تحتفل جماهير شعبنا في الوطن والشتات والمنافي اليوم بالذكرى الرابعة والاربعين لانطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، هذه الانطلاقة المجيدة التي دشنت فجراً جديداً في تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، وكرست جملة من المفاهيم النضالية الوحدوية التي رسخت الواقعية الثورية الفلسطينية، مما كان له أثر كبير في دفع القضية الفلسطينية إلى واجهة الثورات التحريرية المعاصرة وجعلها تكتسب في غضون سنوات قليلة تعاطف الجماهير العربية والاممية وجعل الجبهة ذاتها تحتل موقعاً مرموقاً في مقدمة فصائل العمل الوطني التي تقود نضال الشعب الفلسطيني من اجل نيل كافة حقوقه المشروعة والغير قابلة للتصرف.
في الذكرى الرابعة والاربعين للانطلاقة لا يستطيع أحد ان ينكر او يتنكر للدور المميز للجبهة الديمقراطية وما قدمته للشعب الفلسطيني برنامجياً وعملياً وفي المقدمة البرنامج السياسي الوطني المرحلي او ما كان يسمى برنامج النقاط العشر ، والذي اصبح برنامجاً للشعب ومنظمة التحرير وعموم الفصائل الفلسطينية بلا استثناء، وما نجم عنه من تحويل م ت ف إلى مسار ائتلاف جبهة وطنية عريضة حتى يومنا هذا، ويضاف لذلك مبادرات وبرامج تجاوز الانقسام واعادة بناء الوحدة الوطنية الى برنامج دمقرطة المجتمع ومؤسسات السلطة ومنظمة التحرير بقوانين التمثيل النسبي الكامل.
حيث قدمت الجبهة نموذجاً مازال ماثلاُ وضرورياً حتى اللحظة لكيفية الربط بين الكفاح الميداني والتوظيف السياسي أي سياسة السلاح وسلاح السياسة ففي الوقت الذي كان فيه الذراع العسكري للجبهة ينفذ عمليات عسكرية نوعية كانت فاعلية قياداتها السياسية مدعومة بجهازها الاعلامي الفعال، تقوم باستثمار تام لهذه العمليات في تحقيق حضورها ان كان على الصعيد الوطني الداخلي أو لصالح الكل الوطني العام. وكانت السباقة للعمليات العسكرية النوعية في السبعينات وذلك من خلال عملياتها المشهورة كترشيحا ومعالوت، وتشهد بذلك عمليات انتفاضة الاقصى اقتحام للمستوطنات في خانيونس وعملية الطريق الى فلسطين. وبرز جناحها العسكري كتنظيم فاعل في اعمال المقاومة داخل فلسطين خلال فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات والعشرية الأولى منذ الالفية الثالثة ومثال على ذلك الكم الاكبر من شهداء عملية التبادل الاخيرة بين حزب الله واسرائيل وهم شهداء سقطوا اثناء تنفيذ عمليات بطولية داخل الوطن، كانوا من الجبهة الديمقراطية وقواتها المسلحة الثورية الذين سقطوا في مواقع النضال الاولى على امتداد العمل المقاوم. حيث قدم الاف الشهداء والاسرى والمعتقلين نموذجاً من العطاء والاستعداد للتضحية من أجل إنجاز البرنامج الوطني الموحد في العودة وتقرير المصير والاستقلال بعيدة عن المصالح الفئوية او السلطوية او الجغرافيا السياسية او على قاعدة المشاريع الخاصة بعيدا عن المشروع الوطني الجامع الواحد الموحد.
ولم تنطلق الجبهة ولو للحظة واحدة في مواقفها من محاباة السلطة او غيرها بل كانت مواقفها نابعة من تقييم وتقدير موضوعي لمصالح الشعب الفلسطيني ونابعة من تقدير بعيد المدى لمصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
ففي ذكرى انطلاقة الجبهة الديمقراطية، إن المهمة الرئيسية الواقعة على كاهل الشعب وقواه السياسية والوطنية اليوم استعادة الوحدة الفلسطينية كشرط للنهوض بالمشروع الوطني الموحد، وتجاوز ازمة الانقسام والعودة الى رحاب المشروع الوطني ، هذه الوحدة والتي لابد من حمايتها وصيانتها من خلال مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير القائمة على اساس الانتخاب بقانون عصري وفق نظام التمثيل النسبي الكامل وبما يضمن مشاركة جميع الوان الطيف السياسي وبما يكفل مشاركة جميع تجمعات شعبنا بتنوع مصالحه واتجاهاته في صياغة القرار اليومي، المرحلي، الاستراتيجي، الفلسطيني فالمرحلة تتطلب مشاركة الجميع للتصدي للحلول الاسرائيلية والامريكية.
تحية إجلال للجبهة الديمقراطية ولشهدائها أبو عدنان والقاسم والنزال والمجذوب، واحمد الكيلاني وابو حطب وابو جاموس وابو علبة وعبدالغني أبودقة والسبع وابو الروس والبيوك والقاروط والقائمة تطول.. تحية الشموخ للأسرى البواسل في سجون الاحتلال في ذكرى الانطلاقة المجيدة وعلى رأسهم أبطال معركة الأمعاء الخاوية وفي مقدمتهم الرفيق الجنرال سامر العيساوي الابن البار للجبهة الديمقراطية وابن مدينة القدس وابن فلسطين صاحب أطول اضراب سياسي عن الطعام. وتحية اجلال إلى المناضلين الاوفياء على درب الشهداء وإلى شعبنا في الوطن والمنافي والشتات.
التحية والاحترام إلى الأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة "ابو النوف" المتدفق والمتجدد الطاقة كعادته، وبرؤيته الثاقبة فيلسوف الثورة كما كان يحلو للشهيد القائد ابو عمار ان يطلق عليه قمر في ليلة ظلماء، فهو حكيم ثوري يحتاج شعبنا إليه دوماً في اللحظات الحاسمة او الفارقة، فإلي الامام ولا تعبأ بالأصوات الشاذة التي تخرج احيانا من هنا وهناك.
نستطيع ان نسجل وبفخر المحاولات الجادة من قبل هذا الحزب العملاق وأمينه العام في تعميق علاقته مع الشعب، إلا أننا واستناداً للأمانة الثورية وكتقدير موقف لمؤتمرات حزبنا، وتحديداً المؤتمر الوطني العام السادس لا زلنا بحاجة ماسة لمراجعة نقدية موضوعية تتعلق بأهمية تعزيز الديمقراطية الداخلية والارتقاء بالحصانة الفكرية والسياسية والتنظيمية لأعضاء الجبهة كي نشكل نموذجاً فلسطينياً بل وعربياً يقتدى به في ارساء القواعد والاليات الديمقراطية الناظمة لعموم الحزب وهيئاته.
د. سمير أبو مدللة
عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة الأزهر- غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت