استعجال الحدث، الانتفاضة أو الفوضى... الواقع والتمنيات

بقلم: رشيد شاهين


ماذا يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟، والى أين تسير الأمور؟، هل نحن بصدد انتفاضة ثالثة أم ماذا؟، هذه في الحقيقة بعض الأسئلة الأكثر إلحاحا التي تدور في مخيلة الكثير من الناس، وقد تعرضنا لها من العديد ممن ليس لديهم أية اهتمامات سياسية، كما انها ذاتها تقريبا التي يسألنا إياها بعض الصحفيين والإعلاميين الأجانب الذين يهتمون بالشأن الفلسطيني.

منذ تصاعدت الأحداث خلال الفترة القريبة الماضية، لم ينفك العديد من المحللين والمراقبين والمعلقين والكتاب عن ترديد ما كانوا رددوه عبر السنوات القليلة الماضية، وقد كانت تحليلاتهم ومواقفهم لا تختلف عنها هذه الأيام، فهم وفي محاولة منهم لاستباق الإحداث يقفزون إلى نتائج وتوقعات لم تتحقق أبدا، ذلك انها تستند إلى رغبات تحاول استعجال شيء لم تنضج بعد الظروف لاندلاعه، وهي تمنيات أكثر من اعتمادها على تحليل مستند إلى التجارب التاريخية والتحليل العلمي.

عندما كان هؤلاء خلال الأحداث المتتالية عبر السنوات الماضية يقولون ان ما يجري هو بداية لانتفاضة ثالثة، كنا نقول ونكتب ان لا انتفاضة ثالثة في الأفق، وكان البعض يعتقد باننا نقول ذلك من باب اليأس او المناكفة أو ربما التحريض واستفزاز الجمهور الفلسطيني من اجل الاستمرار في المواجهات لقيام مثل هذه الانتفاضة، والحقيقة ان ما نقوله في هذا الإطار الآن حول ما يجري في الأراضي الفلسطينية، لن يختلف كثيرا عما قلناه في المرات الماضية، والذي يتلخص بان ما يجري لن يكون بداية لانتفاضة ثالثة، لأن الظروف لم تتهيأ بعد لذلك.

انطلاق انتفاضة جديدة ليست رغبة هذا الشخص او ذاك "القائد"، والأحداث الجارية على الأرض الفلسطينية ضد دولة العصابات، قد تكون سببا في تأجيل أو تأخير الانتفاضة العارمة التي يريدها ربما البعض او الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني، لأنها بطريقة أو بأخرى تفرغ بعضا من الغضب الكامن في الصدور ضد سلطة الاغتصاب.

عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، لم تكن الشرارة سوى حادث سير، إلا انه كان كفيلا بتفجر الأراضي الفلسطينية ضد قوات الاحتلال بشكل غير متوقع او مسبوق منذ احتلال عام 1967، وكذلك الحال عندما قامت الانتفاضة الثانية، حيث أدت زيارة شارون لباحات الأقصى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية التي لها ما لها وعليها ما عليها. علما بأن حوادث انتهاك الأقصى والتهديدات بهدمه "وقبل ذلك إحراقه" لم تتوقف منذ الاحتلال وهي لم تقد كلها إلى انتفاضة شعبية عارمة كما كان عليه الحال بعد ما قام به شارون، ويمكن استذكار هبة الأقصى في العام 1996 التي كانت محدودة ولم ترتق إلى انتفاضة عارمة.

ان اندلاع انتفاضة شعبية شاملة لتأخذ الرقم ثلاثة، ليست رغبة يمكن ان تتحقق لان هذا أشار او أراد او أمر، كما ان ما تقوم به وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية الصهيونية ليس سوى محاولة لبث الرعب في نفوس المستعمرين الصهاينة، وهي محاولة للتحريض ضد أبناء الشعب الفلسطيني، كما انها محاولة لترديد المقولة الصهيونية التي تشير إلى ان أي أداة من أدوات المقاومة ليست سوى الرغبة الفلسطينية ذاتها لإلقاء شعب الله المختار في البحر، هي محاولة لحفز الجمهور الاستيطاني العنصري وإبقاؤه في حالة من التيقظ والانتباه إلى انه أمام شعب ليس له هدف سوى القضاء على دولة الكيان واجتثاثها من جذورها.

الإعلام الصهيوني عن بكرة أبيه، بما في ذلك من يُعتقد بأنهم كتاب اليسار، متورط حتى أذنيه في تهويل ما يجري في الأراضي المحتلة، وهو إعلام موجه، وجزء من السياسة الصهيونية الاستعمارية، وأحد أنظمة "المواجهة أو الأسلحة" التي تستخدمها دولة العصابات في حروبها الدائمة مع من تعتبرهم أعداؤها، فهو إعلام يخوض المعركة ضد إيران وحزب الله وكل من يأتي على ذكر كلمة حق بحق دولة الاغتصاب، حتى الشعراء وراسمي الكاريكاتير والكتاب الذين ينتقدون دولة الاغتصاب، انه إعلام لا يمت إلى الحيادية المفترضة بوسائل الإعلام.

ان إرسال الوفود أو المندوبين الإعلام إلى رام الله كما نشرت وسائل ، وقضية الإفراج عن أموال الشعب الفلسطيني من قبل إدارة الكيان المحتل، ليس سوى جزء من محاولات "دب الصوت" والقول للعالم، ان دولة الاحتلال تواجه "عدوا" لا رغبة له بالسلام، وانها على استعداد لفعل أي شيء من اجل الوصول إلى "سلام" معه، إلا انه هو من يرفض، وهو من يرغب بإلقاء المستعمرين الصهاينة في البحر،خاصة في ظل الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي

الإفراج عن الأموال الفلسطينية التي هي حق مكتسب، ليس سوى محاولة بائسة تبدو وكأنها محاولة "لرشوة" الشعب الفلسطيني من اجل الامتناع عن القيام بانتفاضة كما تحاول دولة الاحتلال الترويج، الأمر "قيام الانتفاضة" الذي هو حق مشروع، يعني من وجهة نظر صهيونية، إن الوجود الصهيوني بات على المحك في حال قيام مثل هذه الانتفاضة، هكذا يحاول ساسة وإعلام الكيان تصوير قيام "الانتفاضة الثالثة"،علما بان الشعب الفلسطيني عندما أطلق انتفاضته الأولى كانت أوضاعه الاقتصادية أفضل مما هي عليه الآن، وكذلك الأمر عندما انطلقت الانتفاضة الثانية، أي ان الموضوع لا علاقة له بالأوضاع الاقتصادية التي يعتقد بعض الصهاينة انها قد تكون السبب في اندلاع الانتفاضة الثالثة.

حالة الفوضى التي تحدث عنها الرئيس الفلسطيني وهو الخبير في الفكر الصهيوني، وهو من ألف العديد من الكتب التي تتعامل مع المسألة الصهيونية، كانت كما نعتقد لأنه يدرك ان الأصابع الصهيونية سوف لن تقف صامتة أمام أي فعل مقاوم فلسطيني، وهي بالتالي لن تتردد في فعل كل ما هو ممكن من اجل تحويل الانتفاضة في حال نشوبها، إلى فعل فوضوي تكون ارتداداته عكسية على الواقع الفلسطيني، وذلك من خلال ما تمتلكه من عملاء وأدوات وغير ذلك استطاعت توظيفها عبر عقود من الاحتلال.

الانتفاضة هي فعل جماهيري نتاج بيئة وعوامل عديدة إذا ما توفرت، فلن يستطيع كائن من كان ان يوقفها او يتحكم بها، هذا على الأقل في مراحلها الأولى، وهي حتى لو امتنعت فصائل رئيسية عن المشاركة بها مثل فتح وحماس، سوف تندلع رغما عن هؤلاء، ونعتقد بان التجربة في مصر اكبر دليل على ان الجماهير ليست بحاجة إلى أحزاب للمشاركة في الفعل الانتفاضي، وقد قامت الثورة في مصر برغم ان حركة الإخوان "التنظيم الأكثر عراقة ومالا وخبرة في البلد" لم يشارك بها برغم ركوبه الموجة في اللحظات الأخيرة وقطف الثمار، وهذا ليس بمستغرب.

القيادة التي تحدث عنها الزميل ناصر اللحام في مقالته عن الانتفاضة المتوقفة على السؤال الواحد، قد يكون فيه الكثير من الصحة، ونتفق معه فيما أشار إليه حول القيادة التي سوف تتشكل إن قامت الانتفاضة، حتى لو لم تشارك بها اكبر الفصائل الفلسطينية، او حتى أي من الفصائل، إلا ان الزميل وهو ابن الانتفاضة الأولى وأحد كوادرها بحسب ما نعتقد، اخفق في إشارته إلى الرئيس ومن انه وبمجرد إشارة من رأسه سوف يحرك بحر الجماهير التي تنتظر تلك الإشارة، وسواء حسم الرئيس خياره أم لم يحسمه، فهو لن يستطيع أن يؤشر فتقوم القيامة.

المراهنة التي تقوم بها حركتي فتح وحماس وعلى انهما يتسيدان الساحة، وأن لا فعل أو مقاومة بدونهما أو أي منهما، تصبح مراهنة فاشلة خاصة إذا ما نزلت الجماهير إلى الشوارع في فعل انتفاضي سوف يأخذ في طريقه الأخضر واليابس. إذا أرادت أي من الحركتين التخلف عن المشاركة في أي فعل انتفاضي في الأراضي المحتلة، فان ثمن ذلك سيكون مكلفا على من لم يشارك.

الانتفاضة ليست "كبسة زر" يضغطه فلان او علان فتتولد انتفاضة، وهي لن تتحقق لأن د. احمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي طالب باندلاعها، الأمور لا تتم بهذه الصورة، وهي لن تتم إلا إذا توفرت جميع العناصر التي من شانها ان تؤدي إلى فعل انتفاضي شامل.

دولة الاغتصاب بكل ما تقوم به على الأرض تدفع باتجاه انتفاضة، إلا ان البيئة اللازمة والأسباب والعوامل لم تنضج بعد إلى الدرجة التي تصل إلى فعل شامل، وليس بالضرورة ان تكون الأراضي لمحتلة في حالة انتفاضة مستمرة، حيث هناك ما يعرف "باستراحة المحارب" هذه الاستراحة قد تطول وقد تقصر، إلا انها تبقى في النهاية "استراحة".

على أية حال، حيثما وجد احتلال لا بد من وجود مقاومة، والانتفاضة هي فعل مقاوم يتسم بالشمول، والعمل الشمولي يختلف عن الفعل الفردي او عمل المجموعات الصغيرة، التي يمكنها ان تقوم بأفعال تختلف عن الأعمال الجماهيرية، ومن هنا فانه لا ضرورة لاستعجال العمل الجماهيري الشامل، فهو قادم، والانتفاضة قادمة لا ريب فيها، فالمرجل لا زال على النار في حالة غليان ربما هادئة، والاحتلال لا زال على الصدور، لكن علينا ان نترك الظروف والبيئة والمناخات المناسبة لكي تنضج، وعندئذ لن نحتاج كما يعتقد البعض، إلى من "يضغط الزر" لتبدأ الانتفاضة.

27-2-2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت