الكنفدرالية هروب من المواجهة الحتمية

بقلم: فايز أبو شمالة


هل أدركت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عبثية مسارها السياسي لعشرات السنين، وتأكد لها عجزها عن تحقيق دولة فلسطينية من خلال المفاوضات، فالتجأت إلى فكرة الكنفدرالية مع الأردن؟ هل اقتنعت القيادة السياسية باستحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على أرض الضفة الغربية وغزة، ولاسيما أن مثل هكذا دولة ستكون معلقة من رقبتها أمنياً، ويتنفس اقتصادها صناعياً، وتغسل وجهها كل صباح برضا الصهاينة، لتكون دولة هزيلة، ويكون الحديث عن استقلالها مهزلة سياسية؟
هل اقتنعت قيادة منظمة التحرير بأن الوطن المعنوي للفلسطينيين لم يكن إلا وهماً، لأن الوطن مثل الزوجة، لا يمكن أن يكون فتراضياً، فالوطن أرض وشعب ونفوذ وسيادة كاملة، وخلوة شرعية دون تدخلات خارجية؟ فهل أدركت القيادة السياسية أن السلطة التي صار التنازل عن الثوابت الفلسطينية ضماناً لبقائها، بات بقاؤها في حكم المستحيل، وأن الحصول على دولة بصفة مراقب لم يقدم، ولن يؤخر في الواقع القائم شيئاً؟
لا أظن أن السيد عباس قادر على التنكر لماضيه، وهو مقتنع بموقفه من التفاوض مع الإسرائيليين، ولا أظن أن بمقدور الرجل أن يتراجع عن نهج التسوية الذي سار عليه عشرات السنين، وأزعم أن فكرة الكنفدرالية قد جاءت للرد على التحالفات الإقليمية الصاعدة، وللتأكيد على ثنائية جولة المفاوضات القادمة مع الإسرائيليين، المفاوضات التي حدد موعدها الملك عبد الله نفسه، في شهر شباط القادم، عشية انجلاء معركة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية!
يؤكد فقهاء السياسية أن الكنفدرالية لا تتحقق إلا بوجود دولتين مستقلتين لهما كامل السيادة على الأرض، فهل لدولة فلسطين المراقب أدنى سيادة على الأرض؟ وهل تقدر دولة فلسطين على إعالة نفسها، وتقديم رواتب لموظفيها؟ ألا تشكو فلسطين من وجع الاحتلال؟ فلماذا يصير إشغال الناس بالحراك السياسي المسمى كنفدرالية، وقد انشغلوا سابقاً بحراك اسمه بناء المؤسسات لمدة عامين، وانشغلوا سابقاً بحراك سياسي اسمه الحصول على دولة لها صفة مراقب لمدة عامين أضافيين، لينشغلوا اليوم بالكنفدرالية تهرباً من الأوضاع الداخلية المتفجرة في الضفة الغربية، وتهرباً من استحقاق المصالحة التي تحتم إنهاء التنسيق الأمني، والاستعداد للمواجهة المسلحة مع الغاصبين الصهاينة.
إن طرح فكرة الكنفدرالية دليل عجز عن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وهذا العجز يملي على صاحب القرار أن يفتح نقاشاً مع القوى السياسية والشعبية، ليصير التوافق على أنجع الطرق للخروج من مأزق فقدان الأرض، ولا بأس أن تكون العودة بالقضية الفلسطينية إلى أصولها العربية جزءاً من الحل المرحلي، ليتحمل جميع الحكام العرب مسئوليتهم، فالوحدة العربية أقصر الطرق لتحرير فلسطين، ووحدة الشعبين الفلسطيني والأردني تبلل ضفتي النهر بالحرية، وليكن الاندماج بينهما أصدق رد على منظمة "بيتار" الصهيونية التي تقول كلمات نشيدها الوطني: للنهر ضفتان، هذه لنا، وأيضاً تلك.
فإذا كانت ضفتا نهر الأردن ملكاً للصهاينة وفق إدعائهم، فإن أي شكل من أشكال وحدة الموقف والرأي والعمل العربي هو في صالح الأمة، وخطوة على طريق استعادة الأرض المغتصبة، فالأرض أهم من القيادة، ومصير الشعب الواحد أهم من مصير القائد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت