غارة إسرائيلية في العمق السوري، الطائرات الحربية الإسرائيلية انطلقت من قواعدها إلى عرض البحر المتوسط، ثم اخترقت المجال الجوي اللبناني لتقصف هدفاً داخل الأراضي السورية عند مقربة من الحدود اللبنانية، هذا ما صرحت به مصادر رفضت الكشف عن هويتها، حكومة الاحتلال لم تفصح علانية عن مسؤوليتها عن العملية، ولبنان الدولة التي اخترقت الطائرات أجواءها دون استئذان لم تؤكد أو تنفي الخبر، وسوريا الدولة المعتدى عليها التزمت الصمت، تكررت الاعتداءات الإسرائيلية داخل أراضي الدول العربية، وسلوك العرب لم يتغير، فالجميع يفضل الصمت خوفاً من الفضيحة.
ندرك بأن العرب ليس في واردهم أن يقطعوا اليد التي تمتد إليهم، سواء امتلكوا القدرة والإرادة على فعل ذلك أم بقوا على حالهم من الوهن والعجز، وندرك أيضاً بأن العرب لم يفعلوا شيئاً عندما كانت الدول العربية بعافيتها، وبالتالي ليس من المنطق مطالبتهم اليوم في ظل تشرذم الوضع الداخلي فيها أن يكون لهم ردة فعل مقارنة بالفعل ذاته، لكن المدهش، في الماضي والحاضر والمستقبل، حالة الصمت المطبق التي تلتزم بها الأنظمة العربية إزاء الاعتداءات الإسرائيلية عليها، وبات من الواضح أن الدولة العربية المعتدى عليها تجهز بيان استنكارها ويظل طي الأدراج طالما لم تفصح حكومة الاحتلال عن جريمتها، ويخرج على استحياء إن تبجحت حكومة الاحتلال بالاعتراف علانية بما قامت به.
قديماً كانت الثقافة العربية تفرض على الفتاة التي يتم اغتصابها الصمت من باب "الستر ولا الفضيحة"، وتتجرع الفتاة وأسرتها المعاناة فيما الجاني يواصل إجرامه وبحثه عن ضحية أخرى، حديثاً بدأت ثقافة الصمت هذه في الاضمحلال والانكماش، فلم تعد الفتاة العربية تخشى الفضيحة إن كان ثمن ذلك ملاحقة المجرم وجلبه إن أمكن للعدالة، لكن يبدو أن ثقافة الصمت ما زالت تسكن عقول الأنظمة العربية، وأحيانا تجد من يبرر لهم ذلك بأن الشكوى لن تجدي نفعاً ولن تجلب سوى الخزي والمذلة، وحقيقة الأمر أن باستطاعة الأنظمة العربية ملاحقة الجاني، وإن عجزت عن جلبه للعدالة فعلى أقل تقدير يشكل ذلك رادعاً له للتفكير مراراً قبل أن يقدم على جريمة أخرى، ويبقى السؤال الذي يكشف العورة الأدبية لهذه الأنظمة أن محكمة الجنايات الدولية تلاحق اليوم الرئيس السوداني "البشير"، فيما صمتهم مكن قادة الاحتلال من المضي في جرائمهم على قاعدة "من أمن العقاب أساء الأدب".
الغارة الإسرائيلية على الأراضي السورية والتي قيل أنها استهدفت قافلة سيارات تنقل سلاحاً إلى لبنان وتارة أخرى مخزناً للصواريخ، من المؤكد أنه سقط العديد من الشهداء جراء هذه الجريمة، فهل صمت النظام السوري، كما الحال مع باقي الأنظمة العربية التي تعرضت لمثل هذه الاعتداءات، سيمنعها من تسجيل ضحاياها على قائمة الشهداء، وسيذهب بهم إلى ضحايا حوادث الطرق؟.
بتنا لا ننتظر رد الفعل العربي على انتهاكات إسرائيل لأراضي الدول العربية وقتل مواطنيها، ولكن لا يحق لنا أن نطمس صفحات من التاريخ بصمتنا، فإن كان العجز يلازمنا، فعلى الأقل من حق الأجيال القادمة أن تعرف حجم الجرائم التي ارتكبت بحقنا، ومن حق الأطفال أن يفتخروا بآبائهم الشهداء الذين بالقطع لم يسقطوا جراء حادث طرق عرضي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت