مما لا شك فيه أن المهرجان الجماهيري المليوني ، الذي أقامته حركة فتح وجماهيرها العظيمة بقطاع غزة الجمعة الماضي ، قد جاء ليؤكد على عدة أمور هامة وحساسة ، أولها أن حركة فتح هي حركة جماهيرية وليست حركة خاصة أو حزب سياسي عادي ، وثانياً أن حركة فتح وبرغم كُل ما حملته من وزر وأخطاء قياداتها منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م ، حيث انصهرت الحركة في عملية بناء مؤسسات الدولة وتم إهمال العمل التنظيمي بشكل كبير ، وثالثاً والأهم هو أن حركة فتح وُجدت لتبقى ، وهي عصية على الاندثار أو الشطب أو عمليات الاستحواذ والتبعية الشخصية .
حركة فتح اليوم تعيش حالة مميزة من الانتصار الذاتي ، هذا الانتصار الذي جاء نتيجة طبيعية لحالة النضال التراكمية للحركة منذ أن قادت المشروع الوطني ، الانتصار الذي لم يكن ليتحقق لولا عشرات الآلاف من التضحيات من شهداء وأسرى ومشردين .. انتصار دفعت ثمنه فتح الكثير ، من أجل أن تبقى حامية للمشروع الوطني إلي يحاول البعض المزايدة عليها من خلاله ، فحركة فتح تُثبت أنها حركة لم تتنازل عن الثوابت الفلسطينية الشرعية ، ولو كانت تريد ذلك لما اغتالت إسرائيل ياسر عرفات ، ولما كانت الحركة الآن في قلوب وعقول وذاكرة هذه الأجيال التي خرجت إلى ساحة الشهيد ياسر عرفات ، لتُعلن البيعة لحركة فتح ، بعد سنوات طويلة من منعها من إقامة مهرجان انطلاقتها نتيجة حالة الانقسام الداخلي .
قيادة حركة فتح الآن أمام اختبار مهم ، هذا الاختبار الذي ستكون الجماهير هي المراقب عليه ، حيث سجلت جماهير الحركة هذا الانتصار ، والآن دور القادة للوفاء لهذه الجماهير ... الجماهير التي تُعطي الشرعية للقادة وليس العكس ، فحركة فتح تؤمن بالعطاء الميداني ، ومن أراد أن يكون في موقع القيادة يجب أن يكون متواجداً في الميدان ، وأهمية أن تكون بصماته واضحة في العطاء والتواصل الجماهيري ، لهذا فإن هناك عدة ركائز يجب البناء عليها استكمالاً للعرس الجماهيري الفتحاوي في قطاع غزة .
المصالحات الداخلية الفتحاوية :
أصبح من الواضح أن قضية الخلافات الداخلية الفتحاوية تُشكل حالة اهتمام للكادر الفتحاوي ، فهو كادر واعي ومُثقف وليس من السهل تمرير مشاريع التطويع القسرى عليه ، فهو صاحب رؤية وتوجه يرتكز على وحدة الحركة وقيادتها ، وهو مطلب جماهيري عاجل ، لذلك على قيادة الحركة إعادة النظر في الخلافات التي تم تغذيتها من قبل بعض المنتفعين ، وحاولوا تشويه صورة قادة الحركة ، وساهموا في تعميق الفجوة بقضية الأخ محمد دحلان ، حيث قناعة الجماهير بأنها قضية شخصية لا تمت للعمل التنظيمي أو السياسي بأي صلة .
المصالحة الداخلية الفلسطينية :
إن قضية الانقسام الفلسطيني الداخلي أصبحت تُشكل العبئ الأكبر على المواطن الفلسطيني ، وقد أثبتت الجماهير بأنها مستعدة لمصالحة فلسطينية مبنية على أساس احترام التاريخ والتضحيات لحركة فتح ، وكذلك احترام قادتها وكوادرها ، إضافة لأهمية أن تكون المصالحة مبنية على أسس واضحة وعلنية ، فلا مصالحة على حساب أحد ، ولا مصالحة على حساب تضحيات شعبنا وصموده ، ولا مصالحة حزبية أو فصائلية ، فالمصالحة هي واجب وطني وأخلاقي ، وهو المدخل الوحيد لاستكمال المشروع الوطني الفلسطيني الذي رسمت ملامحه مؤخراً الخطوة الدبلوماسية بالأمم المتحدة ، وكذلك صمود وانتصار شعبنا إبان العدوان الأخير على غزة .
استنهاض العمل التنظيمي :
العمل التنظيمي لحركة فتح وخاصة بقطاع غزة ، هو حالة مزرية ومخجلة ، وذلك لعدة أسباب ، أهمها عدم وجود قرار ونية لدى قيادة الحركة لبناء حالة تنظيمية صحية ، والتركيز على مبدأ الشخصنة وإتباع سياسة التهميش وتصفية الحسابات الخاصة ، وهذا بالتأكيد لا يمكنه أن يكون أداه رافعة للعمل التنظيمي ، فحركة فتح ليست ملكاً لأحد ، وقانون الديمقراطية فيها هو نقطة الفصل ، ولتكن صناديق الانتخابات الداخلية هي الفيصل بين كافة المستويات في العمل التنظيمي ، وان ما حصل خلال السنوات الخمس الأخيرة من أداء التنظيم في القطاع لهو جريمة بحق تضحيات شهدائنا وأسرانا وكوادرنا .
العمل التنظيمي في الساحات الخارجية :
هناك ضعف واضح في العمل التنظيمي بالساحات الخارجية ، خاصة الساحات العربية ، وساحات الأصدقاء ، وهذا ما يتطلب من قيادة الحركة العمل على استنهاض العمل التنظيمي فيها ، وإجراء تغيير شامل لقيادات الساحات الخارجية ، حتى تستطيع حركة فتح التواصل مع الجماهير العربية ومع الأصدقاء ، بما يحقق من رؤية للمستقبل الفلسطيني تنظيميأ وسياسياً ، في ظل وجود توازنات وتكتلات من شأنها تغيير قواعد اللعبة السياسية وأهمها وصول الجماعات الإسلامية للحكم في عدد من الدول العربية الهامة .
هذه ليست وجهة نظر شخصية ، بل هي حقيقة واقعية يتحدث بها الكادر الفتحاوي بصراحة ، وهو على قناعة تامة بأن عدم البناء على النجاح الأخير للحركة في قطاع غزة ، سيكون جريمة كُبرى بحق جماهير ومناصري الحركة الذين خرجوا أطفالاً وشيوخاً ونساءاً في مظهر لا يمكن أن يتكرر بسهولة ، وهذا دليل على أن جماهير فتح تُريد التغيير وإعادة الثقة بينهم وبين قيادة الحركة .
&&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت