في الأيام الأولى لنكبة فلسطين عاني الفلسطينيون من صدمة شديدة ، بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة يعيشون في مخيمات البؤس والشقاء لذلك كانت ردود أفعالهم تتسم بالقوة حيث لم يرضوا عن الوطن كاملا بديلا ، واستمر ذلك ردها من الزمن ساعدهم ذلك ما كان يصدر من بيانات الحكام الذين جاءوا على اظهر الدبابات رافعين رايات فلسطين عنوانا لما سمى في ذلك الوقت بالثورات ومجالس قيادات الثورة ، نعم لقد كانت فلسطين كلمة السر لاستمرار حكم هولاء ، الذين تبين فيما بعد أنهم لا يطلقون إلا فقاعات هواء لا فائدة ترجى من ورائها ، وامتدادا لذلك استمر الفلسطينيون حتى بعد اشتعال جذوة الثورة صد الغاصب المحتل عام 1965 ، لا يقبلون بديلا عن كامل التراب الوطني الفلسطيني ، ولهذا خاض الفلسطينيون معارك ضارية معارك سياسية تمثلت أولا في معركة انتزاع التمثيل الفلسطيني ليصبح فيما بعد في يد منظمة التحرير الفلسطينية ، ومعارك عسكرية قدم فيها الشعب الفلسطيني التضحيات الجسام ، بعد حرب عام 1967 ، وجد الفلسطينيون أنفسهم وبعد خوضهم غمار الثورة المسلحة والعمل السياسي أنهم يقفون أمام خيارين لا ثالث لهما وهما : الممكن والغير ممكن ، الممكن وهو إقامة دولة فلسطينية على أي شبر يتحرر من فلسطين ، والغير ممكن تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني بسبب اختلال موازين القوى لا سباب كثير منها، تراجع القوى المساندة لقوى التحرر العالمي وأبرزها الاتحاد السوفيتي السابق ، والدول الاشتراكية الأخرى في ذلك الوقت ، والثاني صعود نجم الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر داعم ومساند لإسرائيل ، لذلك كان من الحتمي تأجيل المطلب الفلسطيني بتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني لحين التغير في موازين القوى .
وهكذا كان نهج القيادة الفلسطيني وصولا إلى اتفاقات أوسلو ، التي مضى على توقيع أولى اتفاقاتها وهي اتفاقية إعلان المبادئ "غزة – أريحا أولا " تسعة عشر عاما لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في هذه الاتفاقية وما تلاها من اتفاقيات ، تسعة عشر عاما وشعبنا وقيادته يدورون وكأنهم يدورون حول ساقية ، بسبب المماطلة والتسويف الإسرائيلي وتهرب حكومات إسرائيل من تنفيذ التزاماتها التي تم التوقيع عليها .
وفي الوقت الذي بذلت فيه القيادات الفلسطينية جهودا جبارة من اجل الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية ، حيث جابت هذه القيادات وعلى رأسها الرئيس الراحل ياسر عرفات ومن بعده الرئيس محمود عباس دول العالم وربما لم يتبق دولة من دول العالم إلا وحطوا الرحال فيها من لقاءات ومؤتمرات ، أمم متحدة ، وقمم عربية وإسلامية ، وعدم الانحياز وغيرها ، مئات القرارات والتوصيات ، مواقف شجاعة من الناحية النظرية، لصالح شعبنا وقضيته ، كل هذا أصطدم بالموقف الإسرائيلي الرافض لحق شعبنا في الوجود ، وكان آخر ما كان هو خطاب الرئيس في الأمم المتحدة في دورتها الحالية طالبا بعضوية غير كاملة لفلسطين ، ولا ندري حتى اللحظة مدى إمكانية نجاح هذا المسعى ،
بعد كل هذه الرحلة التي استمرت أكثر من أربع وستين عاما يجد الفلسطيني نفسه الآن تائها ، ولا يدري أين المسير أو المصير ، إذ بات الكثير يشعر بالتشاؤم وكأن جميع الطرق والمنافذ قد سدت أمامه ، والسؤال الآن هل صحيح أن الحيلة قد أعجزت شعبنا ، أم أن اليأس والإحباط سيأخذ مأخذه من شعبنا .
اعتقد الآن وبعد هذه الرحلة الطويلة نسبيا وما نتج عنها من انسداد الآفاق ، وحالة محلك سر ، فلا بد من الخروج من هذه الحالة إلى حالة جديدة ، لابد من استنهاض القوى فشعبنا الذي اظهر من مظاهر الإبداع في مجالات التصدي والصمود عبر تاريخه المعاصر قادر على أن يبدع إبداعات جديدة ، فالانتفاضة الأولى ليست بعيدة وهي إبداع فلسطيني من الطراز الأول حيث دخلت الانتفاضة قاموس السياسة العالمية لأول مرة ، الصمود الفلسطيني الأسطوري أما الحصار والعدوان إبداع أخر ، استخدام الأسلحة المصنعة محلية صورة أخرى من صور الإبداع ، المهم هو عدم السكوت والركون والاستسلام لان مسيرة الشعوب يجب أن لا تتوقف ، وعليه فالمطلوب فلسطينيا ، واقصد هنا كل مكونات شعبنا فصائل وأحزاب مثقفين وقيادات ، القيام بحراك داخلي عنوانه فلسطين وخياراتها ، بشرط أن يكون هذا الحراك بعيدا عن التخندق الحزبي والفئوي فالمصلحة العليا لشعبنا هي القاسم المشترك بين الجميع .
لا بد من الخروج بخيار يخرجنا من هذه الحالة الراهنة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر هل يمكن حل السلطة الفلسطينية ، وما هي تبعات ذلك على شعبنا ، وما البديل ، أم هل نوقف الاعتراف باتفاقيات اوسلوا ونطالب بتعديلها ، هل يمكن إعلان الدولة من طرف واحد ، هل يمكن العودة إلى الكفاح المسلح ، أسئلة كثير يمكن الإجابة عليها من خلال هذا الحراك الوطني .
اكتب هذا الأفكار واعلم تماما أن لاشيء يمكن أن يتحقق في ظل الانقسام والتشرذم الفلسطيني الآن ، ولكن لو استطعنا في هذا الحراك إذا ما بدا إزالة الأنا من نفوسنا حيث الكل منا يطمح أن يكون هو القائد وهو الرئيس وهذه مشكلتنا الرئيسية ، وهذه هي طامة الانقسام الكبرى إذ يرى كل فصيل من الفصائل المتصارعة هو الأجدر بتمثيل الشعب الفلسطيني ، فإذا زالت كلمة أنا وحل محلها كلمة نحن واقصد بنحن الكل الفلسطيني ، عندها يمكن القول أن الانقسام قد انتهي ، وعندها يمكن الاستبشار بان عهدا فلسطينيا جديدا ومرحلة فلسطينية جديدة قد بدأت لتخرجنا من حالة الجمود والركود إلى الديناميكية التي تفرضها حركة الشعوب ، أتمنى أن أرى حراكا فعالا يشارك فيه الجميع جنبا إلى جنب تحت راية واحدة وهدف واحد ، حراك يظهر ويجسد الإرادة الشعبية للحفاظ على مشروعنا الوطني ، أتمنى أن أرى قريبا فعاليات هذا الحراك ، ندوات ، حلقات نقاش ، مهرجانات ، مؤتمرات الخ .، بدلا من أن نقف متفرجين عاجزين ونحمل بعضنا بعضنا مسئولية الفشل والتقصير .
أكرم أبو عمرو
30/9/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت