القدس المحتلة – وكالة قدس نت للأنباء
بعد أن ألقى أشر سوسر الباحث الاسرائيلي وهو من أكثر متخصصي بلاده خبرة في شؤون الشرق الأوسط محاضرة في أوسلو منذ سنوات سأله أحد الحضور سؤالا: بعد قيام دولة فلسطينية ما هو الوقت الذي يتطلبه قيام وحدة بين اسرائيل وفلسطين لتصبحا دولة واحدة؟" فأجابه سوسر "أربع وعشرون ساعة! ...أربع وعشرون ساعة بعد اندماج النرويج والسويد في دولة اسكندنافية واحدة!"
سرد سوسر الذي تحدثت معه مؤخرا في لندن هذه القصة ليوضح كما يقول ان "الناس يقدرون هوياتهم العرقية والوطنية أكثر بكثير مما يريد أن يصدق البعض. في النرويج والسويد مجتمعين متماثلين ودودين لكن ليس من الوارد حدوث اندماج بينهما. لماذا نفترض أن الوضع سيكون مختلفا بالنسبة لنا؟" (حققت النرويج التي كانت متحدة مع السويد تحت حكم ملك سويدي الاستقلال الكامل عام 1905.)
فرضيته الأساسية -التي يقول إنها ستتضح مجددا بكل حتميتها الكئيبة عندما يلتقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع زعماء اسرائيل وفلسطين في الشهر القادم- هي أنه ليس هناك أمل في إجراء مفاوضات ناجحة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. إذ انه من الناحية الهيكلية والنفسية والثقافية والسياسية لا يمكنهما الاتفاق. لذلك من الأجدر عدم المحاولة.
وهو يصر على أن هذه ليست رسالة يأس. كما أنها ليست إعادة صياغة لرأي اليمين -ساسة على شاكلة نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي الذي لم يحقق فوزا متوقعا في الانتخابات التي أجريت في أواخر الشهر الماضي ولا أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية السابق وزعيم حزب اسرائيل بيتنا الذي تعين عليه التنحي عن منصبه وينتظر محاكمته بتهمة التحايل وخيانة الثقة. والاثنان لا يعتقدان أن على إسرائيل أن تسمح بقيام دولة فلسطينية. ويعتقد سوسر أن قيام مثل هذه الدولة أمر ضروري لبقاء اسرائيل.
يعلم الاسرائيليون أن المشاريع التي أحاطها التفاؤل لم تسفر عن شيء وسيظل هذا هو هي الحال دوما. وهناك قضيتان أساسيتان تفسدان كل شيء وهما حق العودة ووضع الفلسطينيين الذين ما زالوا داخل اسرائيل وأصبحوا يحملون الجنسية الاسرائيلية. ويعود كلاهما لعام 1948 عندما هزمت اسرائيل تحالفا من الجيوش العربية وضمت أجزاء من فلسطين كانت مخصصة للفلسطينيين بموجب خطة للأمم المتحدة. وأعقب انتصار اسرائيل طرد الكثير من الفلسطينيين في المنطقة خاصة إلى الأردن لكن كثيرين آخرين بقوا. وسيدمر حق العودة لأغلبية من رحلوا ومعظمهم في الأردن وضع اسرائيل كدولة يهودية. سيصبح الفلسطينيون أغلبية وستنتهى يهودية الدولة وستنتهي كذلك الديمقراطية كما يعتقد الكثير من الاسرائيليين. ويقول سوسر "من سيحمي اليهود في هذه الحالة؟ أنظر لمصير المسيحيين في الشرق الأوسط."
وتظهر استطلاعات الرأي أن عرب اسرائيل الذين يمثلون نحو 20 في المئة من 7.7 مليون نسمة أصبحوا بلا ولاء بشكل متزايد. وأظهر مسح عام 2009 أن 41 في المئة فقط من عرب اسرائيل يعتقدون أن من حق اسرائيل الوجود كدولة يهودية ديمقراطية بعد أن كانت النسبة 66 في المئة قبل ست سنوات. كما أظهرت دراسة عن العلاقات بين العرب واليهود أن 62 في المئة يعتقدون أن اليهود عنصر أجنبي في الشرق الأوسط سيحل محلهم فلسطينيون لا محالة. كما أصبحت مشاركة عرب اسرائيل أقل في انتخابات البرلمان واهتمامهم بالمجلس أقل وزادت مشاركتهم في إحياء ذكرى النكبة وهي ذكرى الطرد عام 1948. ولا يعتقد نحو 40 في المئة أن محرقة اليهود حدثت. وعلى الجانب اليهودي قست المشاعر أيضا. فهناك قدر أكبر من الريبة واهتمام أقل بحسن العلاقات وارتداد عن التواصل أو كرم الضيافة وغضب أكثر من عدم وفاء من يعتبرون أنهم يعيشون حياة أفضل من أقرانهم في أماكن أخرى. ويلقي اسحق وايزمان الذي يرأس المركز اليهودي العربي في جامعة حيفا باللوم على الحكومات التي هيمن عليها حزب ليكود في السنوات القليلة الماضية وصعود شخصيات دينية متشددة لدى الجانبين.
ويقول سوسر إذا فليكن. ان سيطرة فكرة ولاء العرب لاسرائيل فكرة عقيمة. "هل تعتقد أن العرب سيغنون هتكفاه؟ لا يمكن!" وهتكفاه (الأمل) هو النشيد الوطني الاسرائيلي الذي يتضمن قدرا كبيرا من التطلعات الصهيونية. وتقول الفقرة المتكررة في النشيد "لم نفقد أملنا بعد/الأمل القديم/العودة لأرض الآباء/المدينة التي عاش بها داود." سيكون حقا استثناء ان يغني عربي هذا النشيد باقتناع.
المصالحة.. الاتفاق.. التسوية السلمية: كل تلك المفاهيم الكبيرة يجب أن تنحى جانبا. بدلا من ذلك لابد أن يكون هناك إعتراف ومزيد من الدعم للعمل الذي يقوم به رئيس الوزراء الفلسطيني الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة سلام فياض لبناء اقتصاد الضفة الغربية كمقدمة لقيام دولة كاملة. لابد أن يكون قيام دولة للفلسطينيين هدفا اسرائيليا مركزيا -ويعتقد سوسر أن اسرائيل كان يجب عليها دعم سعي فلسطين للحصول على الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة. لكن الدولة يجب أن تأتي بشكل تدريجي ومن جانب واحد -يحقق فيها كل طرف مآربه مع إدراك ضمني بصورة كبيرة أن الدولتين ستظهران خطوة خطوة.
وسيجري دمج الكتل الاستيطانية الثلاث الرئيسية في الضفة الغربية مع اسرائيل مع تقديم تنازلات مقابلة من أرض اسرائيل للدولة الفلسطينية. والخطر الأكبر هو تزايد الاعتقاد في حل الدولة الواحدة والذي شأنه شأن حق العودة سيدمر المشروع الصهيوني بأكمله. لكن إذا لم تعرض الحكومة الاسرائيلية سوى الاعتداء ورفعت مكانة من يؤمن بالاعتداء الى السلطة فإن الاعتقاد في حل الدولة الواحدة سيزيد.
هل سيحدث أمر من هذا القبيل؟ تستمر المفاوضات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأحزاب مختلفة لتشكيل حكومة جديدة بعد تراجع اليمين ونمو الوسط خاصة حزب هناك مستقبل (يش عتيد) بزعامة المذيع التلفزيوني يائير لابيد وهو ما يحدث بينما أكتب مقالي هذا. ويؤمن لابيد الذي يتركز برنامجه أساسا على قضايا محلية بحل الدولتين لكن هذا الحل اختفى من قائمة أولوياته. يتحول الربيع العربي ببطء إلى كارثة عربية أخرى سببوها هذه المرة لأنفسهم بكل ما لها من آثار لا يمكن التكهن بها على العلاقات مع اسرائيل. وسيؤدي هذا إلى تشدد المواقف الاسرائيلية.
والإغراء المتمثل في وجود إدارة أمريكية نشطة اكتسبت مؤخرا طاقة ورغبة في النجاح هو تهديد الاسرائيليين والفلسطينيين بالعقاب لإجبارهما على التوصل إلى اتفاق. كان رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على انباء زيارة أوباما فاترا وكان ناخبوه أكثر فتورا. وكان رد الفعل اليهودي أيضا لا مباليا. لكن ربما يكون المخرج هو تجاهل الخطط الكبرى والاهتمام بحل المسائل الصغرى.
نقلا عن رويترز/
من جون لويد
(إعداد دينا عفيفي للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي)