موضوع السفر على الأغلب ولمعظم الناس في هذا العالم، هو في الواقع وبعيدا عن الحالات الاضطرارية أو التي تكون لغايات مؤسفة أو ضرورية مثل السفر للعلاج أو طلب العلم أو ما عدا ذلك، موضوع يتسم بكثير من الصور الجمالية، والخيال، حيث بالإمكان التعرف على "عوالم" أخرى وثقافات وبلدان جديدة.
السفر بالنسبة للناس أينما كانوا يعني الاستمتاع، يعني البهجة والسرور، ويطول التفكير أحيانا أين نريد السفر في رحلة شهر العسل على سبيل المثال، أو لقضاء إجازة صيفية ممتعة، ويتم التحضير لذلك ربما أياما أو أسابيع وقد يصل ذلك إلى أشهر أو يزيد.
بالنسبة للمواطن الفلسطيني في الأرض المحتلة، ولكل او لنقل لأغلب الفلسطينيين القاطنين في هذه الديار، كما وللزائرين – بما في ذلك كثير من الأجانب- او العائدين إليها، فان موضوع السفر موضوع مختلف تماما، فهو يعني المعاناة، "والبهدلة" والإذلال بكل ما تعني الكلمة، حيث على المغادر او القادم إلى هذه الأرض "المقدسة"، "المباركة"، "الأرض التي بارك الله حولها"، أن يمر بمعابر الذل والهوان التي تتحكم بها سلطة الاحتلال، التي تتبع سياسة ممنهجة ومبتكرة "وتتفنن" في طرق إذلال المارين عبرها وخاصة من أبناء فلسطين.
وحيث كنا قد كتبنا -أكثر من مرة- فيما يتعلق بالمعابر سواء الفلسطينية وما يحدث بها من ممارسات غير سوية، تم الاهتمام بالبعض منها، او تلك الخاضعة لدولة الكيان، وكنا قد أوضحنا إجراءات سلطة الاحتلال المهينة، والتي تتنافى مع كل حقوق الإنسان وكل الشرائع الأرضية والسماوية كما وكل القوانين الوضعية التي نصت على كرامة الإنسان، فانه لا بد من الحديث عن معاناة أخرى يتعرض لها المسافر إلى خارج الأرض المحتلة عبر جسر الملك حسين، أي الجانب الأردني من المعابر على النهر الخالد.
وحيث انه لا بد لنا من السفر بين فترة وأخرى، بحكم الظروف الخاصة التي نعيش، كان لا بد لنا من التوجه إلى الأردن لقضاء إجازة عيد الأضحى مع أفراد العائلة، التي يحرمها كيان الاحتلال من التئام شملها تحت سقف واحد في ارض فلسطين. وبالتالي فلا بد كما غيرنا من العبور خلال جسر الملك حسين.
بعد الانتهاء من إجراءات التسجيل التي تجري بصورة روتينية بدون عوائق تذكر، والخروج من القاعة، تجد أن أعدادا كبيرة من المسافرين يتوجهون إلى ما يسمى بالسوق الحرة، والحقيقة انك ترى وضعا مؤسفا للغاية، حيث يتجول البعض في المكان مثل "هجين ووقع في سل تين"، والمشكلة هنا هي ليس في "الهجين" بقدر ما هي في موظف السوق او المحاسب – هذا إذا كان موظفا- الذي يتعامل مع هؤلاء وكأنهم لا يدفعون نقودهم مقابل ما "تناوشوه" من أرفف المكان، فهو يتعامل مع هؤلاء القوم وكأنهم أي شيء عدا عن انهم بشر، او أنهم "سراق" او غوغاء، - ربما للطريقة التي يدخل بها هؤلاء إلى المكان- لا تفسير لدينا، فهو "يشخط ويأمر ويصرخ"، "ويا ويلك" إن أنت دققت في الحساب او طلبت فاتورة، علما بان الأسواق الحرة في العالم اجمع تمنحك فاتورة دون أن تطلبها.
المشكلة هي انك تلاحظ بشكل شبه دائم، ان هنالك من يرتدي زيا رسميا هو زي ضباط الجمارك-على ما نعتقد-، والذي يكون في العادة جالسا الى جانب المحاسب – في قاعتي القادمين والمغادرين- ولا تعلم ما هي الحكمة من وجود هذا الرجل الى جانب المحاسب، وما هي وظيفته سوى النظر في وجوه وربما عيون او جيوب المسافرين.
بعد أن تدفع "اللي فيه النصيب"، وكثير من المسافرين لا يعرف او ربما لا يدقق ولا يسأل، خوفا او حرجا، تتجه الى الخارج.
ما ان تصل الى الباب المؤدي الى الخارج، حتى "يستلمك" أصحاب سيارات "السيرفيس" وغيرهم، يعرضون عليك السفر وإياهم بهذا السعر او ذاك، وهذه قصة او حكاية أخرى. فمن تعود على السفر، يعلم ان من هؤلاء من هم أصحاب سيارات خاصة، لا تعلم ولا تعرف كيف ولماذا يسمح لهم بالعمل بسياراتهم الخاصة كسيارات "عمومي"، ومن هؤلاء من يعمل على "سيرفيس" يتجه الى المناطق المختلفة في المملكة.
ما جرى – وهو يجري بشكل شبه دائم- خلال رحلتنا الأخيرة، ان "السواق" كانوا في حالة غربية من رفع وتيرة الاستغلال، وهذا ما احدث حالة من الاستنكار الشديد – غير الصاخب او العنيف- لدى العديد من المسافرين ان لم يكن جميعهم، وعلى مدار أكثر من ساعة تعمدنا البقاء خلالها لمراقبة ما يجري.
بعد ان فاض الكيل، تحدثنا مع احد رجال الشرطة في المكان والذي كان واضحا انه لا يعير الأمر كثير اهتمام، وتأملنا خيرا عندما شاهدنا احد الضباط – نقيب- يطل على الساحة، حيث لاحظنا انه وبدلا من ان يلزم السائق بنقل المسافرين حسب التسعيرة الرسمية التي من الواضح انها غير موجودة وتمت إزالتها، فإننا كنا نراه يحاول إقناع المسافرين بالسفر بالسعر الذي يطلبه السائق، ما دعانا الى التدخل والطلب منه التدخل لصالح المسافر لا السائق، فصار يحاول تبرير فعله بان التسعيرة غير موجودة بسبب ازدياد أسعار المحروقات، وانهم بانتظار التسعيرة الجديدة، وأما حول تحويل بعض السيارات الى جهات أخرى غير وجهتها نتيجة عدم وجود سيارات الى جهات بعينها، فانه أخذ يبرر طلب السائق سعرا مرتفعا بانه سوف يقوم بتحويل خطه وهذا يعطيه الحق برفع سعره، علما بأن توفير سيارات إلى المناطق المختلفة في المملكة هي من واجب الجهات الرسمية على الجسور وليس من حق احد أن يطلب زيادة على السعر في حالة تحويل الخط.
خلال وجودنا على مدار أكثر من ساعة، كنا نسمع بعض الملاحظات من المسافرين، الذين كان من الواضح انهم لا يجرؤون على رفع "سوية" احتجاجهم سوى بأحاديث شبه هامسة فيما بينهم، فهذا شاب يحدث زميله قائلا "انهم يعتقدون اننا آتين من أوروبا" فيرد عليه الآخر "لا انهم يتعاملون معنا على اننا يهود وليس من ذات الملة"، وسيدة تتجه الى رجل كبير بالسن كان يحاول نقاش رجل الشرطة فتقول "هذا غير معقول، لقد أتيت قبل شهر فقط ودفعت أجرة تقل عما يطلبوه بكثير"، مجموعة من النساء والأطفال احتجن الى سيارتين، وكانت النتيجة ان أحدا من "السواق" لم يتنازل عن السعر الذي طلبه، -وهو سعر مرتفع بكل المقاييس-، عندما تدخل رجل الشرطة محاولا إقناعهن بدفع المبلغ المطلوب.
احد الشبان الذين سافروا عبر ما يسمى في آي بي VIP قال "ان الوضع هناك ليس بأفضل حال وخاصة في الأزمات، حيث يتم التجاوز على الدور بشكل سافر لمن يدفع أكثر ومن لديه واسطة، او تحت حجج وذرائع مختلفة".
هذا الحال على معابر جسر الملك حسين لا يجوز ان يستمر بهذه الطريقة، حيث لا بد من تحديد تسعيرة ملزمة للسائق سوف تكون ملزمة بالضرورة للمسافر من اجل وضع حد لحالة الاستغلال غير المبررة السائدة في المعابر الأردنية، ولا بد لأصحاب العلاقة ان يعملوا على تصويب الأوضاع خاصة في ظل المعاناة الشديدة التي يواجهها المسافر خلال المعابر التي تسيطر عليها دولة العدوان، حيث وبعد كل ما يعاينه من "أوجاع" فانه يطمح ان يجد معاملة تتسم بالأصالة والنخوة العربية، ونحن هنا لسنا بصدد تعليم الأردن كيف تكون الأصالة والنخوة لأنهم أهلها.
5-11-2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت