حل الدولتين وحل الدولة الواحدة

بقلم: علي بدوان


لم تأخذ القضية الفلسطينية حقها ونصيبها من النقاش والتفاعل الحقيقي والجدي عبر أعمال الدورة الـ(67) للجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام خلت، فقد غابت فلسطين عن خطابات وكلمات العديد من رؤساء الوفود الدولية الذين أشاروا اليها مروراً ودون توقف يذكر، ودون اعطاء مواقف واضحة تجاه الأزمات الكبرى التي مازالت تعصف بعملية التسوية منذ أن وصلت الى الجدار المسدود بفعل الموقف الاسرائيلي وغياب المرجعيات الدولية الضاغطة على الدولة العبرية الصهيونية، اضافة لفقدان الموقف العربي الجدي الذي مازال موقفاً ارتجالياً، لهوفاً ولاهثاً وراء دور أميركي مفترض، فيما تضع الولايات المتحدة كل بيضها في سلة الاسناد الكامل للموقف الاسرائيلي والتغاضي عن سياسات الاحتلال بما في ذلك سياسات الاستيطان والتهويد التي نهبت وابتلعت الأجزاء الكبيرة من الأرض المحتلة عام 1967 .

فلسطين وكلمة أبو مازن

لقد غابت فلسطين نسبياً عن أعمال الدورة الـ (67) للأمم المتحدة، ولم تجد لها مكاناً في النقاش والحوار كما يريد الفلسطينيون، بالرغم من الخطاب السياسي للرئيس محمود عباس، الذي قدم رؤية تاريخية موفقة، كما في اشاراته المحددة لفشل عملية التسوية في المنطقة على ضوء السياسات الاسرائيلية خصوصاً بالنسبة لمسألة وقف عمليات التهويد والاستيطان الزاحف فوق عموم الأرض المحتلة عام1967 وفي منطقة القدس وداخل حدودها الادارية وأحيائها العربية المسيحية والاسلامية.

فكلمة الرئيس محمود عباس، كلمة مؤثرة، وقد حملت توصيفاً جيداً ومؤثراً لمعاناة الشعب الفلسطيني منذ قيام الكيان الصهيوني على أنقاض كيانه الوطني والقومي عام 1948، وسرد بشكل واضح مسلسل عملية التسوية التي انتهت الى الجدار المسدود.

كلمة الرئيس عباس، وان لاقت ترحيباً فلسطينياً عاماً، من جميع القوى والفصائل الفلسطينية، الا أنها ووجهت بملاحظات ذات بعد سياسي من قبل بعض القوى الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي رأت بأن الكلمة (الخطاب) كانت جيدة، الا أنها تضمنت في جوانب منها نفس مفردات الخطاب السياسي التقليدي الذي يتبناه الرئيس محمود عباس وتتبناه معه منظمة التحرير الفلسطينية والمقصود هنا مسألة حل الدولتين التي لاتوافقها حركة حماس، وترى فيها تفريطاً، خاصة بالنسبة لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة تحت عنوان حل متفق عليه اضافة للاعتراف الفلسطيني بالدولة العبرية الصهيونية.

أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي تعتبر الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، فقد نوهت بضرورة الاستفادة من موقف الرئيس محمود عباس الذي أشار لفشل عملية التسوية وخيار المفاوضات، لتنطلق في ذلك نحو تقديم موقف آخر عنوانه العودة لـ خيارات فلسطينية جديدة بعيدة عن طاولة المفاوضات التي أضحت خياراً يتيماً تجرى تحته كل سياسات اسرائيل الجائرة تجاه الفلسطينيين.

وأغلب التقدير بأن الجانب المتعلق بشأن الطلب الى الجمعية العامة لاعتماد فلسطين دولة غير كاملة العضوية في كلمة الرئيس محمود عباس، كان له وظيفة اعلامية وسياسية، أكثر منه وظيفة ذات بعد استراتيجي، فالجانب السياسي والاعلامي من الطلب الفلسطيني الرسمي يتحدد كما تشير مصادر السلطة الفلسطينية ذاتها في رام الله بـ رفض الانصياع

للضغوط التي تقودها الولايات المتحدة لثني الفلسطينيين عن السير باتجاه عضوية المنظمة الدولية، أو ادخالها الى مسار الحل. فواشنطن مازالت ترى وستبقى كذلك بأن مسار الحلول السياسية في الشرق الأوسط يقع تحت سقف مساعيها ودورها الدولي الأساسي في هذا الميدان، وأن تشكيلة ما يسمى بـ «اللجنة الرباعية الدولية» ليست أكثر من واجهة لا دور لها في مسار الحل أو في رعاية أي عملية تفاوضية بين الدولة العبرية الصهيونية والفلسطينيين وحتى أي طرف عربي والمقصود سوريا ولبنان في هذا المجال.

وعليه، ان خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة وبأي محتوى كان لم يكن يعني اسرائيل التي لاتريد أصلاً اشراك أي طرف دولي مؤثر في المسار السياسي لعملية التسوية في المنطقة، وتتوافق تماماً في هذا المسعى مع الطرف الأميركي من خلال حصر العملية برمتها تحت الرعاية الأميركية دون غيرها، واستبعاد اللجنة الرباعية الدولية والأمم المتحدة، وبالتالي الاستفراد بالطرف الفلسطيني ووضعه تحت مطرقة الضغط الاسرائيلي اليومي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وعلى أرضية السندان الأميركي.

ان كلمة الرئيس محمود عباس قوبلت باستهتار واستفزاز اسرائيلي رغم الخطوط العريضة السلامية الحمائمية التي أضافها الرئيس محمود عباس في كلمته ومنها تأكيده بأن الشعب الفلسطيني سيعتمد المقاومة الشعبية السلمية الحضارية لتصفية الاحتلال العنصري الاسرائيلي وبناء دولته المستقلة الحرة.

لقد بانت فجاجة الموقف الاسرائيلي عبر مفردات خطاب نتانياهو الذي عبر عن اصراره وباسم ائتلافه الحكومي على مواصلة سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وبخاصة حول مدينة القدس ولم يترك مجالاً على الاطلاق لانجاح فكرة حل الدولتين اذ لا يمكن الحديث عن قيام دولة فلسطين في ظل ابتلاع الاستيطان لمعظم أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967 .

كما بانت فجاجة الموقف الاسرائيلي من خلال تركيز نتانياهو في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على الموضوع الايراني وملف القنبلة النووية الايرانية في الوقت الذي تملك فيه اسرائيل ترسانة مرعبة من القنابل النووية المخبأة في أكثر من مكان على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، وعلى الأخص في منطقة تل نوف القريبة من مدينة الرملة حيث تتواجد الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية. فنتانياهو أراد من خلال الاشارة على ايران وملفها النووي تقديم كلمة خداع للعالم لاظهار اسرائيل وكأنها دولة محبة للسلام.

سقوط حل الدولتين

انطلاقاً من الوارد أعلاه، ان مسار الأحداث في المنطقة لا يبشر بالخير على الاطلاق بالنسبة لعملية التسوية على المسار التفاوضي الفلسطيني ـ الاسرائيلي. فحل الدولتين أصبح عملياً في خبر كان في ظل الهجمة الاستيطانية التهويدية الشرسة. وفكرة حل الدولتين تقف على مفترق طرق في اطار الفرصة الأخيرة لانقاذ عملية السلام، وهو ما كان قد أشار اليه الوزير الاسرائيلي يوسي بيلين الذي شغل مقعداً في البرلمان الاسرائيلي ممثلاً لحزب العمل وحركة ميريتس اليسارية الصهيونية، وكان من صناع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي اعتبر بأن اعلان اوسلو أصبح وسيلة أتاحت للطرفين احباط حل الدولتين، مشيراً وحسب زعمه وباعتباره من صناع اتفاق اوسلو أن اتفاقية أوسلو كانت نصراً عظيما لمعسكري السلام في الجانبين، وقد تم احباطها من جانب أعدائها الذين لا يريدون تعزيز حل الدولتين. فيوسي بيلين يقر الآن بأن حل الدولتين قتلته سياسة الاستيطان الاسرائيلية الذي يتوسع في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأنه يجب التفكير في حلول أحدها هو حل الدولة الواحدة، على الرغم من المشاكل التي لا نهاية لها والكامنة فيه. وفي المسار ذاته، فان أحمد قريع، وهو رئيس وزراء فلسطيني سابق والذي كان واحداً من المفاوضين الرئيسيين في عملية صناعة اتفاق أوسلو، اعتبر بدوره أن حل الدولتين أصبح ميتاً، وأن خيار الدولة الواحدة الديمقراطية لكل من الفلسطينيين والاسرائيليين يجب التفكير به حالياً.

وبعيداً عن جدية أو عدم جدية أقوال كل من يوسي بيلين وأحمد قريع، الا أنهما يعكسان في حقيقة الأمر وجهة نظر باتت محط جدل ونقاش حتى داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية وداخل صفوف قطاعات متزايدة من الأنتلجنسيا اليهودية، وبات يتبناها أيضاً الكثير من المراقبين لعملية التسوية المتوقفة في المنطقة والغارقة في أوحال

التعقيدات الهائلة، مع انغلاق نافذة الفرصة لاقامة الدولة الفلسطينية كما يرى البعض، أو قرب انغلاقها.

لقد بدأ الحديث عن حل الدولة الواحدة التي يحلو للبعض بتسميتها الدولة الموحدة ثنائية القومية في السنوات الأخيرة، من قبل بعض المثقفين الفلسطينيين واليهود داخل المناطق المحتلة عام 1948، ومن قبل بعض المثقفين الفلسطينيين في الشتات في سوريا والولايات المتحدة بشكل رئيسي. منطلقين من أن الوقائع على الأرض باتت تحفر أخاديدها، وأن الغالبية الساحقة من سكان الدولة العبرية من اليهود باتوا من مواليد فلسطين وبالتالي لم يعد أمامهم من موطن سوى مكانهم الراهن، الذي يفرض عليهم وعلى الفلسطينيين البحث عن حل عادل يتمثل بدولة موحدة لشعبين (بالرغم من التحفظ على كلمة شعبين، حيث لاتنطبق على اليهود في فلسطين كلمة شعب والا فنحن نخالف منطق الأشياء).

وبالطبع، فان حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة على أرض فلسطين هو البديل من وجهة نظر البعض الذين مازالوا يُشكلون الى الآن حضوراً محدوداً داخل اسرائيل منطلقين من أن حل الدولة الواحدة سيفرض نفسه تلقائياً مع مرور الزمن على أرض الواقع وهو في جوهره من وجهة نظرهم حل دولة ثنائية القومية، رعاياها متساوون، وستلغى عندها هوية الدولة اليهودية. فهناك تأييد، وان يكن مازال محدوداً، لفكرة الدولة الواحدة في أوساط اسرائيلية على أساس أن ذلك هو الفرصة الوحيدة لحل سياسي حقيقي في الشرق الأوسط حتى لو كان ذلك على حساب ما يسمونه بالوطن اليهودي. أخيراً، وكما هو ملاحظ بالنسبة لحل الدولتين، فان الحل يكاد يبدو مستحيلاً بالشروط الأميركية والاسرائيلية، اذ لا تريد كل منهما اعطاء الفلسطينيين القدس، ولا الرجوع لحدود العام 1967 ولا تفكيك المستعمرات، بل هم يريدون دولة اسمية للشعب الفلسطيني بدل الحقوق، وليس دولة بحقوق (أكثر من حكم ذاتي بقليل وأقل من دولة بكثير) مع شطب حق العودة الذي يشكل لباب القضية الفلسطينية وعنوانها الأساس.


صحيفة الوطن القطرية

الأربعاء 3/10/2012

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت