لا تضغطوا على الوجع الفلسطيني

بقلم: أكرم أبو عمرو


المتتبع للحالة الفلسطينية وفي خلال الثمان والأربعين ساعة الماضية ، كانت هناك ثلاث قضايا هامة تناولتها وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية ، القضية الأولى هي مسالة إعادة الضفة الغربية إلى الأردن بعد تحريرها ، والثانية اتجاه القيادة إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في الضفة الغربية بعد ستة شهور ، والثالثة تصريحات الرئيس حول حق العودة وما صاحبها من ردود أفعال كثيرة .
ربما جاءت هذه القضايا مصادفة بالتزامن مع حلول الذكرى الخامسة والتسعون لوعد بلفور المشئوم ، الذي يعتبر البداية الحقيقية لنكبة فلسطين ، حيث أعطى الحق لمن ليس له حق في ارض فلسطين، لتعمل بلادة فيما بعد على فتح أبواب فلسطين على مصراعيها لجموع المهاجرين اليهود واحلالهم بدلا من شعبها ذو الجذور الضاربة في أعماق التاريخ على أرضها .
ندرك ويدرك الجميع انه ومنذ اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها عام 1948، أصبحت إسرائيل واقعا جديدا على الخارطة السياسية الدولية بعد منحها عضوية الأمم المتحدة ، وقد أخذت في التطور والنمو الديموغرافي ، والعلمي والتقني والاقتصادي والسياسي ، لدرجة تمكنت معها من تغيير الواقع الفلسطيني الذي كان معروفا قبل النكبة ، أي أنها قامت بتغيير الخريطة الإدارية لفلسطين ، وقامت بتدمير القرى والبلدات الفلسطينية ، وأدخلت أراضيها ضمن تنظيم وتخطيط المدن ، فأصبحت أراضي القرى والبلدات عبارة عن شوارع وطرق واسعة أو مطارات عسكرية ، ومنشآت صناعية ، وزراعية الخ ، وأصبحت إسرائيل قوة عسكرية من كبريات القوى في العالم وأصبحت تنضم إلى نسيج واسع من العلاقات الدولية .
لهذا ندرك أن إزالة إسرائيل بالقوة فلسطينيا أو عربيا مستحيلا في ظل الواقع الفلسطيني والعربي بل أن الدعوة لأزالتها نوع من العبث ، لذلك كانت الخيارات الصعبة أمام القيادة الفلسطينية التي تبلورت خلال عقود من الصراع إلى القبول بجزء من ارض فلسطين ، على أن لا يتم نسيان الجزء الباقي الذي ينتظر بالتأكيد تغير الظروف العربية والدولية لتحريره ، وفي هذا يعتبر مسعى للحصول على دولة وليس وطن لان الوطن موجود لكنه سليب .
إذن ارض فلسطين التاريخية وحق العودة إليها ثابت لا يمكن لأحد تغييره مهما بلغ من قوة لان هذا الحق راسخ في الأذهان والقلوب مهما طال الزمن، وتتناقلة الأجيال حتى وان تباعدت بينهم المسافات .
من اجل ذلك كانت التضحيات الجسام الذي قدمها الشعب الفلسطيني من دمه وجهده وماله وعرقه ، حيث سالت الدماء غزيرة على ارض فلسطين وفي الشتات ، وتكبد الخسائر المادية الفادحة ، وتعرض للتشريد أكثر من مرة من فلسطين إلى الشتات ومن الشتات إلى الشتات .
لكن مع الأسف نجد أنفسنا الآن وبعد رحلة نضال طويلة بدأت منذ 2 نوفمبر 1917 وحتى الآن، نقف على مفترق طرق لا نعرف أين الاتجاه ، وكأن العبقرية الفلسطينية توقفت عند هذا الحد متناسية محطات النضال الفلسطيني من ثورة البراق إلى ثورة 1936 ، مرورا بكل مراحل النضال حتى الانتفاضة الأولى والثانية ، نقف تائهين ويحاول البعض الضغط على الوجع الفلسطيني لماذا في هذا الوقت بالذات ؟
لماذا يحاول البعض الفلسطيني الترويج إلى اردنة الضفة الغربية ، نحن لسنا ضد الأردن البلد العربي الشقيق الذي احتضن أبناء شعبنا وما زال ، ولكن الضفة فلسطينية وإلا لماذا قام الملك حسين رحمه الله بفك ارتباط الأردن عن الضفة ، أليس مساعدة للشعب الفلسطيني واعترافه في حينها أن للضفة من يمثلها فلسطينيا .
الأمر الثاني : لماذا يحاول البعض الترويج للدفع إلى انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني فلسطين في الضفة الغربية ، هل يئستم من غزة، وإلا ماذا ؟ إذا كان نجاح الانتخابات المحلية في الضفة الغربية يمكن أن ينسحب عل الانتخابات التشريعية والرئاسية فهذا شيء خاطئ، لان الانتخابات المحلية تخص خدمات المواطنين في كل بلدة وقرية تم إجراء انتخابات فيها ، أما الانتخابات التشريعية والرئاسية فتخص الشعب برمته ، وعليه فأين غزة من هذه الانتخابات .
الأمر الثالث : التصريحات الأخيرة للرئيس محمود عباس وعلى الرغم من إنني متأكد من أن الرئيس محمود عباس لم يدلي بمثل هذه التصريحات وجميع ردات الفعل جاءت متسرعة وأرجو ذلك ، إلا أن إثارة هذا الموضوع في مثل هذا اليوم يوم ذكرى وعد بلفور له دلالاته .
لماذا كل هذه الأمور ومن المستفيد منها ، اعتقد إن المستفيد الأول هي إسرائيل لأنها ستعتقد أن حصان الثورة الفلسطينية وجمل المحامل الفلسطيني قد أصابهما الوهن والمرض ، ولا يستطيعا الاستمرار في حلبة الصراع الطويلة ، بل إنني أرى في هذه الأمور ما هي إلا رسائل طمأنة لإسرائيل من قبل البعض بأننا سوف لا نذهب بعيدا في أحلامنا وطموحاتنا .
نعم إننا نجد أنفسنا في مأزق لا بد من الخروج منه وذلك بسرعة تضميد الجرح الفلسطيني النازف آلا وهو الانقسام ، بعيدا عن المصالح الحزبية والفصائلية فالوطن فوق الجميع ، واتوجه إلى حركة حماس بالذات القبول بانتخابات رئاسية وتشريعية عاجلة ، حتى تتشكل قيادة فلسطينية تقود المرحلة وتتحمل تبعاتها الوطنية والتاريخية ، مع ضرورة التسريع بالمصالحة الوطنية ، والحفاظ عل منجزات شعبنا التي تحققت بالدماء والجهد والعرق .


أكرم أبو عمرو
3/11/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت