خان يونس – وكالة قدس نت للأنباء
لم يُصدق المُسن الفلسطيني إبراهيم القرا من سكان بلدة عبسان الصغيرة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، نفسه عندما عاد لأرضه التي لا تبعُد سوى 300 متر، عن الشريط الحدودي شرق البلدة، بعد أن حرمه الاحتلال الإسرائيلي من دخولها وزراعتها أو حتى الاقتراب منها، لأكثر من 12 عامًا.
وبدا على وجه القرا علامات السعادة والفرح الممزوج بالحيرة، بعدما اختفت معالم أرضه، نتيجة الدمار والخراب الكبير الذي لحق بها على يد قوات الاحتلال، التي حولتها لمسرح لعملياتها العسكرية، وتوغلاتها اليومية بتلك المنطقة، فدمرت الأخضر واليابس وقلبتها رأسًا على عقب.
شعور بالعز والفخر..
ويقول القرا لمراسل وكالة قدس نت للأنباء الذي قابله داخل أرضه : "والله أنني أشعر بفرحة كبيرة وعز وفخر بما قامت به المقاومة الفلسطينية، خلال العدوان على غزة بالأيام الثمانية الماضية، وأكبر إنجاز يُسجل لها هو أن مكنتنا من العودة لهذه الأرض، دون أن يتجرأ جندي ويطلق النار علينا".
وانشغل المسن الفلسطيني أثناء حديثنا معه، بمحاولة جمع ما تبقى من قضبان بلاستيكية "برابيش" ، وإزالة الأعشاب الجافة المتواجدة داخل أرضه البالغ مساحتها زهاء الـ 55 دونمًا، تمهيدًا لإصلاحها وزراعتها وفلاحتها وإعادة الحياة لها من جديد، وذكريات الماضي الجميلة.
ووجه القرا الشكر للمقاومة الفلسطينية التي حققت هذا الانجاز الكبيرة، وأتاحت لهم العودة لأراضيهم، متمنيًا بأن يعم الخير والهدوء والسلام بكافة أرجاء الوطن خاصة المنطقة الحدودية، ليزرعوا ويفلحوا بها دون أن يُنغص الاحتلال عليهم كما كان بالسابق.
بدء فلاحة الأرض..
أما الفلسطيني فواز النجار، فلم ينتظر طويلاً كغيره، فاقتنص فرصة موسم الخير وتساقط الأمطار من جانب، والهدوء الذي عاد للمنطقة التي تقع أرضه بها وهي بحي النجار على أطراف بلدة خزاعة شرق خان يونس، وباشر برفقة أبنائه وزوجته العمل بكُل جد واجتهاد لتنظيف أرضه من الأعشاب الجافة.
وما هي سوى دقائق حتى هاتف النجار صاحب الجرار الزراعي "تراكتور" وأخبره بالمجيء لحراثة الأرض، وما إن وصل حتى تمكن برفقة أبنائه من نثر حبيبات الشعير والقمح أمام الجرار، ليبدأ بالحرث وسط فرحة غامرة تلمسناها على وجوههم.
وحُرم المواطن المذكور من الوصول لأرضه البالغ مساحتها أكثر من 50 دونمًا، يقع بعضها داخل الشريط والبعض الأخر بجوار الشريط من الجانب الفلسطيني، لأكثر من12 عاماً، فكان يأتي سنويًا لفلاحة أقل من 15 دونمًا منها، وعلى بُعد 500 متر من الشريط، وسط خوف شديد، وإطلاق نار بين الفينة و الأخرى، أما الباقي فيتركه فارغ.
وفرحة النجار انعكست على وجهه أيضًا، أثناء جلوسه وسط الأرض وعلى مقربة من إحدى الأبراج العسكرية التي لم تجرؤ على إطلاق النار عليه كـ السابق سوى طلقات غيظ تحذيرية بالهواء وبالأرض القريبة من الشريط ، يأكل العدس، ليقول : "والله إنه أفضل من خروف عندي الآن".
الأطفال يتعرفون على أرضهم..!
وعلى بُعد أمتار من النجار، قابلنا صالح قديح والذي اصطحب أطفاله برفقته فرحًا بـ"النصر والتمكين" للمقاومة، التي سمحت لهم بالدخول لأراضيهم المحرمين منها، ويكحلوا أعينهم برؤيتها ويقبلوا ترابها، ويعيدوا ذكريات الماضي، ويزرعوها من جديد.
وعلى الرغم من عدم وضوح معالم أرضه البالغة حوالي 55 دونمًا، والتي لا تبُعد عن الشريط الحدودي سوى 30 مترًا، إلا أنه يشعر بقمة السعادة لوجوده بها، وكحل عيناه قبل أن يموت، دون أن يراها، أو حتى تتحرر ويراها أبنائه من بعده.
ويتمنى بان يعيد ذكريات الماضي ويعم الهدوء بالمنطقة الحدودية ويلتزم الاحتلال ببند المنطقة العازلة باتفاق التهدئة، والذي كان أفضل بند وضعته المقاومة بالاتفاقية، ولا يعاود تنغيص حياتنا من جديد، ويلاحقنا ويطلق النار علينا، ويدمر مزروعاتنا. حسب قوله
ووقعت الفصائل الفلسطينية وإسرائيل الأربعاء الماضي اتفاقا لوقف إطلاق النار برعاية مصرية أنهى 8 أيام من عدوان شنته إسرائيل على القطاع تحت اسم عملية "عمود السحاب"، وأسفر عن استشهاد 168 فلسطينياً وإصابة نحو 1300 آخرين اغلبهم من المدنيين.
وينص اتفاق وقف إطلاق النار، على عدم تقييد حركة السكان في قطاع غزة أو استهدافهم في المناطق الحدودية، حيث كانت إسرائيل تعلن عن وجود منطقة عازلة بعمق 300 متر تحظر على الفلسطينيين الاقتراب منها.