كما تحدثنا مرارا وتكرارا كل ما يجري على الأرض من خطوات عملية ونقاشات فكرية تؤدي الى تنفيذ مخطط رسمه غيرنا ولكن ننفذه بأيدينا عن علم أو عن جهل ، هناك من يتهمنا بالمبالغة وأننا مسكونون " بالمؤامرة " ومستسلمون لكل ما يخططه عدونا ، والغريب أن هؤلاء الذين يتهموننا بذلك هم من ينفذ بكل دقة ما نحذر منه .
قلنا مرارا أن المخطط المرسوم والذي بدأ تنفيذه على أرض الواقع منذ سنوات مضت هو إنشاء كيان ذو ملامح استقلالية في قطاع غزة وحكم ذاتي – بتسمية خاصة سيتم اختراعها لاحقا – مرتبط بالدولة الفلسطينية الموعودة في قطاع غزة ، مع وجود علاقة لها طابع أمني مع المملكة الأردنية ، وهكذا ستحتفل أطراف كثيرة بتنفيذ هذا المشروع لأنه سيدخل في مربع المناكفات السياسية وتعزيز سلطات لأحزاب معينة ، وبالتأكيد لن تغيب الشعارات الكبيرة مثل أن إقامة كيان غزة سيكون خطوة نحو التحرير الشامل وآخرين سيقولون إن عودة أراضي الضفة الغربية للسيادة الأردنية أهم من بقائها تحت الاحتلال الإسرائيلي ، وستجد الكثير من الكتاب والمحللين يؤيدون هذا الطرح ويجدون له التبريرات ومحاولات لصناعة رأي عام فلسطيني سيجد في تطبيق هذا الطرح انجازا مهما سيخدم الاستراتيجية الفلسطينية مستقبلا .
لماذا يعود الجدل وعلى مستوى عال حول أحقية المملكة الأردنية في السيادة على الضفة الغربية ؟ والمتحدثين هم مستويات متقدمة في كلا السلطتين ، من الجانب الفلسطيني يخرج أخيرا عن صمته السيد فاروق القدومي بعد طول غياب ليطرح موضوع إعادة الضفة الغربية للسيادة الأردنية كما كانت عليه الأوضاع قبل العام 1967 ، وفي ذات السياق وأيضا بعد غياب طويل عن عالم السياسة يخرج سمو الأمير الحسن بن طلال ليتحدث بشكل مفاجيء وأكثر صراحة حول أحقية استرداد المملكة الأردنية لبسط سيادتها على الضفة الغربية باعتبارها جزءا لا يتجزء من أراضي المملكة الأردنية ، وأخذ الموضوع مساحة واسعة من النقاش بين مؤيد ومعارض ومحلل ، ولكن يبقى السؤال الأهم وهو لماذا في هذا التوقيت ؟ نفس السؤال تم طرحه حول توقيت زيارة الأمير القطري لغزة ، واستهجن البعض من لغة التشكيك في توقيت الزيارة ، ونفس السؤال تم طرحه حول ما يدور في أكثر من عاصمة عربية حول الاهتمام الخاص بمستقبل قطاع غزة وتمكينه من تجاوز كافة مشكلاته دون النظر بذات الاهتمام لكل ما يحدث في الضفة الغربية وبالذات منها مدينة القدس .
ونحن أكدنا مرارا بأننا لن ننتقص من حق كل من يساهم في بناء ما دمره الاحتلال ولابد من شكر كل من يقف الى جانبنا ولكن لدينا قضية فلسطينية واحدة لن تتجزأ أبدا ، ويجب أن لا نقبل تحت أي ظرف تجزئة هموم ومشاكل الوطن ، ويجب أن لا نسمح لأي كان استغلال الانقسام الطاريء الواقع بين جناحي الوطن ويجب التعامل بشكل واضح وصريح أن هذا الانقسام طاريء ولن يكون أو ينتج عنه وضعا طبيعيا ودائما ، ولن نسمح لأي طرف من تمرير أي موقف أو مخطط تحت يافطة دعم جهة دون غيرها ، هناك موقف للشعب الفلسطيني يجب أن يخرج بشكل مرتفع ، هذا الموقف يجب أن يستند الى رؤية شاملة وواضحة حول ما نريده نحن الشعب الفلسطيني ، ولا نشك بقدرة وإمكانيات شعبنا على إفشال أي مخطط كما فعل شعبنا على مدار السنوات والعقود الماضية .
لابد من التذكير أن هناك قلق يساور الكثيرين مما يحدث على الأرض في هذه المرحلة ، وكل الأطراف الفلسطينية دون استثناء تتحمل المسئولية التاريخية عن كل ما يحدث ويدور على أرض الواقع ، يجب أن لا نمارس سياسة الخداع وأن نصاب بالعمى السياسي ، ما يحدث على الأرض خطير جدا اذا استمرت حالة الانقسام الأسود ، كل المخططات السوداء مرتكزة في تنفيذها على استمرار الانقسام ، لأنه لا يمكن إقامة كيان مستقل في غزة إذا نجحنا في إنهاء الانقسام ولن تستمر إسرائيل في الانفراد بالقدس إذا زال الانقسام ولن يجرؤ أحد علي الحديث أو الطمع بأرضنا الفلسطينية إذا زال الانقسام ، وكل طرف يعمل على إدامة الانقسام فهو متواطيء مع ما يخططه أعداء شعبنا وهذا سيقود الى ضياع القضية الفلسطينية وضياع مستقبلها وهي الخيانة بعينها لدماء الشهداء والجرحى والمعتقلين وخيانة لتاريخ شعب ضحى بكل ما يملك من أجل فلسطين .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت