الشعوب عصية على الإختزال، كما هي عصية على الزوال، ومنها الشعب الفلسطيني المتنوع في ثقافته، وانتمائه الوطني والقومي والإنساني، وأثبت على الدوام أنه شعب حيٌ ويقظ، لم يسلم للأعداء، ولا للمؤامرات التي استهدفت وجوده وحقوقه، دائم الثورة والانتفاض في وجه أعدائه، دائم التمسك بحقوقه وهويته وكينونته وثقافته، يرفض أن يساوم على أي من هذه الثوابت التي باتت تمثل ثوابته الوطنية، والتي قدم لأجلها التضحيات الجسام، لقد توهمت بعض القوى الفصائلية الحزبية العقائدية الأيديولوجية أن بإمكانها أن تختزل الشعب الفلسطيني في نطاق وحدود رؤاها الحزبية أو تصوراتها العقائدية، لكن الشعب الفلسطيني لم يستسلم لهذه القوى، التي حاولت أن تفرضها عليه بالإقناع تارة وبالحديد والنار تارة، وبالخداع بالتماهي مع تطلعاته تارة أخرى، لكن الشعب الفلسطيني أثبت أنه ذو حساسية عالية إزاء متطلباته وتطلعاته الوطنية والقومية، وكعادته أذهل الشعب الفلسطيني جميع هذه القوى كما المراقبين السياسيين يوم الرابع من يناير عندما خرج للإحتفاء بالذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقة ثورته المعاصرة على يد رجال العاصفة رجال "فتح" في 01/01/1965م، خرج الشعب بكل فئاته المختلفة في قطاع غزة بهذه المناسبة التاريخية التي تؤرخ لثورته المعاصرة، وأسست لجميع إنجازاته الوطنية على طريق تحقيق أهدافه المشروعة في استعادة وطنه وتحقيق مراده في دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، يعيش فيها بأمن وسلام، ويواصل من خلالها تطوره المجتمعي والإنساني، لقد مثل هذا الخروج انتفاضة على حالة الانقسام والإعوجاج التي قادته إليها بعض القوى الإيديولوجية، وتوهمت أنها قادرة على اختزاله واختزال نضاله وتاريخه في أفكارها وتصوراتها الضيقة وارتباطاتها الإقليمية أو الدولية، انتفض الشعب الفلسطيني في وجهها، ووجه رسالته الواضحة لها وللعالم أجمع، أن الفلسطينيين في قطاع غزة أو غيره من أجزاء فلسطين التاريخية ما هم إلا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني الواحد الموحد، هذا الشعب الذي تبلورت هويته الوطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" اللتين لم تكونا في يوم من الأيام حزبيتين أو أيديولوجيتين، وإنما كانتا دائماً التعبير الأمثل والكامل عن مكونات وتطلعات الشعب الفلسطيني، فأصبحتا عن جدارة واستحقاق ممثله الشرعي والوحيد، واستطاعت م.ت.ف بقيادة حركة "فتح" أن تشكل الإطار الجبهوي العريض والواسع الذي يضم كافة القوى والفصائل والمنظمات المكونة لنسيج الشعب الفلسطيني المتنوع دون إقصاء لأي لون أو نوع، وبالتالي فإن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الشرعي القانوني والواقعي الممثل لشعب فلسطين دائماً على اختلاف أماكن تواجده.
لقد فشلت القوى الحزبية الأيديولوجية والعقائدية في فلسطين من تقديم السياسات والبرامج النضالية الواقعية التي تحاكي احتياجات الشعب الفلسطيني، لانشغالها في متاهات الأيديولوجيا، في حين تمكنت ونجحت حركة "فتح" ومن خلال قيادتها لـ م.ت.ف من تقديم تلك البرامج والسياسات التي على ضوئها حققت الكثير من إنجازات الكفاح الوطني الفلسطيني، وبقيت تلك القوى تائهة في سراديب الأيديولوجية سواء كانت وضعية أو دينية، وتائهة في دائرة الاستقطابات الإقليمية والدولية، ولم تقدم للشعب الفلسطيني سوى المزيد من تعميق المعاناة دون ثمن يذكر سوى إبقاء هذا الحزب أو هذا التيار يتنفس هواء الحياة على حساب مصالح الشعب الفلسطيني ومستقبله.
هل أدركت هذه القوى الحقيقة الواضحة، أن الشعب الفلسطيني غير قابل للاختزال في لون واحد، أو حزب واحد، أو أيديولوجية ضيقة ؟!! وهل أدركت أن الشعب الفلسطيني يعرف وجهته ؟!!
د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 07/01/2013م الموافق 25/02/1434هـ
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت