 2012، حول اتفاق باريس شارك به كل من: امين حداد، سمير حليلة، سمير عبدالله، كمال حسونة، ماهر المصري، محمد المسروجي، منيب المصري، نصر عبد الكريم ونعمان كنفاني. افتتح اللقاء عبد الرحمن ابو عرفة وادار النقاش عزام ابو السعود.
