أتذكر اليوم مواقف لرجال رحلوا عنا ، فهم في دار الحق ونحن في دار النفاق والكذب والخداع ، هم في جنات الخلد عند ربهم يرزقون ، ونحن نلهث وراء السراب ، نلهث وراء التضليل ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية وضياعها على يد أشقاء لنا في العروبة ، مع شكي في عروبتهم ، لن تصرفاتهم تدل على تصرفات بني صهيون ، الذين يمكرون ولسانهم يتحدث بالفضيلة .
لم يعرف أحد من جيلنا الشهيد ياسر عرفات ، قبل عودة السلطة الوطنية الفلسطينية ، هذا الرجل الأسطورة الذي دفع حياته من أجل أن نحيا بكرامة وعزة ، لأجل أن نحيا مرفوعين الرأس لا نبيع المواقف ولا نتاجر بثوابتنا وحقوقنا ووحدتنا ، فقد كان محارباً شرساً من أجل الإبقاء على استقلالية القرار الفلسطيني ، هذا القرار الذي تعرض لعدة محاولات للشق ، سواءاً من النظام السوري المجرم ، أو من أنظمة ودول عديدة كلها كانت تؤدي أدوار لخدمة إسرائيل التي سعت منذ اللحظة الأولى لشطب الشرعية الفلسطينية .
عرفنا أبو عمار عن قرب بعد العام 1994م ، حين كانت السلطة الوطنية تتعرض للعديد من الضغوط السياسية والمالية ، من أجل الإبتزاز وانتزاع المواقف التي لا تتلاءم وقضيتنا الوطنية المشروعة ، لكنه قال ( لا ) وبصوت عالي ، قالها هناك في قلب الولايات المتحدة ، وقالها حين تحاصر وحاول البعض مساومته على التنازل وبيع فلسطين ، فقال كلمته أننا نموت واقفين كالشجار ولا نركع إلا لله .
اليوم نحن بحاجة لقادة يقولون عن الحق حق وعن الباطل باطل ، كما كان الشهيد الشيخ الجليل أحمد ياسين ، الذي كان يؤمن بأن فلسطين هي البوصلة الأولى والأخيرة ، وأن الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد للوصول إلى ثوابتنا الوطنية المشروعة ، ضمن مقاومة وطنية وبرامج سياسية مبنية على استقلالية القرار الفلسطيني بعيداً عن تبعية المصالح والأجندات ، هذا القائد الذي فهم أبو عمار وسياسته ، عندما كان يتعرض للضغط السياسي ، ومطلوب منه اعتقال قادة من حماس ، فكان أبو عمار ذات حكمة في هذا الأمر وكان الشيخ أحمد ياسين خير الرجال الذين يقدرون الموقف .
نحن اليوم نبكي على زمن هؤلاء القادة الرجال ، لأننا أصبحنا عبارة عن أشخاص تائهين في صحراء السياسة ، الكل يتلاعب بنا من أجل مصالحه ، والقضية الفلسطينية هي بالتأكيد آخر تطلعاتهم ، فمن يساعد الولايات المتحدة على ضرب واحتلال دولة عربية ، ومن يقيم علاقات علنية ويستقبل قادة إسرائيل في بيته ، لا يمكن أن يكون مؤتمن على القدس وفلسطين .
ما أحوجنا إلى المصالحة الوطنية ، مصالحة مع الذات ، حتى نخرج من عنق الزجاجة ، حيث وضعنا أنفسنا ، وفهمنا الأمور على عكسها ، وتمردنا على فلسطينيتنا من أجل مصالح إقليمية وعربية هي بالنهاية تخدم توجهاتها ومصالحها ، وهذا على حساب قضيتنا الوطنية ودماء شهدائنا ، وحتى لو كانت هناك مؤشرات لدعم هنا أو هناك فالثمن سيكون بالتأكيد باهظ .
جميعنا يتحدث عن المصالحة ، وبعض الدول أصبحت تتاجر بالمصالحة حتى تسجل مواقف سياسية و لتنفيذ أجندة مُعينة ، لكنها في حقيقة الأمر بعيدة كُل البعد عن أجندة السياسيين من حركتي فتح وحماس ، لأن المصالحة الوطنية لا تحتاج إلى كُل هذه التعقيدات ، ونحن نرى ما وصل له شعبنا وشبابنا وقضيتنا نتيجة حالة الانقسام الداخلي ، فقد أصبحت قضيتنا ألعوبة في يد بعض الدويلات ، وأصبح شعبنا يعاني من الأمراض المزمنة حتى أنه فقد الثقة في كُل شيئ بهذا الوطن .
آن الأوان يا سادة أن تعترفوا بأنكم لا تريدون مصالحة ، فالكل مرتاح بقيادته لجزء من الوطن ، والكل متمسك بشروطه على حساب المصالح الوطنية والشعبية ، والكُل يُريد الصراع على سلطة هي في الأصل تحت رحمه الاحتلال ، هذا الاحتلال الذي يُريدكم فرقاء مشتتين ، ولا يُريدكم موحدين لتُطالبوا بحقوقكم وأقصاكم وأرضكم التي تتعرض للنهب والسرقة والتهويد .
&&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غـــزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت