اسرائيل تواجه أزمة بسبب المستوطنات في ظل انتقادات دبلوماسية

القدس المحتلة – وكالة قدس نت للأنباء
ربما تكون اسرائيل تغامر دون أن تدري وتدخل في أزمة مع حلفائها بشأن البناء الاستيطاني المتواصل في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية ما لم تدرك أن الغضب الدولي حقيقي وتسارع بتعديل مسارها.

وربما يتضح أن الأشهر القليلة القادمة حاسمة إذا كان لاسرائيل أن تتجنب كارثة دبلوماسية فهي تشكل حكومة جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء بينما يستعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقيام بأول زيارة رسمية له لاسرائيل في الربيع.

لن تكون هذه نزهة بالنسبة لأوباما.. فمن المتوقع أن يحاول إحياء دفعة للسلام على أمل أن يجد الائتلاف الحاكم في اسرائيل متفهما للمخاوف الغربية العميقة بشأن مستقبل إقامة دولة فلسطينية لها مقومات البقاء.

وقال دانيال سايدمان وهو محام اسرائيلي وخبير في التوسع الاستيطاني "حل الدولتين لم يمت.. لكنه معرض للخطر."

وأضاف "نتمسك بأهداب الأمل. هذه هي آخر فرصة لإنقاذه في المستقبل المنظور. الاحتمالات ليست كبيرة لكنه آخر أفضل أمل."

وفي حالة انهيار هذه الآمال يمكن أن تتوقع اسرائيل تداعيات.

وربما تتراوح التداعيات بين إحكام اللوائح الدولية على تصدير البضائع الاسرائيلية التي تصنع في الأرض المحتلة وتأييد أجنبي ضمني للفلسطينيين في حالة ملاحقة اسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالمستوطنات.

ومن الممكن أن يعيد أوباما شخصيا الذي لم يعد يواجه أي ضغوط انتخابية النظر في التعاون الأمني والدفاعي الذي يقول مسؤولون اسرائيليون إنه بلغ مستويات جديدة خلال فترته الرئاسية الأولى حيث وصلت المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية نحو ثلاثة مليارات دولار.

ونقلت "رويترز" عن أحد كبار مبعوثي الدول الغربية في القدس المحتلة طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع قوله "اسرائيل تسير بلا وعي في اتجاه العزلة والتوبيخ في نظر العالم."

وأضاف "ما لا أفهمه هو ما إذا كان نتنياهو لا يدرك ما يحدث أم أنه لا يكترث."

وخلال الشهرين الماضيين تلقت اسرائيل في بعض الأحيان نقدا شديدا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بسبب الإعلان عن خطط لبناء أكثر من 11 ألف منزل جديد على أراض يريد الفلسطينيون أن يقيموا دولتهم عليها.

وفي الأسبوع الماضي قاطعت اسرائيل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لاجرائه مراجعة دورية عن الدولة اليهودية. وبعد أيام أصدر محققو الأمم المتحدة تقريرا شديد اللهجة قال إن المستوطنات يمكن أن تمثل جريمة حرب.

وتجاهل زعماء اسرائيل بصورة كبيرة هذا النقد اللاذع. وهم يؤكدون على حق البناء على الأرض التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967 واتهموا المجلس الذي يتخذ من جنيف مقرا -ويضم دولا غير ديمقراطية مثل كوبا والمملكة العربية السعودية- بالتحيز والنفاق.

لكن الدبلوماسيين الاسرائيليين السابقين والحاليين يشعرون بالتوتر من الاحتكاك المتزايد في الوقت الذي تواجه فيه اسرائيل العديد من التحديات بامتداد حدودها المضطربة وتولي إسلاميين السلطة في مصر وتصاعد الحرب في سوريا.

وقال ايتامار رابينوفيتش وهو سفير اسرائيلي سابق لدى الولايات المتحدة "أنا قلق وكذلك الكثير من الاسرائيليين."

وأضاف "يحدث تراجع لشرعيتنا وكلما زاد عزل اسرائيل ونزع الشرعية عنها كلما كان من الصعب جعل الرأي العام ينحاز لنا فيما يتعلق بإيران" مشيرا الى الشبهات التي تحوم حول الجمهورية الاسلامية بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.

وبدأ الاسرائيليون الانتقال إلى الضفة الغربية المحتلة عقب حرب 1967 وارتفعت أعداد المستوطنين بعد اتفاقات أوسلو عام 1993 والتي منحت حكما ذاتيا محدودا للسلطة الفلسطينية لكنها لم تضع قيودا على نمو المستوطنات اليهودية.

وفي عام 1993 كان هناك ما يقدر بنحو 111600 مستوطن في الضفة الغربية. وأصبح يوجد حاليا أكثر من 325 ألفا إلى جانب 200 ألف آخرين يعيشون في القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل الى اراضيها بعد الحرب في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

ونقلت صحيفة جيروزالم بوست يوم الثلاثاء عن داني دايان وهو الرئيس المنتهية ولايته لمجلس المستوطنين الرئيسي قوله "الدولة الفلسطينية لم تكن بعيدة المنال أكثر مما هي الان."

وأضاف دايان "المستوطنات الآن تزدهر... ليس هناك تقريبا مستوطنة بدون بناء." وأيد دايان نتنياهو في الانتخابات التي أجريت يوم 22 يناير كانون الثاني والتي فاز بها رغم تراجع كبير في نسب تأييده.

ورغم استمرار الانتقادات للمستوطنات مضت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة قدما في البناء الاستيطاني.

وكانت واثقة من أنها تتمتع بتأييد أمريكا. فواشنطن هي أقوى حليف لاسرائيل منذ زمن طويل واعتبرت الشكاوى الصادرة من الاتحاد الاوروبي غير ذات أهمية.

كما مكنت الانقسامات السياسية الفلسطينية الداخلية إلى جانب اندلاع العنف من حين لآخر اسرائيل من القول أنها ليس لديها شركاء حقيقيون في السلام.

ويصر دبلوماسيون على أن المزاج السائد في الخارج ليس في صالح اسرائيل. وهم يقولون إنه إذا أصبحت المستوطنات أكبر حجما فلن يكون هناك بأي حال متسع لدولة فلسطينية وهو ما يقضي على أي فرصة للتوصل إلى اتفاق.

كما أنهم يقولون إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو أكثر الزعماء الفلسطينيين اعتدالا الذي يمكن أن تأمل اسرائيل في التعامل معه.

وقال معهد دراسات الأمن القومي وهو مركز أبحاث يحظى باحترام كبير هذا الأسبوع إنه للمرة الأولى اصبحت البلاد تواجه احتمال "إجراءات عقابية ملموسة" مرتبطة بالتوسع الاستيطاني.

وتجلت عزلة اسرائيل لأقصى مدى في نوفمبر تشرين الثاني عندما صوتت ثماني دول فقط منها الولايات المتحدة وأربع دويلات في منطقة المحيط الهادي مع اسرائيل في محاولة فاشلة لمنع الفلسطينيين من رفع تمثيلهم في الأمم المتحدة.

ويتوقع دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي في القدس أن مثل تلك العزلة ستصبح معتادة بالنسبة لاسرائيل لكنهم نفوا أي تلميح بأن اوروبا قد تفرض عقوبات اقتصادية على الدولة اليهودية.

وقال دبلوماسي غربي طلب عدم نشر اسمه "أقصى ما نتوقعه هو خطوة لاعتبار كل منتجات المستوطنات منتجات قادمة من أراض محتلة... العقوبات غير واردة."

لكن مجرد اعتبار المنتجات قادمة من أرض محتلة يمكن أن يثير غضبا في اسرائيل. اذ انه عندما اقترحت جنوب افريقيا خطوة مماثلة في مايو ايار الماضي قالت وزارة الخارجية الاسرائيلية إن هذا القرار "تشوبه" العنصرية.

ويقول الكثير من الاسرائيليين أن معاداة دفينة للسامية هي سبب الانتقادات التي تتوالى على بلادهم بينما لا يلقى الفلسطينيون الكثير من النقد على الساحة الدولية على ما يقومون به من ممارسات خاطئة.

وقال زلمان شوفال وهو سفير اسرائيلي سابق آخر في الولايات المتحدة ومقرب إلى نتنياهو "قضية نزع الشرعية تتجاوز مجرد تقرير من الأمم المتحدة. نحن ندرك الوضع مثل الشعب اليهودي ونشعر بالقلق."

لكنه توقع بأن أوباما ونتنياهو سيتمكنان من التوصل إلى طريقة ما لإحياء عملية السلام التي انهارت عام 2010 بعد أن رفض الفلسطينيون الاستمرار ما لم يتوقف البناء الاستيطاني.

وقال شوفال دون إسهاب "أعتقد أن التعاون بين الزعيمين سيكون ناجحا جدا."

وقبل أن يلتقي نتنياهو بأوباما عليه أولا أن يشكل ائتلافا جديدا وهي مهمة صعبة في ظل النجاح غير المتوقع لحزب هناك مستقبل (يش عتيد) الجديد المنتمي إلى الوسط.

ورغم أن الكثير من القضايا الشائكة متداخلة مع الشؤون الداخلية فإن حزب هناك مستقبل يقول إن استئناف مفاوضات السلام يجب ان يكون الهدف الرئيسي لنتنياهو في السياسة الخارجية.

ولا يتوافق هذا الرأي بسهولة مع الكثير من أعضاء حزب نتنياهو الذين يرفضون حل الدولتين من الأساس. وسيكون من الصعب أيضا أن يتوافق رأي حزب هناك مستقبل مع حزب البيت اليهودي المؤيد للاستيطان والذي يريد ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية.

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت الأعلى مبيعا يوم الأربعاء إن الإعلان المفاجيء يوم الثلاثاء عن أن أوباما يخطط لزيارة وشيكة سيجعل بحث قضية السلام تتصدر جدول أعمال المحادثات الحالية لتشكيل الائتلاف الحاكم.

وأضافت الصحيفة "يحث باراك أوباما بنيامين نتنياهو على التوصل إلى حلول وليس هناك مجال هنا للخداع. من المرجح ان تجد دولة اسرائيل نفسها خلال أسابيع قليلة أمام واحدة من أهم لحظات الحقيقة بالنسبة لها."