التصالح مع الذات أهم من التصالح مع إسرائيل

بقلم: رمزي صادق شاهين


من البديهي أن الفرقة والتشرذم من أسوأ ما يمر به شعبنا الفلسطيني ، سواءاً على صعيد الخلاف الداخلي والاجتهادات داخل حركة فتح ، أو على مستوى الخلاف السياسي مع حركة حماس ، وكلاهما بالنهاية يؤثر على مشروعنا الوطني وقضيتنا بشكل عام ، وهما عنصران ضعف ومن الطبيعي أن إسرائيل ومن يلف في فلكها مرتاحين لهذه الخلافات ، بل ويسعون لتعميقها وتطورها .

إن لمن كُبرى المصائب أن نواجه إسرائيل بشكلنا الحالي ، في ظل وجود الفرصة لأن نصبح من جديد أقوياء لنطالب بحقوقنا المشروعة ، بعد حالة الصمود الأسطوري لأبناء شعبنا في غزة بعد عدوان عام 2008م وعدوان 2012م ، وكذلك النجاح السياسي والدبلوماسي الذي أدى لأن تكون فلسطين دولة مراقب بالأمم المتحدة ، إضافة للدعم الأوروبي إلي يُسجل الآن أفضل حالاته ، بعد أن أصبحت إسرائيل في موقف أشبه بالعزل الدولي نتيجة سياسة التهرب من الاستحقاقات الدولية المتعلقة بالسلام مع الفلسطينيين ، وكذلك استمرارها في ضرب القوانين الدولية المتعلقة بالاستيطان الغير شرعي في أرضنا .

لا أدرى ما المبرر لاستمرار الخلافات الداخلية بحركة فتح ، وما هي الأسباب التي تدفع لاستمرارها ، خاصة ونحن واجهنا قبل ذلك أصعب من هذه الخلافات ، وتاريخ الثورة الفلسطينية سجل الكثير منها ، ولم يكن أشد من الانشقاق في لبنان على ثورتنا وقضيتنا ، إلا أن قيادتنا الحكيمة وعلى رأسها الشهيد الزعيم ياسر عرفات ، استطاع أن يحافظ على البيت الفلسطيني ، واستعادة تجميع قواه للاستمرار في مشروع التحرر الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .

إن ما يحدث من تطور لحالة الخلاف الداخلي الفتحاوي ، واستمرار التدخل السلبي فيه ، لهو الكارثة بعينها ، وهو الذي يساهم يوماً بعد يوم بإضعاف الحركة ، وتفتيت نسيجها الداخلي ، إضافة لحالة الإحباط العامة لدى الكادر الفتحاوي من استمراره ، ناهيك عن التصعيد الإعلامي لاستغلال هذا الخلاف وتحويله إلى مسار إقليمي سوف ندفع ثمنه الكثير ، خاصة وأن هناك من يحاول توجيه الاتهامات لشعبنا بأنه يُصدر الأزمات الداخلية لصالح فئة هنا أو هناك ، وهذا ما سيجعلنا في موقف ضعيف مستقبلاً ، وسيؤثر على تاريخ الحركة التي قادت المشروع النضالي الفلسطيني لنصف قرن من الزمن .

لن نكون في موقف قوى أيضاً إذا استمر الانقسام الداخلي الفلسطيني ، هذا الانقسام الذي أضعف القرار الفلسطيني ، وساهم في تعميق حالة الإحباط لدى شعبنا بأكمله ، لكونه أثر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والنفسي لجيل كامل من الشباب ، هؤلاء الشباب الذين أصبحوا عرضه إما لترك الوطن والهجرة ، أو اللجوء للهروب من الواقع من خلال تعاطيهم المخدرات والمهدئات التي انتشرت في محافظات وطننا ، وسوف تُصبح مرضاً اجتماعياً سندفع ثمنه من جيل من المفترض أن يكون مؤهل وجاهز لأي مواجهة مع إسرائيل ، أو أن يكون جاهز لعملية بناء الدولة ومؤسساتها ، كيف لا والاعتماد الوطني في الأساس على شريحة الشباب لكونهم الجيل الذي سيحمل الراية ، وسيستمر في مشروع المقاومة مع إسرائيل .

إن ما نعيشه اليوم من واقع سياسي وداخلي سوف يتذكره التاريخ وسيكتب عنه بأحرف سوداء ، وسوف يحاسب التاريخ كُل من أراد لشعبنا الأذى والبقاء في هذه الحالة من التشتت والتشرذم وتقسيم الوطن إلى كيانات وحكومات ومؤسسات ، لأن من يدفع ثمن الخلاف هو شعب يتطلع لمستقبل قد يكون بداية لنهاية معاناته مع هذا الاحتلال ، الذي لا يفرق بين فلسطيني وآخر أو بين ضفة وغزة ، أو بين فتحاوي وحمساوي .

&&&&&&&&
إعلامـي وكاتـب صحفــي – غــزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت