غزة- وكالة قدس نت للأنباء
لم يستسلموا مثل الآلاف من بنات جلدتهم للإقصاء والتهميش والعيش خلف جدران صماء، كسرن كل القيود والحواجز الوهمية التي فُرضت عليهن، فانتقلن بجدارة من خانة المهمشات إلى خانة الرائدات.
أم يوسف "33عامًا" تقطن وسط قطاع غزة إحدى السيدات التي تمردت على واقعها وكسرت كل القيود التي فرضتها عليها تقاليد المجتمع، لتنتصر لنفسها ولأبنائها الستة بعد أن عجز والدهم بدخله المحدود، في تلبية احتياجاتهم وتحقيق أحلامهم البسيطة.
ودخلت أم يوسف قفص الزوجية بسن الزهور، ولم تسعفها الظروف لتُكمل دراستها، وارتضت لسنوات العيش في بيت عائلة زوجها، ورضخت لقوانينهم الجائرة، فـ "تحكموا بكل مفاصل حياتها، وعزلوها عن عالمها الخارجي، لتُصبح إحدى المهمشات المقهورات الذي لايعلم عنهُن أحد".
وتقول أم يوسف بصوت يملؤه الثقة والفخر: "عشت أيام صعبة تملأها مرارة والقهر والخوف، استسلمت خلالها لقوانين المجتمع فلم أكن اعلم أن لي حقوق ودور يمكن أن أقوم فيه بالمجتمع، وتمردت على تلك القوانين لأمارس حقوقي ودوري الطبيعي بالحياة ".
حكاية التغير..
وعن الفيصل الذي غير حياتها تبين "لا أبالغ لوقلت أن مركز صحة المرأة بالبريج التابع لجمعية الثقافة والفكر الحر كان ومازال له الفضل الأول بهذا التغير".
وتتذكر زيارتها الأولى للمركز فتقول :" كنت حامل وقتها وذهبت لأجرى الفحوصات الطبيعية واطمئن على الحمل، ونظرًا لأنه يقدم خدمات صحية بأسعار رمزية دوامت على الذهاب إليه، وتعرفوا خلال تلك الزيارات على ظروفي النفسية والاجتماعية".
وتضيف أم يوسف " فتم تحويلي لإخصائية إجتماعية ومن ثم لإخصائية النفسية بالمركز، والتي استطاعت بعد عدة جلسات للتفريغ النفسى ان تحسن من حالتى النفسية، واستكمالا لهذا الدور تم دمجى بنشاطات المركز بداية من قسم الرياضة".
وتتابع "مرورًا بحلقات التوعية والتثقيف بمختلف المجالات الصحية والاجتماعية والقانونية، لدرجة اننى بعد فترة أصبحت من متلقية إلى محاضرة أعطى محاضرات توعوية للنساء المهمشات وأعرفهن حقوقهن، وبدأت اكتسب الثقة شيئا فشيئا".
من ربة منزل لسيدة أعمال
وتستطرد أم يوسف "فبعد أن اكتسبت الثقة وبدأت أعرف أن لي دورًا بالمجتمع، بدأت أفكر بمشروع صغير، وفعلا ساعدني المركز لكي افتح مشروعي ،الذي بدأ ينجح ويكبر، من خياطة ومصممة عبايات صغيرة لنساء المنطقة ، لمورد لمناطق أخرى".
وعن حُلمها أوضحت أنها تحلم بأن يكبر مشروعها ويتوسع نشاطها ، مؤكدة أنها خلال سنوات بإذن الله ستكون سيدة أعمال بفتح أكبر مصنع لتصنيع العبايات .
ناشطة حقوقية واجتماعية ..
ونفس النجاح سجلته ختام بعد عودتها من رحلة زواج فاشلة، ولجوئها بيت أهلها، بعد معاناة وحياة مليئة بالمشاكل والمتاعب، أنههت بالطلاق، فما كان من أهلاه سوى تقبل الأمر الواقع ويستقبلوها بمحبة وعناية ورحمة، وان يقفوا بجانبها لتنال حريتها.
