السلطة الفلسطينية أمام تحديات مصيرية

بقلم: ماجد الشيخ


الآن وبعد انفضاض جولة من جولات اندفاع السلطة الفلسطينية نحو العمل على قبول فلسطين كدولة غير عضو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وتأجيل طلب التصويت إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبعد حملة من التهجمات الإسرائيلية، كما وردت على لسان أفيغدور ليبرمان وزير خارجية الائتلاف اليميني الحاكم، ضد السلطة ورئيسها؛ على خلفية خطابه في نيويورك؛ عادت السلطة والوضع الفلسطيني عامة، يواجه مجموعة من التحديات المصيرية، ومنها ما يتعلق بشرعيتها التمثيلية المهددة، ليس بفعل استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، وما آلت إليه وضعية المصالح المتنافرة والمتناقضة بين طرفيه أو أطرافه المستفيدة والمتنفذة، بفعل انقسام النظام السياسي الفلسطيني وتشتته بين داخل وداخل، وبين الخارج على تعدد اتجاهات وتوجهات قوى المنظمة (م.ت.ف.) وقوى التحالف الوطني التي تعتبر نفسها "معارضة الخارج"؛ بل وبفعل تشكل اتجاهات وتوجهات جديدة لدى قوى "الإسلام السياسي" على اختلاف هوياتها وجنسياتها في المنطقة. ما يدفع بـ "إسلاميي" غزة للاستقواء بوضعية هيمنة "الإخوان" على النظام السياسي في مصر، وتعاطي بعض المحسوبين على "التيار الإخواني" أو الداعمين والممولين له، إلى لعب أدوار غير صحية، إن لم نقل أكثر، وذلك في مواجهة السلطة الفلسطينية، وهي تواجه مجموعة من المعضلات والمآزق التي تهدد ليس شرعيتها التمثيلية فحسب، بل وشرعية وجودها كوارثة لقيادة المشروع الوطني، وهو ما عبرت وتعبر عنه منظمة التحرير الفلسطينية، ككيان يعبر عن الوطنية الفلسطينية الجامعة لكل أطياف الحركة الوطنية.

وبالإضافة إلى حركة الاحتجاج المتواصلة وإن بتقطع بين الحين والآخر، على الأوضاع الاقتصادية المزرية، وحال الاستعصاء السياسي، وتردي الوضع الاجتماعي لمزيد من فئات الشعب الفلسطيني على امتداد الوطن في الداخل، كما وعلى امتداد مناطق الشتات، حيث المعاناة واحدة في مواجهة قصور يد السلطة عن مواصلة تأمين الرواتب الشهرية لموظفيها ومنتسبيها في الداخل والخارج. تواجه السلطة محاولات مستجدة للانتقاص من شرعيتها التمثيلية، إلى حد لجأت معه مؤخرا إلى الطلب من المملكة العربية السعودية التدخل لدى مصر وقطر للحفاظ على شرعية ووحدانية التمثيل الرسمي الفلسطيني، وذلك في ظل شروع الدولتين بالتعامل مع الحكومة المقالة بغزة برئاسة اسماعيل هنية كبديل للسلطة الفلسطينية في القطاع.

كذلك وفي مواجهة حركة الاحتجاج التي تواصل فعالياتها، خرجت السلطة ولأول مرة عن صمتها، لتلقي بالمسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية في مناطقها على دول عربية "مانحة" واتهمتها بالمشاركة "عن عمد وقصد" بتجويع الشعب الفلسطيني، ومقايضته بالدولارات لقبول "دولة مسخ"، وذلك في أعقاب اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية في مناطق الضفة على موجة غلاء الأسعار، التي دفعت برئيس الوزراء سلام فياض إلى الإعلان عن استعداده لمغادرة منصبه إن كان ذلك سيؤدي لحل الأزمة.
في المقابل ولأن إسرائيل استشعرت خطورة اهتزازات الوضع الفلسطيني، فقد ذهب قادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية لتحذير الحكومة ورئيسها بنيامين نتانياهو، من مواصلة انتهاج سياسة عديمة المسؤولية تجاه السلطة الفلسطينية، ما قد يتسبب في انهيارها جراء الأزمة الاقتصادية. ويرى هؤلاء في عدم الهدوء الاقتصادي في أراضي السلطة "أرضاً خصبة لنشاط حركة حماس التي وضعت لنفسها هدفاً واضحاً هو السيطرة على الضفة، تماماً كما فعلت في الانقلاب الهادئ في القطاع".
ولم تكتف إسرائيل بهذه المواقف، بل ذهبت المؤسسة الأمنية ووزير الدفاع أيهود باراك لحض رئيس الحكومة ووزير المال على تحويل العائدات الضريبية الشهرية (نحو 100 مليون دولار) إلى السلطة الفلسطينية في موعدها من دون تأجيل، ليتاح للسلطة صرف معاشات موظفيها في الوقت المحدد. وأضافت أن أوساطاً أمنية، خصوصاً المخابراتية، حذرت المستوى السياسي من احتمال أن يلجأ الرئيس محمود عباس إلى حل السلطة، (وهو ما أشار إليه الرئيس في اجتماع القيادة الأخير قبل التوجه إلى نيويورك) ما يعني عودة الكرة إلى الملعب الإسرائيلي، وتحمل مؤسسات الاحتلال مسؤولياتها القانونية والاقتصادية لتصريف شؤون السكان الفلسطينيين في الضفة.
لهذا ولتفادي انهيار السلطة والدفع بمواقف لها تصل إلى حد الإعلان عن إلغاء اتفاق أوسلو أو انهيارها اقتصاديا أو موتها سياسيا، وفي محاولة لتحسين الاقتصاد الفلسطيني؛ قال موقع "ويلا" الإخباري قبل أيام أن الحكومة الإسرائيلية أقرت في نهاية الأسبوع الماضي رزمة مساعدات جديدة للسلطة الفلسطينية، تشمل مصادقتها على تنفيذ عشرات المشاريع بتمويل دولي لبناء وترميم المدارس والعيادات الطبية والبنى التحتية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وزيادة عدد تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، والسماح لأول مرة منذ العام 2007 بتصدير منتجات النسيج والأثاث من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.
رغم ذلك توقع موقع صحيفة "هآرتس" على الشبكة العنكبوتية أن يصل الغضب الفلسطيني إلى إسرائيل، وذلك على خلفية تواصل الاحتجاجات الفلسطينية، ضد سياسات الحكومة الفلسطينية التي تشهد تحولا كبيرا في ضوء السياسات الإسرائيلية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية. حيث أن الاحتجاج الاجتماعي الفلسطيني؛ وإن استمر ما يقارب الأسبوع، إلا أنه لم يختف، وإذا ما تفاقم الوضع، فلا شك أن الاحتجاجات سوف تتجه ضد الاحتلال بشكل مباشر. حيث يعاني الاقتصاد الفلسطيني من الركود والضعف، وذلك بسبب سياسة نتانياهو بالاستمرار في بناء المستوطنات، وتجنب المفاوضات السياسية، وأيضا تجاهل الإرهاب اليهودي. ويمكن للوضع الهادئ الذي يسود الضفة الغربية أن ينفجر بشكل عنيف السنة المقبلة في ضوء السياسات الإسرائيلية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، ومن الممكن أن يكون الغضب أولا ضد السلطة الفلسطينية، لكن في نهاية المطاف سيتوجه ضد إسرائيل.
. كل هذا وما تزال السلطة وحكومة نتانياهو والولايات المتحدة، والجميع يراوح في ذات المواقف والمواقع إياها، التي لم تقدم للسلطة أو لغيرها أي طوق نجاة، من الوضع الذي يتردى فيه مأزق العملية السياسية ومفاوضاتها المغدورة، فلا السلطة قادرة على زحزحة مواقفها في اتجاه الالتقاء مع حكومة يمينية متطرفة، لا تنوى التزحزح أساسا من بؤر استيطانية كبرى باتت تشكل عماد بقاء الحكومة واستمرارها، وفق ذات التشكيلة التي ترسّمت حكومة نتانياهو كحكومة للتطرف و"الإجماع القومي" على البقاء في ما تسميها أراضي "يهودا والسامرة"، في ذات الوقت الذي لم ولن تستطيع إدارة الرئيس أوباما تقديم أي وعد؛ سوى وعد تبادل المنافع مع إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، في فترة هي الأحرج على أبواب الانتخابات الأميركية. أما السلطة فليس لها سوى بعض فتات الدعم الإسرائيلي للبقاء على "حافة أوسلو"، وبعض دعم عربي يحميها من التفريط بشرعيتها التمثيلية التي بات بعض العرب، للأسف، من أنصار "الإسلام السياسي" يغامرون بالإقدام على محاولات دؤوبة لفرطها والتفريط بها، لمصلحة "إمارة خليفية" لا شأن للوطنية الفلسطينية بها من قريب أو من بعيد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت