مركز البحوث والدراسات الفلسطينية
مدخل:
في التقرير السابق أَجبنا على الهدف والمعنى السياسي للعدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، ومن ضمن جملة الأهداف؛ برز بالضرورة رغبة الحكومة الصهيونية المتطرفة بتحقيق أهداف جديدة، منها ما هو أشبه بمراجعات "نقدية متناقضة" للموقف من قطاع غزة، فقبل أن يتوقف العدوان بأيام، كتب أحد صقور الليكود وهو وزير الدفاع الأسبق موشيه آرنز: "إن رابين وشارون كانا مجرد ساذجين"، وأنه "ما كان ينبغي لرابين أن يعيد انتشار الجيش (الصهيوني) في قطاع غزة، وما كان ينبغي لشارون أن يسحب الجيش (الصهيوني) والمستوطنين منها" أي (الانسحاب أحادي الجانب)، لأن "لا هذا ولا ذاك قد جعل الحسم العسكري مع الفصائل (الإرهابية) في غزة أمراً غير ممكن إلا عبر إعادة احتلالها" (...) "وهذا ما أصبح مكلفاً أكثر مع ما بات في حوزة المنظمات (الإرهابية) من قدرات عسكرية نوعية، ومع الظروف الدولية والعربية الجديدة التي لا تسمح بتفهم إعادة احتلال (إسرائيل) لغزة، بل ولا حتى بإعادة احتلال شريط فيلادليفا (صلاح الدين)، الحدودي مع مصر من دون التسبب في الاحتكاك مع المصريين" (...).
إن إعادة احتلال محور صلاح الدين هو جوهر اقتراح المتطرف ليبرمان، منتقداً أولمرت وباراك على عدم تنفيذه أثناء عدوان "الرصاص المصبوب" نهاية العام 2008 ـ بداية العام 2009، أيضاً آرنز ينتقد باراك لعدم تنفيذه آنذاك، وهو بذلك "أضاع فرصة تنفيذه بوجود مبارك على رأس السلطة المصرية"، كما أنها الفكرة ذاتها التي سربها مجلس الوزراء الصهيوني المصغر (التُساعي)، بقيادة نتنياهو خلال فترة عدوان "عمود السحاب" الهمجي.
في إعادة فحص الفكرة الإيديولوجية الصهيونية تبرز خرافة أن "فلسطين هي ملك للشعب اليهودي"، وأن قطاع غزة هو جزء من هذه الإيديولوجيا، لكن غزة "احتلال مكلف"، منذ رابين الذي وصف جباليا بـ "عش الدبابير" عام 1988 وتمنى أن يصحوا يوماً و"يجد قطاع غزة قد ابتلعه البحر"، ولهذا أجمع القادة الصهاينة منذذاك ومن خلال تجربتهم مع المقاومة الفلسطينية المكلفة والمريرة على التخلص من أعباء قطاع غزة، دونما أن يفقدوا احتلالهم وسيطرتهم عليها، وبدلاً من قذفها إلى البحر، جرت محاولة قذفها إلى أحضان مصر، لكنها فشلت، وأعيد طرحها في آليات "اتفاق أوسلو" التنفيذية حين طرح رابين "غزة أولاً"، وجرى تطويره من قبل القيادة الفلسطينية في جانب أوسلو إلى "غزة أريحا أولاً". ومن ثم إدارتها بـ "الريموت كونترول" بما فيه حصارها، المخاتلة والإضمار المسبق بإبقائها تحت الاحتلال دونما وجود قوات الاحتلال.
إذا افترضنا غير ذلك، فلماذا لا ينسحب الأمر على القدس والضفة، ويجري الاعتراف بأنها أراضٍ فلسطينية ينبغي أن تقرر مصيرها، والمساومة على تسوية الصراع بما فيها حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم، وهذا ليس إلا الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفقاً للحق التاريخي والعدل التاريخي حين كانت فلسطين جزءاً من الوطن العربي قبل عام 1948، فالعدل التاريخي نقيض مطلق للنكبة الفلسطينية والعربية الكبرى، ومعها خرافة أن "فلسطين ملك الشعب اليهودي" قبل ثلاثة آلاف عام.
منذ عام 1988 حسم الصهاينة وبمختلف ألوانهم قضية التخلص من قطاع غزة وأعبائها، مع رغبة تولي مصر إدارتها، أو إعادة قذفها بشكلٍ أو بآخر إلى أحضانها، وعليه اضطروا إلى التخلص من السيطرة المباشرة عليها، وتسارعت عمليات الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس، ونحو "دولة اليهود" الاستيطانية.
إن صمود الشعب الفلسطيني ربطاً بنجاح فصائل المقاومة الباسلة قد أفشل العدوان، والفشل دوماً هو تعبير عن النصر طالما أن أهداف العدوان قد فشلت، وانتهت العملية بـ "التهدئة"، لكن هذا الأمر لا يعني أن العدوان قد انتهى، فالعدوان صفة وجودية صهيونية لا يمكن لها أن تتوقف؛ إلا بالإزالة الكاملة للاحتلال وحتى الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وإنهاء الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس، وعليه فإن هذا الانتصار الفلسطيني معرض للتبديد، إلا إذا توج بإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، عبر عملية ديمقراطية شاملة بالتمثيل النسبي الكامل، وتصحيح السياسة الاقتصادية – الاجتماعية لمؤسسات السلطة في الضفة والقطاع في صالح الطبقات العاملة والفقيرة والطبقة والوسطى في المدينة والريف، وفي صف المجتمع الفلسطيني داخل دولة فلسطين المحتلة وفي أقطار اللجوء والشتات.
اليوم التالي للتهدئة
أعلن الناطق باسم وزارة الداخلية في الحكومة المقالة؛ أن قوات الأمن الحدودية انتشرت في مواقعها قرب الحدود مع الكيان الصهيوني بهدف حماية اتفاق التهدئة، وقال إسلام شهوان لوكالة الأنباء الفرنسية: "إن وزير الداخلية (في الحكومة المقالة) فتحي حماد؛ أمر جميع الأجهزة الأمنية والشرطية بالعودة إلى العمل الطبيعي، والعودة إلى مقارهم ومراكزهم في المدن والمناطق الحدودية السابقة التي كانوا فيها قبل الحرب". موضحاً أن "عناصر قوات الأمن الحدودية انتشروا منذ الصباح في مواقعهم على طول الحدود لقطاع غزة من أجل حماية تثبيت التهدئة مع (إسرائيل) (الذي دخل حيز التنفيذ يوم 23/11/2012).
وأكد شهوان أن "17 مقراً أمنياً وشرطياً دمر كلياً، كما ألحقت أضرار تدميرية في 11 مقراً آخر نتيجة للعدوان والحرب الإسرائيلية"، مشيراً إلى أن "عدداً من عناصر الشرطة توجهوا مساء الجمعة (23/11/2012) إلى شرق خان يونس في جنوب القطاع من أجل حماية أرواح المواطنين"، وهي المرة الأولى التي يتمكن بها رجال الشرطة (غير المسلحين) من الاقتراب الفاصل بين غزة والمناطق المحتلة عام 1948، من دون التعرف لإطلاق نار من قبل جيش الاحتلال على طول السياج، وذلك بناءً على اتصالات مع مصر ومداولاتها مع "إسرائيل" تمكنت عناصر الشرطة غير المسلحين لأول مرة من الوصول إلى السياج، بناء على اتصال من مصر قام عدد من الشرطة بالوصول لإبعاد الفلسطينيين من قرب السياج وهم من المزارعين، وكشفت المصادر أن "إسرائيل" طلبت من مصر ذلك الأمر.
كما أعلنت الحكومة المقالة (24/11/2012) أن مصر أبلغتها بتخفيف "إسرائيل" الحصار البحري المفروض على قطاع غزة تطبيقاً لاتفاق التهدئة، وقالت الحكومة في بيان لها: إن رئيسها إسماعيل هنية تلقى اتصالاً من رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية رأفت شحاتة؛ أبلغه فيه أنه "في إطار متابعة اتفاق التهدئة، فقد سمح للصيادين بالدخول في البحر إلى مسافة 6 أميال بدلاً من 3 أميال"، وذكر أن اجتماعاً مصرياً ـ "إسرائيلياً" سيُعقد لبحث المسائل المتعلقة بالاتفاق.
يحق للفلسطينيين الاحتفال بانكفاء وفشل العدوان الصهيوني، فالاحتلال لم ينجح إلا في أعمال التدمير والقتل دونما التمييز بين الشيخ والطفل والمرأة، مواصلاً همجيته ومسجلاً جرائم جديدة، وسجلت الفصائل الفلسطينية نصراً معنوياً جديداً، حينما هزّت المعنويات داخل الكيان وأضافت خوفاً ورعباً من استمرار جولات العدوان على غزة، هذا في اللحظة الفلسطينية المباشرة، وكي لا يبدد هذا في الأجل الطويل مع فائض القوة التقليدية التي تملكها "إسرائيل"؛ المقابلة لفائض الإرادة والصمود الفلسطينية، ينبغي فوراً استعادة المقاربة للحالة الفلسطينية، بالعودة إلى أُسس الصمود والمواجهة، باتخاذ مقومات صمود الشعب الفلسطيني، فالمصالحة وإنهاء الانقسام، لا يمكن أن تنجز بتبادل التهاني والقُبل، بل نحو إنهاء الانقسام بحلول شفافة ديمقراطية للشعب الفلسطيني تبدأ بالتمثيل النسبي الكامل.
بالإدراك أن تهويد القدس وقضم الضفة يجري على قدمٍ وساق، في سياق المشروع الصهيوني، وبالإدراك لخبرة التاريخ فإن العدوان على قطاع غزة لن يتوقف، بل سيتواصل مع أول فرص صهيونية بأشكال مختلفة، طالما أن الخبرة تقول بأن "التهدئة ليست نهاية المطاف"، ولا يمكن الاسترخاء تحت ظلالها، وكي لا يُفاجأ أحد ينبغي أن يكون الموقف شفافاً بجميع جوانبه مع الشعب الفلسطيني في جميع القضايا الجوهرية، فالمطلوب توفير مقومات الصمود الشاملة للشعب، الذي تتوفر لديه الإرادة في مواجهة آلة القتل والدمار الصهيونية الجهنمية. والمطلوب أولاً: إنهاء الاحتلال، فهذا الاحتلال آن له أن يزول، كي تزول المحارق و"الرصاص المصبوب"، وكي يتبخر "عمود السحاب"، فهي مرشحة للتكرار ليس في فلسطين أو جزء منها في قطاع غزة، بل على امتداد مساحة الوطن العربي كله، ولا يَدُل على ذلك سوى عدوانها قبل فترة على الخرطوم.
إن العدو لم يتغير، وكذلك أساليبه وإرهابه، ومذابحه لم تتوقف منذ ما قبل عام النكبة 1948، فهي نهج اقتلاعي وردعي و"كي للوعي" في فلسفة العدوان الصهيونية، إن رأس الأجندة الفلسطينية هو إنهاء الاحتلال.
دولة فلسطين (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) والقرار 491
قرار الجمعية العمومية 491 انتصار سياسي تاريخي واقعي ودون تضخيم، ويدرج في معارك النصر الكبرى، بشهادات محللين "إسرائيليين"، وبمعطيات ردود الفعل "الإسرائيلية" الرسمية، خاصةً وأن الضغوط الصهيوأمريكية كانت على مستوى العالم، ومعها توابع و"نصائح" عربية، ومارست واشنطن أعتى ضغوطها السياسية وتهديداتها، كما مارستها "إسرائيل" ميدانياً وعبر وسائلها المختلفة، إن الإرادة الفلسطينية تستحق الاحترام، حينما تحسم موضوعة الأرض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، في مشهد "فلسطين الدولة" و"إسرائيل" الاحتلال المعزول، ومن كيان فلسطيني ما إلى دولة، ومن أراضٍ محتلة إلى وطن محتل ودولة تحت الاحتلال، ودولة تحتل دولة أخرى وفق مرجعيات قرارات الشرعية الدولية، أي الانتقال من مفاوضات ثنائية "برعاية أمريكية منحازة والكيل بمكيالين" إلى دولة يعترف العالم بها، وتحمل رقماً في سلسلة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة، تحاصر دولة الاحتلال وتعزل الكيان الصهيوني سياسية وقانونية وتعترف بأراضي دولة فلسطين على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 تحت الاحتلال وليست "ارضاً متنازع عليها" من خلال نتائج تصويت الأمم المتحدة.
لقد شاء قدر التاريخ والأرقام أن يكون مقروءاً رقم القرار (491) من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار ليثير الذاكرة الفلسطينية بالقرار (194)، فالاقتلاع واللجوء مسؤولية هذا العالم، كذلك من احتلال بلا تكاليف لِـ "أراضٍ متنازع عليها"، إلى احتلال غاشم هو جزء من مسؤولية العالم، من المطلوب وضع حد نهائي له، كما أن معاهد خزانات التفكير والمستقبليات؛ ومنها "معهد واشنطن"، سبق حينها دوّن "ساتلوف" مسبقاً حول الانقسام الفلسطيني، وأن غزة أُخذت من مصر، وأن الحدود المصرية حُددت في كامب ديفيد، بين مصر و"إسرائيل"، وإذا ما توجب إعادة قطاع غزة، فإن "إسرائيل" لم تأخذه من الفلسطينيين، ومصر استعادت أراضيها، وبحسب المذكور؛ يمكن إعادته لمصر، ووفقاً لهذه المعادلة يجري الحديث عن الضفة الفلسطينية، الأمر المشابه لاتفاق وادي عربة بين الأردن و"إسرائيل"، في إشارة إلى الحال قبل عام 1967.
لقد أقرّ العالم من خلال القرار 491؛ مؤكداً على أن هذه الأراضي لما قبل عام 1967 هي أراضي الدولة الفلسطينية، ومن بين السطور ليس على مصر أن تقلق بعد هذا القرار من إلحاق قطاع غزة بها وتحمل إدارته ومسؤولياته، وليس عليها أن تقلق على سيناء، وهذا هو منطق المعادلة التي أقامها ساتلوف وهي مقلوبة رأساً على عقب.
سارعت "إسرائيل" بعد هذا القرار بساعات قليلة من عزلها دولياً، ومن ضم فلسطين إلى الأسرة الدولية، إلى إجراءات عقابية متوقعة، حين أعلنت المباشرة ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية بين مدينتيّ رام الله والقدس (المنطقة E1)، وإعلانها إلى المزيد من البناء الاستيطاني، وكانت اقتصرت الدعوات من بعض "الدول النافذة" بضرورة انضمام فلسطين إلى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ولكن دون المحكمة الجنائية الدولية، وفي يوم 30/11/2012 أفتى العضو العربي الهادي شلوف العضو العربي الوحيد في محكمة الجنايات الدولية، مع B.B.C. العربية إلى أن "الدول العضوية المراقبة لا تستطيع أن تفي بالالتزامات التي تفرضها المحكمة على الأعضاء"، على الرغم من أن كافة خبراء القانون الدولي يؤكدون بأن من حق فلسطين الالتحاق بهذه المحكمة، وأن "منظمة العفو الدولية" طالبت دولة فلسطين الإسراع بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهذه أقوى من "محكمة العدل الدولية" وأكثر أهمية، طالما أن "العدل الدولية" هي أكثر اختصاصاً بسلوكيات الدولة الصهيونية على مرّ تاريخها، بشأن ما يرتكبه الاحتلال من خرق للقانون الدولي، فالانضمام لها يُمكّن دولة فلسطين تحت الاحتلال من رفع شكاويها بشأن العملية الاستيطانية المتواصلة وجذورها، فالاستيطان هو ما يهدد دولة فلسطين، وكذلك الاغتيال السياسي والجرائم المنظمة.
إن قوة الإرادة الفلسطينية تجسدت في تصريح سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة في هيئة الأمم المتحدة، وبتكدرها وغضبها من القرار، وهي مرشحة لأن تكون وزيرة الخارجية في ولاية باراك أوباما الثانية، وهي من طواقم "المحافظين الجدد"، ومن أصحاب نظريات "المفاوضات للمفاوضات فقط"، ذاتها هددت بإجراءات انتقامية، واتخاذ إجراءات وقائية، وطلبها عدم التسرّع بالانضمام للمنظمات الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ومحاولة كبح المعادلة الجديدة التي أفرزها القرار، باعتباره قلب طاولة المفاوضات الأمريكية وتحت الرعاية الأمريكية المطلقة، وباعتبار أن القرار يمكن استثماره مضاداً للوجهة الأمريكية ـ الإسرائيلية التي وصلت معه وبه إلى أُفق مسدود، وخرج الأفق السياسي من "لعبة الدوران التفاوضية" التي لا تفضي إلا إلى المزيد من الاستيطان.
إن هذا الانتصار السياسي ينبغي أن يعزز بأنياب فلسطينية، وأن يذهب نحو إعادة البناء السياسي الفلسطيني وإنهاء الانقسام، كي يُبنى على هذا الانتصار، ومواجهة عمليات احتوائه وإجهاضه، يبدأ أولاً بديمقراطية فلسطينية شاملة وفق التمثيل النسبي الكامل، تعزز وقائع الصمود والوقائع الميدانية لوطن وشعب تحت الاحتلال، تمهد لنمط بناء الدولة والنظام بدءاً من البرلمان والأجهزة التنفيذية (الحكومة) والقضاء، إن هذه المطالب لم تعد ترفاً أمام وقائع رفع التمثيل الفلسطيني إلى دولة، فالسلطة الفلسطينية، ثم حالة الانقسام لم تعد تُلائم هذا التوصيف، وقد بدأت النخب الفلسطينية والإعلامية باستخدام مصطلح "دولة تحت الاحتلال"، ولم يعد يكفي الشعب الفلسطيني أن تدين بيانات السلطة الاستيطان "الإسرائيلي" وتكتفي بذلك، والنخب والشعب ينتظر بشغف أن ترتب القيادة الفلسطينية كامل أوراقها وأجندتها الجديدة بعد القرار 491.
ملحق 1:
ينذر ما أطلق عليه تسمية "الربيع العربي" بعواقب وخيمة، وقد تبدلت نسائمه الربيعية إلى رياح السموم وزوابع و"طوز" صحراوي، أَدخل المنطقة بقيظ ساخن مجدب مديد، إن تسنى له أن يتواصل فإن عواقبه "القهقرية" مديدة وخارج السيطرة، امتداداً لِـ "الفوضى الخلاّقة الأمريكية" التي تعبث فساداً في المجتمعات.
إن هؤلاء من ركبوا على صهوة "الربيع" بعد أن كانوا من النظّارة المتفرجين، يتحكمون بمصائر الربيع، بعد التقاط ثماره قبل أن تونع، وأخذوا يخربون النُسج الوطنية والاجتماعية العربية، بالحروب الأهلية الدموية وبالوحشية التي أطلقوها، أمامنا مشاهد لحروب أهلية فادحة مكلفة قادمة بين المذاهب والطوائف والقبائل والإثنيات، خدمةً لمشاريع إمبريالية واستعمارية جديدة.
إن المناصرين تشدقاً لِـ "الديمقراطية وحقوق الإنسان" لم تتغير مكاييلهم المزدوجة، والأمر يتطلب التأمل والتحليل، بدءاً من قضية فلسطين التي تشكل ضمير العالم وموقفهم الفعلي من "دولة فلسطين" التي تشدقوا بها مديداً، وصولاً إلى المآلات التي آلت إليها على صعيد التركيب الأمريكي للنظم السياسية الجديدة، وإفشالها تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود، وبما ينسجم مع وكالاتها ووكلائها وما يناسب مشاريعها.
وبالتمييز بين التناقضات الرئيسية والثانوية "التناقض الرئيسي والثانوي" فإن الحصاد "السلفي السياسي" لهذه الثورات، اليوم هي واضحة بشدة وجلاء في تونس، فالغنوشي الذي قضى عقوداً مديدة في الغرب (30 عاماً في بريطانيا)، وركب إنجازات "الاتحاد العام للشغل" لا يعلم تاريخ هذا الاتحاد، ومرسي "حدّث ولا حَرَج" في الذهنية الانقلابية وانقسام مصر بكاملها بين وجهتين: "وجهة الديمقراطية والدولة المدنية والمساواة في المواطنة، ووجهة الديكتاتورية والخلافة"، ولا يمكن لهذا أن يتطاول لولا إدراكه أن "العامل الخارجي" وبيئته العامة مؤيدة لما يذهب إليه من ديكتاتورية وممارسات سياسية إنقلابية بإعلانات وقرارات الأمر الواقع ضد القوانين الدستورية.. لم يحظَ بها أحد قبله حتى من توابع واشنطن، ثم إن الوضوح الكامل هي في التغيير الذي وقع في ليبيا بتدخل مباشر من الأطلسي، وطالما أن النفط والطاقة هما الهدف، لا يمكن لهذا البلد أن ينعم بالأمن والاستقرار، كذلك اليمن على وتيرة أخرى، في سياق دور "العامل الاقليمي والأجنبي الخارجي".
كشف الإخوان المسلمون في مصر عن أوراقهم، ونكثوا كامل الوعود التي أطلقوها حين قدموا أنفسهم بعمامات الزاهدين بالحكم، حين أعلنوا أهدافهم: (30% من مجلس النوّاب، لا ترشيح لرئاسة الجمهورية، الابتعاد عن الحكم والبقاء في المعارضة، الإيمان بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة"، وهم منافقون ...
ها هم يحاولون ابتلاع مصر بكاملها فلا يستطيعون، فمياه النيل عميقة وبحسب المثل المصري "الميّة تكذب مرسي أي الغطاس"، والكرسي أعمى البصر والبصيرة معاً، والشعب المصري يرفضهم وهو ديمقراطي بالفطرة، حين قال "لِنعطهم فرصتهم الكافية ليحكموا أربع سنوات، ها هم يركبون رؤوسهم ويرتكبون المجازر (مجزرة قصر الاتحادية مثالاً) والقمع ضد عموم أطياف الشعب المصري، الأطياف القومية واليسارية والتقدمية والليبرالية، والشعب المصري بأطيافه "إلى اليسار دُر"، وشعار "إسقاط الجمعية التأسيسية والدستور الإخواني السلفي ضرورة وطنية" و"القضاء على الفساد يتطلب محاصرة الأنشطة الرأسمالية الطفيلية الخفيّة باعتبارها المصدر الأساسي للفساد في الحياة الاقتصادية" و"إصلاح سياسي ديمقراطي لتحقيق الرقابة الشعبية السليمة لكشف الفساد" ... الخ.
تقف مصر أمام كارثة وقبل وقوعها، ومرسي وسيط "جيد" بين غزة وتل أبيب، وعلاقة عضوية مع السلفية السياسية ضد عموم الأطياف، والبراغماتية الأمريكية أبرمت صفقة كبرى مع الإسلام السياسي اليميني في قوسه الممتد عربياً من المياه إلى المياه، وهم حلفاء اليوم المدللون.
كيف يمكن لمصر أن تكون "مستقلة" وحُرّة إذا كان أمنها مرهون برغيف الخبز اليومي وبيد واشنطن (!)، بيد العدو الأمريكي، أما أمنها القومي سبق للعنصري ليبرمان أن طالب بضرب السد العالي بالقنبلة النووية.
في العودة إلى القرار 491؛ إن سمة فلسطين هي أنها موحدة للشعوب العربية، هي صغيرة على شكل خنجر بين تواصل برّين عربين من شمال إفريقيا إلى شرق المتوسط والجزيرة، وعليه؛ إن ميزتها الصغيرة هي بحجم الوطن العربي، آن الأوان ليتوحد العرب على موقف واحد من أجل قضاياهم المصيرية، بدلاً من الإذعان والانقسام، واليوم فرصة تاريخية لمواجهة لصوص الأوطان، وتحقيق نبوءة "عابرون في كلام عابر".
الخلاصة أن البعض من العرب ينبري اليوم لتجديد باراك أوباما "الجديد"، وأنه سيحقق مطالبكم، "ثقوا به، لا ولاية ثالثة وقد تحرر من اللوبي الصهيوني"، هذا تنظير ملغوم وفارغ من أي جوهر عاش كورثه العرف وفلسطين عقود "الانتداب" البريطاني تحت عنوان "انتظروا عدالة الحليفة بريطانيا"، وطالما أن الخبرة التاريخية تقول أنه منذ أربعينيات القرن الماضي أن 13 رئيساً تعاقبوا على البيت الأبيض هم سبعة "ديمقراطيين" وستة "جمهوريين" الحزبين الذين يحكمان أمريكا، ومن تاريخ انتخابهم إلى تاريخ خلفهم، والمطلوب الاعتماد على الذات أولاً والأصدقاء، وهذا الموقف انتظاري عدمي مميت، أشبه بسياسة "لحس المبرد" بالخضوع للابتزاز، إلى أن ... "ثم انقضت تلك السنون ـ وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام" ...
ملحق رقم 2:
(13) رئيساً أمريكياً تعاقبوا على البيت الأبيض منذ النكبة الكبرى الفلسطينية - العربية
• 1932 - 1945 فرانكلين د. روزفلت (ديمقراطي)، وقد أُعيد انتخابه للمرة الرابعة في العام 1940، لم يكن قد تم اعتماد المبدأ الذي يحدد الترشيح لولايتين رئاسيتين، حين حُدد في العام 1951، توفي في 12 نيسان/ إبريل 1945 .
• 1945 - 1952 هاري ترومان (ديمقراطي) ـ نائب روزفلت خلفه لدى وفاته، وأُعيد انتخابه في العام 1948.
• 1952 - 1960 دوايت ايزنهاور (جمهوري).
• 1960 - 1963 جون ف. كينيدي (ديمقراطي)، اغتيل في دالاس بتكساس في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963 .
• 1963 - 1968 ليندون جونسون (ديمقراطي) نائب الرئيس كينيدي، خلفه في العام 1963، وأُعيد انتخابه في العام 1964 .
• 1968 - 1974 ريتشارد نيكسون (جمهوري)، أُعيد انتخابه في العام 1972 إلا أنه اضطر إلى الاستقالة إثر فضيحة ووترغيت في العام 1974.
• 1974 - 1976 جيرالد فورد (جمهوري) نائب الرئيس نيكسون، خلفه بعد استقالته، وحتى اليوم هو الرئيس الوحيد الذي لم ينتخب أبداً، لأنه خسر الانتخابات أمام جيمي كارتر في العام 1976 .
• 1976 - 1980 جيمي كارتر (ديمقراطي).
• 1980 - 1988 رونالد ريغان (جمهوري)، ولايتين رئاسيتين.
• 1988 - 1992 جورج بوش الأب (جمهوري).
• 1992 - 2000 بيل كلينتون (ديمقراطي)، ولايتين رئاسيتين.
• 2000 - 2008 جورج بوش الابن (جمهوري)، ولايتين رئاسيتين.
• 2008 إلى اليوم: باراك أوباما (ديمقراطي)، ولايتين رئاسيتين.
هذا على امتداد القضية الفلسطينية المعاصرة، وكان ينبري بعض العرب من أهل البترودولار لينظّروا إلى الولاية الثانية بأنها ستنصف الفلسطينيين، بل إن اسم باراك تحول إلى "بركة" وأنه "منّا وفينا" و"من عيالنا ... بالمعنى الديني" ... الخ.
إن "إسرائيل" اليوم في حالة من تآكل الردع لديها رغم فائض القوة، وهو تفقد القوة على "الحسم العسكري، وها هي اليوم تفقد القدرة أيضاً على التأثير الدبلوماسي والسياسي وتحقيق مآربها رغم الدعم الأمريكي المطلق، والعالم يتفهم طبيعة المشروع الصهيوني ومستقبله ومشروعه الإمبريالي التابع، فمسألة قيام الدولة الفلسطينية سيقود إلى متواليات في الحقوق الفلسطينية، حتى داخل الكيان الصهيوني ذاته ...
إن تهديد دول العالم بالويل والثبور، كما تهديد الفلسطينيين أيضاً من خلال الابتزاز لم يعد يجدي، وقد ظهر جلياً أن بنيامين نتنياهو يتخبط في أفعاله وأقواله، ومنها إثر الحصول على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة قوله: "إن الاعتراف لا يُغيّر شيئاً على الأرض"، أي أن قيام الدولة الفلسطينية رهن بـ "إسرائيل"، وهذا منافٍ للموضوعية بشكل مطلق، لأن الصهاينة يعلمون أن دولة اسرائيل قامت بقرارين، الأول دولي (وعد بلفور الملحق بصك الانتداب، قرار الأمم المتحدة الرقم 181 عام 1947 بتقسيم فلسطين) والآخر بالتوازي خلق الواقع الاستيطاني على الأرض الفلسطينية، ولذا يرون نهاية خرافة "أرض المبعاد" وبداية تهاوي الأحلام الصهيونية الكبرى.
أخيراً؛ لقد خاضت الولايات المتحدة معركة "إسرائيل" بكامل ثقلها وتأثيرها في الأمم المتحدة وعلم امتداد العالم، للحؤول دون حصول فلسطين على عضوية دولة مراقبة، وهي لم تتقبل هذه النتيجة بروح ديمقراطية باحترام قرار المجتمع الدولي بأغلبيته، وبما يتعارض مع ادعاءات مفاهيم العدالة وحقوق الإنسان كلها، بل والقيم التي تشكلت على أساسها الأمم المتحدة كي تكون ضامنة للأمن والسلم الدوليين.
عبرت وزيرة خارجيتها عن سخطها على نتيجة التصويت، وكذلك مندوبتها في الأمم المتحدة، وهي من أقصت الأمم المتحدة عن مهمة رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني ووطنه، ومنعتها عن القيام بدورها المفترض تجاه تأمين أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، بل لعبت لعبتها في "المفاوضات من أجل المفاوضات" حول ادعائها لقيام "دولتين" في الوقت الذي وفرت به لـ "إسرائيل" كل أشكال الحماية والتأييد والتغطية والإسناد السياسي والاقتصادي والعسكري، والتبرير لجرائم العدوان المتواصل، نحو إنهاء أية تسوية ممكنة مع كيان توسعي عدواني احتلالي.