وخلال عاماين انتظرت خلالهما الطلاق، ضاقت ظروف اهلها الاقتصادية، في ظل خشيتهم من مواجهة المجتمع في معاناتها، فلم يستطيعوا نصرتها بتوكيل محامى يخلصها بعد ان فشلوا بطلاقها، بالحل الودى، لتستسلم لقدرها كمعلقة، لتتوارى عن الأنظار، وتعيش خلف الستار في غرفتها المظلمة وحيدة خائفة تخشى مقابلة الناس والحديث معهم .
ختام فى منتصف الثلاثينات من عمرها، حدثتنا بثقة ممزوجة بالألم وشقاء، عن الظروف التي مرت فيها وكيف استطاعت ان تجعل من معاناتها الشخصية نقطة للانطلاق نحو مستقبل أفضل، فتقول :"قبل فترة لم اكن اقوى على مواجهة أى انسان والحديث معه بطلاقة، فقد كنت اخشى الناس ونظرتهم اتجاهي كمطلقة".
وعن سبب التغير الذي طرأ على حياتها توضح "الفضل لهذا التغير يعود للوحدة القانونية بمركز صحة المرأة، التى انتصرت لحقوقي وخلصتني من معاناة التعليق، بعد ان استطاعت المحامية بالوحدة تطليقي، وهناك تعرفت على الأخصائية النفسية والتي كان لها دورًا بهذا التغير من خلال جلسات التفريغ النفسى والدراما"
وتمضي ختام قائلاً "لأنضم بعد ذلك لنشاطات المركز الأخرى ضمن مشروع تحسين وضع الصحة الانجابية لسكان المناطق المهمشة في قطاع غزة، حيث شاركت بمعظم الدورات التدريبة والتثقيفية ،وبدأت أشق طريقى بعد أن اكتسبت ثقة بنفسي مسلحة بالتدريبات وبجلسات التثقيف والتوعية التي تلقيتها، لأصبح محاضرة أعرف النساء بحقوقهن المهدورة، وناشطة حقوقية أدافع عن قضايا المرأة".
أقتحام عالم السياسة ..
وعن حلمها تقول ختام :" منذ فترة أخذت دورة متخصصة في الإصلاح بين الناس، ونجحت الى حد كبير فى حل الكثير من المشاكل، الأمر الذي جعلني أفكر باقتحام عالم السياسة، فقد أصبحت أحلم أن أمثل النساء بمنطفتى بأى انتخابات قادمة".
هؤلاء النسوة استطاعت تجاوز كل العقبات التى وقفت بطريقهنّ بفضل الدعم الاجتماعى، والقانونى، والنفسى، الذى وفره مركز صحة المرأة بالبريج التابع لجمعية لثقافة والفكر الحر، ضمن مشروع تحسين وضع الصحة الانجابية للنساء وتقويتهن والممول من الاتحاد الاوروبي .
أهدف المشروع ..
من جانبها قالت منسقة المشروع ميسون الفقعاوي : إنّ"المشروع يهدف لتحسين وضع الصحة الانجابية لسكان المناطق المهمشة في قطاع غزة، و تقويتهم لصنع خيارات صحة انجابية افضل" ..
وأضافت "المشروع ينفذ على مدار عاميين 2012-2014 بالشراكة ما بين مركز صحة المراة البريج التابع لجمعية الثقافة والفكر الحر ومركز صحة المراة بجباليا التابع لجمعية الهلال الاحمر لقطاع غزة".
ونوهت الفقعاوي إلى أن المشروع يندرج ضمن رؤية المؤسستين المشتركة، فيما يخص برنامج الصحة الإنجابية الشمولي بالقطاع، والذى يعتبر من أكثر الساحات سخونة وأشدها افتقارا للخدمات الصحية الأساسية.
من:عطية شعث