أليس الفساد في الجامعة هو أسوأ الفساد؟

بقلم: أيوب عثمان


يقول الراهب والفيلسوف واللاهوتي الإيطالي، القديس توماس الإكويني (1274-1225) Saint Thomas Aquinus : " إن فساد الأفضل هو الفساد الأسوأ"،”Corruption of the best becomes the worst”، وهو ما وصفه شاعر الإنجليزية الأشهر على الإطلاق، ويليام شكسبير، بقوله: "إن للزنابق الفاسدة رائحة أشد نتانة بكثير من رائحة الأعشاب الضارة Lilies that faster smell turn far worse than weeds، وهو ما يعني باختصار شديد ومفيد أن خراب الجامعة أو تسلل الفساد إليها هو تماماً كفساد الملح الذي نملح به الطعام لنحفظه من الخراب والتلف. فالملح الذي نملح به الطعام لنحفظه من الفساد، ماذا سنفعل إن فسد ؟!
بالملح يحفظ ما يخشى تغيره فكيف بالملح إن خلت به الغير

وإذا كان الملح مادة نلجأ إليها لنحفظ بها الطعام من الفساد، فإن الجامعة هي الأداة الأمثل والأقوى والأعدل والأقوم والأفضل لمحاربة الفساد ومواجهته وتجفيف منابعه. أما إذا أصاب الفساد الجامعة التي ينبغي لها أن تكون أبعد ما تكون عن الفساد، فكيف بنا أن نواجه الفساد، إذن، ذلك أن الفساد حينما يصيب الأمثل والأعدل والأفضل، فإنه ليس إلا أسوأ الفساد وأشده خطراً وفتكاً.

فإذا كانت إدارة الجامعة تمارس التنكيل بالرأي وقمع حرية التعبير عنه إلى حد إغلاقها الموقع الالكتروني لنقابة منتخبة، وإلى حد إغلاقها مقر النقابة ومنع أعضائها من دخوله والانعقاد فيه، بالإضافة إلى إصدارها قراراً بتجميد عمل النقابة ومنع هيئتها العمومية التي زاد عدد أعضائها عن 750 موظفاً، من الاجتماع في المقر الذي كان معداً لذلك والذي تم بالأقفال والجنازير غلقه...و...و...إلخ،

وإذا كانت إدارة الجامعة قد أحالت أكاديمياً إلى لجنة تحقيق لا شرعية فيها للتحقيق معه فيما نشر من مقالات انتقادية لإدارة الجامعة ومجلس أمنائها، دون محاولة للتواصل معه أوالاقتراب منه لمناقشته فيما أبدى من ملاحظات وانتقادات لا يختلف اثنان من العاملين على حقيقة وجودها،
وإذا كانت إدارة الجامعة قد بلغ مبلغ فسادها أن أدانت هذا الأكاديمي، دونما تحقيق معه فيما نسب إليه، متجاهلة القاعدة القانونية التي تقضي بأنه لا إدانة إلا بتحقيق،
وإذا بلغت إدارة الجامعة من الفساد الكبير مبلغاً أوصلها إلى فصل هذا الأكاديمي الذي ضاقت بنقداته وملاحظاته ذرعاً، وهو الذي ــ حباً في جامعته وحرصاً عليهاــ ما فتئ عن التنبيه إلى مفاسد فيها، والتحذير من مخاطرها، والدعوة إلى مواجهتها،
وإذا بلغ الفساد في إدارة الجامعة مبلغاً دفعها إلى تهميش اللجنة العلمية لمؤتمر القانون الذي عقدته كلية الحقوق في فندق الأركميد، يومي الأربعاء والخميس 12و13/12/2012، حتى أن الأبحاث التي تم عرضها في المؤتمر لم تكن اللجنة العلمية قد اطًّلعت من الأصل على أي منها،
وإذا وصل الفساد في الجامعة إلى رأسها فكان منه الآتي، مثالاً لا حصراً:
1) أصر ــ وهو الذي يؤمر فيطيع ــ على استمرار لجنة التحقيق التي طالب الأكاديمي المحال إليها بتنحيتها، مبيناً فقدها لشرعية وجودها وثبوت ممارسة التزوير على بعض أعضائها،
2) أصر ــ وهو يملى عليه فيطيع ــ على إدانة هذا الأكاديمي دون تحقيق معه، ودون إدانة له.
3) أصدر ــ وهو الذي يؤمر فلا يملك إلا أن يطيع ــ إدانته لهذا الأكاديمي لمجرد تصريحه بكتابة مقالات انتقد فيها إدارة الجامعة، دونما تحقيقٍِ معه في متنها.
4) أدار رأس الجامعة ــ الذي لا يملك من أمره شيئاًــ الظهر لقرار محكمة العدل العليا التي لا يرد قرارها، ولا يطعن فيه، ولا يستأنف عليه.

وبعد، فإن التزوير ليس إلا لوناً فاحشاً من ألوان الفساد الذي تجرمه قوانين الأرض وتحرمه شرائع السماء، كما ترفضها الإنسانية ويرفضها أصحاب الطبائع السليمة منذ أن دبت في هذه الدنيا أسباب الحياة. فالتزوير مهما زُين وزُخرف وجُمِّل، ومهما أُعطيت له أجمل الأوصاف، فإنه يظل قبيحاً وشائناً ومشيناً ومعيباً، ويظل علامة سوداء بارزة على جبين مرتكبه ويبقى حالة نكوص وسقوط وانكفاء في ليله ونهاره. إن اعتلاء المواقع وركوب ما علا من المناصب بالتزوير والفساد والإفساد ليس إلا سقوطاً وانكفاءً وفشلاً وانكساراً. فهذا الذي زور شهادة ليحتل موقعاً علا وذاك الذي زور شهادة خبرة طمعاً في دراهم نزع التزويرعنها الطيب والبركة، إنما يأكل أمثال أولئك في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً، جزاء بما اقترفت عقولهم وضمائرهم قبل أيديهم من قبح وفساد وكذب وغش وتضليل وإفساد.

أما آخر الكلام، فإذا كان رئيس الجامعة قد مارس التزوير قبل أكثر من 18 عاماً،

وإذا كان رئيس مجلس الأمناء قد شهد على ذلك حينما اعترف في رسالة نصية بتاريخ 25/5/2010 قائلاً: "أدرك أنه (رئيس الجامعة الحالي) قد زور قبل 16 عاماً..."،
وإذا كان رئيس مجلس الأمناء قد قام بتعيين رئيس الجامعة الحالي وهو يعلم ــ كما يقول معترفاً ــ أنه زور قبل ستة عشر عاماً ( اعتباراً من تاريخ اعتراف رئيس مجلس الأمناء بواقعة التزوير وهو 25/5/2010)،
فما الذي يرتجى، إذن، من مجلس أمناء يعلم رئيسه أن رئيس الجامعة الذي قام بتعيينه كان قد مارس التزوير؟! وما الذي يرتجى بالتبعية أيضاً من رئيس جامعة يشهد على ممارسته للتزوير من قام بتعيينه ليقود الجامعة؟! أليس هذا هو الفساد بعينه؟! إن لم يكن هذا هو أخطر الفساد وأفظعه وأبشعه، فما هو الفساد، إذن؟!
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاُ سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فققد فاز فوزاً عظيما"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت