ان مفهوم الانقلاب العسكري بمدلوله المتقدم قد يتشابه في بعض جوانبه مع مفهوم الثورة ولكن يجب علينا ان نميز بين المصطلحين فالانقلاب العسكري حسب تعريف عامير رابابورت، هو حركة مفاجئة، خادعة، عنيفة وغير شرعية تحتاج لمهارة عالية من جانب القائمين بها من العسكريين هدفها تغيير الحكومة القائمة وما يميز هذا النوع من الانقلابات انها انقلابات بيضاء دون اراقة دماء في غالبيتها العظمي وهذا النمط من الانقلابات اجتاح الوطن العربي من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ومن ايجابياته الحفاظ على وحدة الدولة الجغرافية ومكوناتها العرقية والمذهبية والطائفية وهذا النوع بعيدا عن الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ويستند في سلطتة الى قانون الطوارئ اما الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره سواء إلى وضع أفضل أو اسوأ باندفاع يحركه عدم الرضا، والتطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب.
وهنا تكمن المفارقة بين المصطلحين فالانقلاب العسكري يعتمد بشكل اساسي على القوة العسكرية والاحتكام الى السلاح في عملية الحسم وعنصر المفاجئة للوصول الى السلطة اما الثورة والتي تهتمد اسلوب المقاومة الشعبية والعصيان المدني قد تعتمد العنف والحسم العسكري للوصول الى السلطة ,اما في الحالة العربية حينما تكون الثورة ضد نظام الحكم فيجب ان تختلف وسائل المقاومة والتصدي لهذا النظام ويجب ان تعتمد اسلوب الثورة الشعبية السلمية بكافة وسائلها والعمل على تطوير واستحداث الوسائل النظالية الجديدة المؤئرة في نظام الحكم دون اللجوء الى العنف والكفاح المسلح والتعدي على مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة على اعتبار ان هذه ملكية عامة تتبع الى الشعب ومن الشعب ودون اراقة الدم على اعتبار انه جريمة وفسخ للعقد الاجتماعي والبنيوي للشعب والدولة مما يؤدي الى تقسيم المجتمع الى اعراق وطوائف تكون نتائجه وخيمة على التركيبة الاجتماعية للدولة وستعاني منه عقود طويلة بغض النظر عن النظام السياسي القائم والقادم ومن سلبياتها تفكيك مؤسسات الدولة وتدمير البنى التحتية والاقتصادية ودخول البلاد في حروب اهلية طائفية عرقية ومذهبية تؤدي الى تقسيم البلاد الى كنتونات سياسية مذهبية وعرقية
ولكن الشباب الثائر اليوم في ميادين وساحات وشوارع العديد من الدول العربية المطالب بالحرية والديمقراطية والاصلاح السياسي والحياة الكريمة هو بحاجة ملحة الى التغيير واسقاط النظام السياسي هو ظرورة وطنية ملحة اذا ما اردنا لوطننا العربي مكانة بين الامم والنهوض من تحت الركام دون المس بمؤسسات الدولة ونسيجها الاجتماعي وعدم الاستعانة بقوى خارجية ويجب ان تكون اجنداتنا وطنية ومصلحة الوطن فوق الجميع وان لايكون الوصول الى السلطة على حساب الوطن ومقدراتة , وعلينا التمرد على واقعنا وتغييره دون المس بمقدراتنا ووحدة بلادنا
ولكن ما حدث في العراق وهو بداية الشرارة و ما يحدث في دول الربيع العربي يؤكّد أن العملية برمتها ليست سوى الدمار الذاتي واستنزاف لمقدرات وثروات الشعوب الاقتصادية والبشرية وتفكيك مكونات المجتمع ذات الاعراق والثقافات والديانات المختلفة, فثورات تدعمها الولايات المتحدة ودول ذات تاريخ اسود وملوث بدماء الشعوب العربية عبر تاريخها الاستعماري والامبريالية العالمية صاحبة مشروع الشرق الاوسط الجديد ومشاريع لم تنتج سوى الفشل والتبعية وصاحبة ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا العربية والاسلامية وهي من دعمت واحتضنت وسلحت وحمت هذه الانظمة الفاسدة فهل يعلم الذين قضوا في هذه الثورات أو الذين مازالوا يحملون السلاح في وجه أنظمتهم أنهم ينفذون مشاريع لن تكون ثمارها لهم وأنهم يصنعون الربيع ليزهر في مناطق أخرى من العالم وتبقى أوطانهم تعيش خريف الاقتصاد وإن مر عليه ربيع السياسة. فالحكومات الجديدة المنتخبة تعطينا دروسا بالغة الأهمية في عهد جديد من الاستعمار الاقتصادي ملتحف هذه المرة برداء الدين و الديمقراطية على راي احد الكتاب وان الغرب لن يترك المنطقة تتشكل وفق طموحات ورغبات شعوبها وبناء اقتصاد وطني متحرر بعيدا عن التبعية للغرب وعن المصالح والاطماع الغربية في المنطقة . الهادفة الى تقسيم المنطقة الى كنتونات طائفية وعرقية ومذهبية منقسمة ومتناحرة تنخرها الحروب الاهلية والفقر والمجاعة ونهب ثرواتها النفطية والاقتصادية لصالح بناء اقتصاد اوروبي مزدهر
ولو حسب الربيع العربي بمقياس الربح والخسارة لوجدنا ان الارقام تختلف بحسب الدراسات والتقديرات والتي تقترب حسب تقدّير رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية عدنان القصار، حجم الخسائر الناتجة عن الثورات التي شهدتها دول الربيع العربي بـ 800 مليار دولار، مشيراً إلى أن هذه الخسائر تزداد كلما طالت المراحل الانتقالية علما ان العراق غير مشمول بهذه التقديرات وهذه الخسائر لم تشمل الخسائر المباشرة لتدمير البني التحتية والصناعية وتفكيك مؤسسات الدولة والجيش وتدمير المخزون والترسانة العسكري للجيش العراقي والسوري والليبي
اي ربيع وثورات نتحدث عنها واي مستقبل مشرق وزاهر يدعونه ويروجون اليه اصحاب الاجندات الخارجية المشبوهة فثورات تقسم المقسم الى كنتونات طائفية وعرقية وجهويه وتفكك مؤسسات الدوله والجيش وتدمر ثروتها وترساناتها هي ثورات مشبوهة فالتامر على العراق في مطلع التسعينات تحت مسميات ومبررات واهيه وكاذبة وتدمير اكبر جيش في الشرق الاوسط ورابع اكبر جيش في العالم من حيث التعداد وامتلاك التكنلوجيا ودولة متطورة في مجال التصنيع العسكري كان مقدمة لمشروع الشرق الاوسط الجديد ومدخل للسيطرة على مقدرات المنطقة واعادة صياغتها على اساس سايكس بيكو جديد فكان الربيع العربي اداة استطاع اعداء الامة الالتفاف عليها وعلى اهدافها وقيادتها وتوجيها فكانت ليبيا التي تم تدميرها وتفكيك جيشها وترسانته العسكرية التي دمرت ونهبت واصبحت تجارة رائجة لاثارة ودعم بؤر الارهاب في المنطقة والتي وصلت سوريا التي حل بها دمار لم يحل باي دولة في المنطقة بعد العراق والتي تهدف الى تدمير سوريا الارض والشعب والجيش ونحن هنا لاندافع عن نظام بل عن سوريا التي تتعرض الى تدمير ممنهج استهدف البنى التحتية والصناعية ومؤسسات الدولة والجيش الذي ادخل وزج في معركة ليست معركته والذي يصل تعداده الى نصف مليون جندي ويعتبر من اقوي الجيوش العربية من حيث التعداد والتجهيز ويمتلك قوى صاروخية تعد الخامسة على مستوى العالم وتفكيك العقد الاجتماعي للدول العربية فكان تقسيم العراق الى ثلاث كنتونات طائفية وتقسيم السودان وليبيا التي يخطط لتقسيمها الى ثلاث كنتونات جهوية وقبلية والان سوريا ان المستفيد هو اسرائيل والامبريالية الامريكية بالدرجة الاولي ويعزز من فرص اسرائيل ويطيل من عمرها في المنطقة عقود طويلة
ان الثورات العربية التي سرقت ووجهت من قبل قوى اقليمية ودولية وقوى محلية تدعي الوطنية ذات الاجندات الخارجية ونحن لا نتهم قوى المعارضة الوطنية الشريفة بل المعارضة التي جلبت الكارثة على الوطن العربي وعززت من التواجد الامبريالى في المنطقة ومددت فترت صلاحيتة عقود طويلة وجعلت المشروع الصهيوني بعد ان انكفئ داخل جدار الى اكبر قوي اقليمية في منطقة الشرق الاوسط وفتحت كل حدود الوطن العربي من المحيط الى الخليج امام الاته العسكرية لتستبيح كل شبر فيه دون رادع
هذا الشباب الثائر اليوم والذي يرفع الاعلام والريات الوطنية التى صنعت في الصين كما تحدّث مهنيون تونسيون في صناعة الأعلام و الرايات لا يحمل حلول للمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والكثير من الملفات الداخلية والخارجية ذات التعقيدات التي انتفض من اجلها.
وحتى النخبة السياسية التي انتخبها الشباب و بنسب تصويت مرتفعة اثبتت انها مجرّد نخبة هاوية في مجال السياسة فكيف الحال إذا ما طرحت أمامها، معركة تحرير الاقتصاد.
والان تقف على المحك كل القوى الشبابية وصاحبة المشروع النهضوي وكل القوي السياسية التي شاركت او قطفت الثمار السياسية لهذا التحول المفاجئ تقف على المحك في قدرتها على تقديم مشروعا اقتصاديا تحرريا لا قطريا فقط بل قوميا وعربيا أيضا وقدرتها على النهوض وتلبية الطموحات الشعبية الكبيرة التي علقت امالها على هذه الثورة في حل مشاكلها وواقعها المأزوم والذي عانت منه منذ عقود فهل تستطيع هذه القوى وهذا الحراك من تقديم حلول ووصفات سحرية لواقع اقتصادي رث ومهترئ ؟؟ لا اعتقد ذلك بل اعتقد ان الوطن العربي بحاجة الى جيل كامل لتخطي نتائج الخريف العربي وبناء اقتصاد جديد وان الحالة والوضع الاقتصادي العربي سوف ينهار ويصل الى معدلات غير مسبوقة ويدخل المنطقة في اتونات وحروب طائفية ومذهبية طويلة الامد
لقد اوصل الخريف العربي الحالة العربية الى حالة الفوضى والترهل والتفكك والتدمير الذاتي للدولة بمؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وتدمير بناها التحتية واستنزاف مواردها الاقتصادية والبشرية وابراز الطائفية والاثنية والمذهبية والمناطقية لخوض حروب اهلية طويلة الامد تفضي الى تقسيم البلد الواحد الى كنتونات مذهبية وطائفية تنفيذا لمخطط برناد لويس منظر لسياسة التدخل والهيمنة الامريكية في المنطقة القائل انه من الضروري اعادة تقسيم الاقطار العربية الى كنتونات طائفية واثنية ولا مانع ان تكون مهمتنا المعلنة هي دعم وتدريب شعوب المنطقة على الحرية والديمقراطية
لقد اصبح الربيع العربي عنصر اضعاف وتدمير للوطن العربي وسيبقى يعاني منه اكثر من نصف قرن قادم لما له من نتائج وخيمة على الجغرافيا والسياسة والادارة والحكم واهدار المقدرات الاقتصادية وطمس للهوية العربية والقومية لصالح الطائفية والمذهبية وصوملة الوطن العربي واستباحة الامن القومي العربي فتدمير وانهاء الجيش العربي ذو التربية والعقيدة العسكرية والوطنية بقوته التصليحة التي كلفت ترليونات الدولارات والتي جاءت على حساب التطور والرفاهية والتعليم والصحة وتفكيك مؤسسات الدولة يعني ارجاع الحالة العربية الى فترة الاستعمار الاوروبي وما لحق بدول ما يسمى الربيع سيطال كل الدول العربية بدون استثناء ومن مارس السادية ستمارس بحقه وستقسم السعودية ومصر والمغرب العربي والسيناريو سيطال الجميع انها حرب بالوكالة جمع من اجلها كل الاصولية والتطرف والارهاب من كل حدب وصوب وزج بها في معركة استنزاف سيحترق بنارها الجميع وعلى المفكرين والمثقفين والسياسييين اصحلب الضمائر الحية ان يدركوا جيدا طبيعة وخطورة المرحلة وان يقرأوا التاريخ جيدا فالتاريخ لايرحم .
يقول جنكيز خان ان اعظم فرحة هي تدمير اعدائك عندما تسوق خصومك امامك منهزمين وتدمر مدنهم وقراهم وتجعلها رمادا , فهل هذا ينطبق على الثوار والنظام وهم يدمرون بيوتهم ومدنهم وقراهم ويحولوها الى رماد باسم التغيير والديمقراطية ؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت