الواقع الراهن الى اين

بقلم: عباس الجمعة


لم تحظ تأثير الثورات العربية على القضية الفلسطينية والصراع العربى - الإسرائيلى بنقاش جدى إن على الصعيد القومي أو على الصعيد العربى العام، وذلك باستثناءات قليلة لبعض القوى والفعاليات السياسية والفكرية.
أن الثورات العربية قد أعادت ترتيب الأولويات ووضع الشأن الداخلى فى الصدارة فضلا عن تعثر الشعارات التي رفعتها من اجل التغيير والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وانهاء الاستبداد نتيجة ما يجري من ثورة مضادة، ارادت الولايات المتحدة والقوى الحليفة لها التوافق معها لابعاد القضية الفلسطينية عن واجهة الاهتمام العربي . ومن هنا اراد البعض ابعاد القضية الفلسطينية والصراع العربى - الإسرائيلى، ولكن نحن على ثقة بان الجماهير العربية ستستمر بنضالها الديمقراطي وستكسب زخما جديدا وستبقى الحاضنة للقضية وإبقائها حية فى ضمير الشعوب مهما كانت الظروف والمعطيات.
ان الولايات المتحدة أرادت أن تنشر الديمقراطية في المنطقة العربية بعد احتلالها للعراق عام 2003، عبر نشر الفوضى الخلاقة، ولكنها لم تدقق بشكل كامل في قضية ان إرادة الشعوب وطبيعتها في مقارعة الغزاة ومقاومة المحتلين، فإن الشعوب لا تعمل وفق قوانين الفيزياء، بمعنى آخر حركة الشعوب ليست حركة فيزيائية بل هي حركة وجدان لا يتوقعها أحد، كل الاحتمالات والسيناريوهات حاضرة
واليوم نرى الهبة الشعبية التي اندلعت شرارتها بامتيازٍ دعما للأسرى، والتي تشكل خطوة صحيحة بتعزيز المقاومة الشعبية بكافة اشكالها والتي عمت الضفة وغزة من خلال مظاهرات التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام، أو "انتفاضة البطون الخاوية"، والتي اشتدت بعد استشهاد الأسير الشهيد عرفات جرادات، الذي استشهد إثر تعذيبه إبَّان التحقيق معه، ورغم محاولات البعض تحويل قضية الأسرى إلى مسألةٍ تفاوضيةٍ في أية عودةٍ محتملةٍ لطاولة المفاوضات هي تأمل أن تأتي بوارقها مع إطلالة أوباما على المنطقة .
وامام ذلك نقول يجب ان يكون الرد الجماهيري وكافة القوى والفصائل في كافة الظروف الموضوعية والمتراكمة تنذر بانتفاضةٍ شعبية في الضفة الفلسطينية تحديداً في ظل احتلال يصادر الأرض والهواء والهوية والحلم بل الحياة وكل ما تعنيه كلمة وطن، ويحول ماتبقى من الارض إلى كانتونات ومعازل أشبه بالمعتقلات الكبرى، ويسعى عبر الحواجز العسكرية والأسوار والتهويد الزاحف، وغارات المستعربين، إلى تحويل حياة الانسان الفلسطيني إلى جحيم ، بحيث بات كل فلسطيني مشروع شهادة أو أسير أو مبعد. ناهيك عن تبديد اوهام ما يسمى بالسلام الذي يجرى ضخه لأكثر من عقدين وكانت أحد عوامله الكارثية مزيدا من العدوان والاستيطان ،حيث اصبحنا اليوم امام مقاومة شعبية ذات طبيعة جماهيرية متصاعدة قد تؤدي إلى انتفاضة شعبيه ، يُخشى من فقدان السيطرة عليها وبالتالي عدم القدرة على إحتوائها.
لذا فإن ما تشهده فلسطين من موجة الغضب العارم إنما هو أول الغيث الذي ينذر بسيوله الجارفة التي لن تهدأ ولن تسكن إلا بتحرير الأسرى، ووضع قضية فلسطين مرة أخرى على خارطة الكون إحقاقا لحقوق الشعب الفلسطيني بثوابته غير القابلة للتصرف، أو النقصان أو المساس، لن يقبل شعب الجبارين أن يظل عرضة للاستباحة .من هنا يستمر في الذهاب نحو حريته ، وهو يؤمن بعدالة قضيته وحقه في الحياة الكريمة والحلم وحق الصغار بالعيش والفرح على ارض وطنهم فلسطين.
ختاما لا بد من القول إن انتفاضة الاسرى تتطلب وقفة جادة باعتبارها استحقاقاً نضالياً مستوجباً، لان شعب فلسطين وصل الى حدود كبيرة زادت من معاناته تحت نير استعمارٍ استيطانيٍ إحتلاليٍ يفوق التصور ولم يشهد له التاريخ مثيلاً ، وان قضية الأسرى هي واحدة من وجوه معاناته المتعددة وتستحق أن تكون في المقدمة منها وسيثبت اليوم الشعب الفلسطيني صاحب التاريخ العريق والمفاجآت النضالية انه شعب من عاداته الكفاحية مفاجأة الجميع .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت