حواديت ... لغة الدولة

بقلم: أسامه الفرا

بات من الواضح أن اللغة التي تستخدمها القيادة الفلسطينية اليوم مختلفة عما كان عليه الحال قبل 29/11/2012، لغة اليوم لا تتعلق بالأمور الثانوية من مضمون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، المتعلق مثلاً بتغيير مصطلح السلطة الفلسطينية إلى دولة فلسطين على ورق المراسلات الداخلية أو على يافطة هنا وأخرى هناك، بل يمتد إلى جوانب أكثر عمقاً في تجسيد فحوى القرار والارتكاز على المتغيرات المرتبطة به، المهم أن القيادة الفلسطينية وهذا ما عبر عنه صراحة الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" بأن قرار الجمعية العامة بحاجة إلى ترجمه مضمونه بانضمام فلسطين إلى كافة المنظمات التابعة للأمم المتحدة بالإضافة إلى انضمامها للاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأن خلاف ذلك سيفقد قرار الأمم المتحدة أهميته ويتحول لمجرد قرار في أرشيف الأمم المتحدة.

حالة "الهاستريا" التي انتابت القيادة الإسرائيلية بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب عبرت عنها تصريحات وتهديدات قيادات في حكومة الاحتلال، تهديدات ذهبت في أكثر من اتجاه، لكن الرد الفلسطيني جاء هذه المرة بلغة مغايرة لم تعتدها حكومة الاحتلال من قبل، لغة تحد تستند على قواعد جديدة في الاشتباك معه، نمتلك فيها الكثير من عناصر القوة، وفي ذات الوقت ندرك بأن الضغوط علينا ستكون أكبر، لعل ملامحها بدأت بالحصار المالي على السلطة الفلسطينية، من خلال عدم قيام حكومة الاحتلال بتحويلات الضرائب للسلطة، والحال ذاته من قبل الإدارة الأمريكية، والتسويف العربي فيما يتعلق بما التزم به العرب من توفير شبكة أمان بقيمة مائة مليون دولار شهرياً، الضغوطات التي تمارس على القيادة الفلسطينية ستتعدى الشق المالي، لكن على حكومة الاحتلال أن تدرك المتغيرات التي رافقت الاعتراف بفلسطين دولة مراقب، وأن القيادة الفلسطينية ماضية قدماً في ترجمة ذلك ضمن فلسفة المواجهة، المواجهة التي لا تكتفي بالتأكيد على عدم مشروعية الاستيطان على سبيل المثال، بل بملاحقة قانونية ودبلوماسية في المحافل الدولية لحكومة الاحتلال، وفي ذات السياق لن يكون الحال على ما كان عليه في السابق حيال الاعتداءات اليومية التي يقوم بها قطعان المستوطنين على البلدات الفلسطينية، فقد آن الأوان للتصدي لهم طبقاً لمفاهيم الدولة.

على مدار السنوات السابقة التحقيق من قبل السلطة الفلسطينية في ظروف استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، لم يسبب قلقاً للقيادات الإسرائيلية، ولكن التخوف اليوم بات ينتاب هذه القيادات، ليس فقط لأن فرقاً دولية من سويسرا وفرنسا وروسيا تشارك فيه، ولكن لقدرة السلطة الفلسطينية على الذهاب بعيداً في ملاحقة القيادات الإسرائيلية إذا ما تمكنت من الحصول على الدلائل التي تؤكد على مسؤوليتها عن اغتياله، لجنة التحقيق في ظروف استشهاد ياسر عرفات تعمل بمهنية عالية من جانب، ومن جانب آخر النتائج التي يمكن أن تصل إليها لن تتوقف عند توجيه أصابع الاتهام، بل متغير الصفة من سلطة فلسطينية إلى دولة سيمنحنا القدرة على جلب المتهمين للعدالة الدولية، ومن البديهي أن يدخل ذلك القلق والخوف في نفوس قيادة الاحتلال.

مضامين الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن تنقلنا من حالة العجز في ملاحقة قادة العدو على الجرائم التي يرتكبوها بحق شعبنا إلى حالة الملاحقة الدولية وجلبهم إلى محكمة الجنايات الدولية، ليس فقط فيما يتعلق باستشهاد الرئيس الفلسطيني بل فيما يتعلق بكافة سياسات الاحتلال العدوانية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت