ليس سهلا أن يقدم شاب في مقتبل العمر على اشعال النار في نفسه، امر قاس ان تتقبله النفس البشرية، ويبعث على الحزن والأسى لإقدام شاب على وضع حد لحياته في عجز واضح عن تحدي الذات والظروف التي يعيشها، وفقدان القدرة على الاحتمال، وهو يرى التناقض الحاصل في حياتنا، وغياب العدالة الاجتماعية.
الأوضاع الاقتصادية قاسية والفقر تزداد معدلاته والبطالة تضرب اطنابها في صفوف الناس خاصة فئة الشباب، اشعال شاب النار في نفسه لا يحتاج لأن يقول لنا قائل إن ما قام به انتحار او حرام، فعندما يقدم شخص ما على فعل من هذا النوع يكون فقد الامل في ان يحقق الحد الأدنى لما يحلم به أي شاب في التعليم والعمل وحقه في مسكن ملائم، وبناء اسرة والعيش عيشة حرة كريمة.
إحراق شاب نفسه يوم الجمعة 5/10/2012، ليس الحادث الاول وقد لا يكون الاخير، وما جرى يجب ان لا يمر هكذا من دون التوقف امامه، وغير كاف زيارة اهل الضحية وتقديم مساعدة مادية لعائلات الضحايا كما جرى في حادثتين سابقتين احدهما فقد حياته الشهر الماضي، هذا لا يحل ازمات الناس، والتكتيم اعلاميا أيضاً عن الحادث وحجب المعلومات والأخبار عن الناس خطير جداً، فمن حق الناس معرفة حقيقة ما جرى.
الشاب يبلغ من العمر 22 عاما كان يساعد والده في محل لبيع الملابس، تراكمت عليه الديون جراء الاوضاع الاقتصادية الصعبة، باع بيته المتواضع وقام بشراء بيت اخر أكثر تواضعاً من الاول في منطقة اخرى لتسديد ديوانه.
بيته الجديد، بيت مع وقف التنفيذ، جدرانه مبنية من الحجر ومسقوف بالزينكو، يفتقر لأي مقومات الحياة للعيش الكريم، هو مكان للسترة فقط.
وعلى الرغم من تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للعائلة، إلا انها تحتفظ بعزة نفس وكبرياء وأنفة والحفاظ على مظهرها العام، وكأن لا مشاكل اقتصادية لديها، ولا احد يشعر انها تعيش على الكفاف، وأفرادها يعيشون باحترام وتقدير لذاتهم وأنفسهم، وثقتهم بأنفسهم عالية، لكن بداخلهم حزن عميق وقهر، وشعور بالظلم جراء جور الايام وتداولها عليهم.
كثيرة هي العائلات التي تعاني بصمت من دون ان يعرف حتى الجيران معاناتهم، والحكومة تفرض طوقا اعلاميا على المستشفى، وعلى الرغم من ان الناطق الاعلامي باسم وزارة الصحة فعل خيرا وتحدث عن الحادث بشكل اولي، لكن هذا غير كاف، من حق الناس معرفة كافة التفاصيل، فالأمر يتعلق بحياة انسان يصارع الموت.
التكتيم وعدم الافصاح عن ما جرى ومنع الصحافيين من التغطية والكتابة عن تلك الحوادث، هو كمن يدفن رأسه في التراب، والحكومة يجب ان لا تخجل مما يجري، وتستطيع الحديث بشفافية، واستغلال الحادث كعادتها وتحميل الاحتلال المسؤولية عن ما يجري في قطاع غزة من حصار خانق وظالم، والحقيقة ان الاحتلال سبب رئيس في خنقنا وعقابنا جماعياً.
لكننا نصر على ان نظهر للعالم ان قطاع غزة منطقة محررة، ونؤسس لدولة، وان تلك الحوادث عابرة وطبيعية وتحصل في أي دولة، ولا تؤثر على المسيرة في بناء الدولة، وأن الاوضاع المعيشية هي افضل من كثير من الدول المحيطة بنا.
لا يا سادة الاوضاع صعبة، والحكومة يجب ان تعترف بمسؤوليتها عن الناس الذين يشاهدون التناقض في ما تعيشه الحكومة من مبالغة في المصروفات والاهتمام بالمظاهر والسيارات الحديثة التي تكلف الموازنة الكثير من الاموال، وآلاف العائلات المستورة، وربما في كل واحدة منها هناك شخص واحد يفكر في التخلص من حياته لفقدانه الامل بالحياة، ولا تستطيع توفير الحد الادنى من العيش الكريم.
لا يكفي مطالبة الناس بشد الاحزمة والصبر والثبات والمقاومة، فالناس قدراتهم على الاحتمال مختلفة، ونحن نعيش ونرى بأعيننا ما تقوم به الحكومة، وما تضعه من خطط خمسيه وعشرية ومشاريع الاكتفاء الذاتي، وما تجبيه من ضرائب و 50% من موازنتها السنوية تعتمد على الايرادات المحلية، وما تقدمه اقل من الحد الادنى.
الحكومة عليها اعادة النظر في خططها وموازناتها، ووضع خطة وطنية لتوفير الحماية الاجتماعية للفقراء والعاطلين عن العمل، وضمان توفير الحد الادنى من فرص العمل، والحد من نسب البطالة العالية، وإعادة دراسة حالات الناس الاجتماعية التي تتلقى المساعدات الانسانية والإغاثية، والعمل مع مؤسسات المجتمع المدني ومشاركتها والفصائل الفلسطينية التي تتحمل المسؤولية ايضا في قصورها ولنتشارك جميعا في وضع حد لهذا التدهور لتحقيق العدالة الاجتماعية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت