قد ينسى الصديق صديقه في حالة غفلة .. وقد يجد الإنسان نفسه وحيداً في هذه الدنيا بعد أن سبقه رفاق دربه للجنان .. وقد يشعر الإنسان باليتم دون أن يفقد والديه .. لكن الذي لا يمكن أن ينسى هو الوطن ...
هنا سليم حجة، صاحب حكايات مع الوطن.. وصاحب قصص وصولات وجولات بدأت مع اندلاع الانتفاضة الأولى.. ومع إلقاء الحجارة وتشكيل المجموعات، فكان من أول معتقليها ليسجن أول مرة عام 1993 ويخضع لتحيق قاس، خرج منه منتصراً بعد شهرين من الضرب والشبح ..
خرج سليم، وأعاد الكرة، ونفذ أول بطولاته ليعتقل ويخضع لتحقيق أقسى خرج فيه منتصراً أيضاً بعد أن حوكم ست سنوات أمضاها رغم عدم اعترافه بكلمة واحدة.
من عاصر الانتفاضة الثانية، وتذكر يومياتها وشهداءها ورعيلها، يعرف البطل سليم حجة .. فهو اسم كان لا يغيب عن الأحداث ... اسم صنع قادة وقيادات، ووقف خلف العديد من البطولات، ففي الظل كان يدير المعركة ويخطط للأيام الحواسم ..
عمل سليم وناضل مع كبار المجاهدين أمثال أبو هنود، والبرغوثي، وجند العشرات كالحوتري والنجار وحبيشة والمصري، فكل هؤلاء كان خلفهم بطل يدعى سليم حجة، هكذا تحدث التاريخ وبذلك أقر الاحتلال.
وقع البطل فريسة بيد الاحتلال بعد طول مطاردة وحسن عمل، فسامه سوء العذاب طيلة 4 شهور متواصلة من مركز تحقيق لآخر، تكابد عليه فيه جنرالات السجون والمحققين، يريدون معرفة من يقف وراء كل تلك الأفعال.
سليم الذي لم تردعه أكثر من ست سنوات أمضاها في سجون الاحتلال، وخرج من السجن، "ليقتل كل هذا العدد ويفعل كل هذه الأفاعيل" هكذا كان جنرالات الاحتلال يحدثون أنفسهم.
ومع كل ذلك، لم يهتز لسليم جفن ولم تدمع له عين ولم يشعر بالخوف .. ففي بلادي لا يخاف من يعشق الموت .. وفي بلادي عشق الوطن عبادة وصبر ومصابرة.
حوكم البطل سليم حجة بالمؤبد 16 مرة، وبعد جلسات عدة، فاستهزأ بالحكم وابتسم للقاضي، وقال له: "لن يطول بعدي عن وطني" ....ومضى مقيداً إلى زنزانته وصورة أيمن حلاوه وعبد الرحمن حماد وأبو هنود وأحمد مرشود شاخصة أمامه، يغبطهم لفوزهم بالجنة ونجاتهم من تحكم سجان صغير، كما هو حاله الآن ..
حرمه الاحتلال من الخروج في صفقة الوفاء للأحرار، وتحفظ عليه كونه من أخطر الموجودين في السجن، فصبر سليم وعض على الجرح، وقال الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، أو أكثر من السجن كره ...
سليم الذي ترك خلفة زوجة صابرة مصابرة، قبلت أن ترتبط به وهو مطارد وتحملت الكثير الكثير وكان كل ما تتمناه هو أن يكون زوجها بجوارها، عندما أنجبت عمر .. فكانت تتمنى أن يحتضنه ويشم رائحته، لكن قدر الله وما شاء فعل.. كان سليم في السجن ...
أنجبت له عمر فتى جميلاً يشع نوراً وذكاءً، ولم يكن سليم بجوارها في ذلك الوقت، بل كان يتنقل من سجن لآخر، يقول عمر: كل أمنيتي أن أجلس بجوار أبي في سيارة، وأن أكون بجواره ولا أريد أكثر من ذلك ..
أمنيات أطفال الأسرى في فلسطين ليست كبيرة، لكنها مليئة بالعواطف والحنين والمشاعر التي لا يشعر بها إلا من ذاق مرارة البعد وكتوى بنارها ...
أم سليم وأبوه، وقد بلغا من العمر عتياً، صبرهم لم ينفذ بعد، وأمنياتهم بتحرره لم تتوقف والتوجه إلى الله بالدعاء بالفرج العاجل هو الحل .
لك سليم وعنك نكتب.. وكم يخنقنا شعورنا بالتقصير نحوك فأنت من نتشرف بوضع اسمنا الصغير أمام اسمك الكبير يا صاحب القامه العالية والروح المحلقة والنفس المتوقدة.. لك منا الحب كل الحب يا صاحب القلب المحب ...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت