أفراد ربانيون ،أو جماعات ربانية
قد نجاهد للالتزام بحمل المنهاج الرباني ،
ولكننا بشر ،،،
إدراكنا محدود بقدرات العقل والحس والإدراك .
" وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" سورة الإسراء –آية 85
و تطبيقنا محدود بقدرات الفعل البشري الإنساني الجماعي أو الفردي المتفاوت ،
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل ما بعثني الهأ به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت الكلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) . ( رواه البخاري ، كتاب العلم ، باب فضل من علم وعلم 1/175 ، ومسلم كتاب الفضائل ، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، في 4/787 برقم 2282).
و قصورنا عن الفهم أو عجزنا عن التطبيق الصحيح للمنهاج ، نتيجة طبيعية ، فليس هناك إنسان معصوم من الخطأ إلا الأنبياء والرسل عليهم جميعا السلام .
ولكن إن وقفنا عند المصطلح " ربانيون " بقصد أو غير قصد ، عن علم أو عن جهل ، بنية سليمة أو بهوى نفس ، وافترضنا بأننا نحيط المنهاج فهماً كلياً و بجميع جوانبه
أو إننا قادرون على التطبيق الكامل له بلا خطأ أو قصور ، فهذا أمر خاطئ ومهلك .
،،" وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ"سورة يونس الآية -109
فنقف عند جزئية ضئيلة جداً من الاجتهاد البشري القاصر ، متجاهلين حقيقة أن العلم البشري علم قاصر كما توضحه الآية الكريمة ،
"اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" آية الكرسي
فنفترض بأن اجتهاداتنا في زمان محدد أو مكان محدد أو موقف محدد هي مطلق العلم والمعرفة السليمة ، فهذا الأمر أيضاً خاطئ ومهلك ، ولا يتفق مع المنهاج الإسلامي .
لأن افتراضاتنا وإيماننا المطلق بها بالشكل الذي ذكرته سابقاً ستجعلنا نحاول معالجة كل القضايا السابقة في التاريخ ، أو المعاصرة للحظة ، أو التصور المستقبلي ، في ضوء هذا الفهم الجزئي القاصر ،فنظلم أنفسنا ونظلم الآخرين ، بأحكام ومسوغات و تفسيرات نعتقد اعتقاد جازم بأنها من المنهاج الرباني وحقيقة أمرها غير ذلك .
,فستسبب لنا حالة من التكلس ويعترينا الجمود أفراداً أو جماعات ، نفقد حيوية الحراك الديناميكي وفاعليته ، تتحول أفكارنا و أفعالنا و علاقاتنا من الشفافية والتجدد والانطلاق والإيجابية ،إلى العكر والتقادم والجمود والسلبية .
وتأمل في الآية الكريمة 146 من سورة آل عمران
يظهر فيها الفعل الإيجابي إخلاص النية لرب العالمين ،إصرار وعزيمة ,قوة ,حراك إيجابي ، صبر .
• وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ *
وتأمل في الآية الكريمة -147 من سورة آل عمران
وفيها معالجة الأمور السلبية في الناتجة عن الاجتهادات البشرية الخاطئة في تطبيق المنهاج ، إقرار بالذنب ،استغفار ، استعانة برب العالمين على الثبات على المنهاج ، والدعاء وطلب النصر والذي يمثل إقرار بضعف الإنسان وعجزه أمام قدرة رب العالمين وهذا الإقرار بالعجز هو العبودية الصادقة لرب العالمين والتسليم المطلق له سبحانه .
"وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"
فلذلك يجب أن تكون هناك مراجعة دائمة للاجتهادات البشرية وتقييم للأداء ومحاسبة للنفس ،، بموضوعية وشجاعة وصدق ، ونية خالصة ، يميز الطيب و يزداد منه ، و يكتشف السيئ و ويعالج أمره ،في ضوء المنهاج الرباني ،،
"فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ"سورة غافر-آية 55
هذا الأمر يمنحنا ديناميكية رائعة وحراك دائم ، يزيل السيئ ويعالج أثره ويثبت الطيب ويبرز طيبه ، يجدد ويغير ويشكل حراك دائم نحو خير البلاد والعباد .
فالحراك سنة الكون التي فطرها رب العالمين في خلقه ، في النبات في الكواكب في المجرات ، حتى في الذرة ونواتها ،كون لا يعرف السكون بل دائم الحركة لقدر قدره الله له حتى يرث الأرض وما عليها .
فالبشر أفراداً أو جماعات ممن يحملون المنهاج الرباني ويجتهدون في طريق تطبيقه والالتزام به ، يجب أن يحافظوا على حالة من الحراك الفكري والاجتماعي والعملي ،بالشكل الذي أوضحناه سالفاً ،للحفاظ على هذا المنهاج ونصرته والسعي إلى تمكينه ، وانسجاما مع سنن الله في الكون وفي خلقه .
" الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"سورة الحج –آية 40
الجمود فيه عجز ، سنن الله في خلقه وفي الحياة لن تتغير ، من يفقد حيويته وفاعلية حراكه وتجدده ودينامكيته يتلاشى ويندثر ، ويستبدل بغيره لديه حيوية وفاعلية وديناميكية وتجدد فيستمر في العلو والتمكين حتى يفقد هو الآخر حيويته وفاعلية حراكه وتجدده ودينامكيته وهكذا دواليك حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً .
"إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"سورة التوبة –آية 39
تنويه: :
نود التنويه إلى أن لكاتب المقال كافة الحقوق الحصرية الخاصة بأي أفكار أو مصطلحات جديدة ترد في هذا المقال وذلك حسب القوانين والأعراف المحلية والدولية المتعلقة بالحقوق الفكرية وقوانين النشر .
حسن حسين الوالي-غزة فلسطين .
مقال في علم الاجتماع الإسلامي
12-ذو الحجة 1433
27أكتوبر 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت