ضبابية المشهد الفلسطيني

بقلم: صلاح صبحية


ما زال المشهد الفلسطيني ضبابياً ، حيث ما زالت الرؤية معدومة حتى على بعد متر واحد مما نقف ، رغم ما هو واضح أمامنا على الساحة العربية ، وذلك راجعٌ لعدم قدرتنا على قراءة ما يجري حولنا ، أو لأننا لا نريد قراءة ما يجري ، لأنّ القراءة الصحيحة والجادة تضعنا أمام مسؤوليات تاريخية لا بدّ من تحملها بكل ثقلها .
فالمشهد الفلسطيني على أرض الوطن يخدم العدّو الصهيوني ، فلا وحدة وطنية فلسطينية , ولا توافق فلسطيني على كل الصُّعد ، فجنوب الوطن دولة لها مؤسساتها ، كما شرق الوطن دولة لها مؤسساتها ، وشمال الوطن وغربه تحت الاحتلال منذ عام 1948كما هي صحراء النقب تحت الاحتلال ، وكل القوى الفلسطينية على أرض الوطن تعمل منفردة دون أن تفكر ولو للحظة واحدة بالمصلحة العليا للوطن ، بقدر ما تفكر بالمصلحة الحزبية والفصائلية الخاصة ، فالحزب والفصيل والتنظيم ما زال هو الأهم من كل الوطن في نظر القادة ، لأنّ ثمة مصالح شخصية لهؤلاء القادة في جعل وإبقاء الحزب والفصيل والتنظيم أكبر من الوطن ، فكيف يمكن للوحدة الوطنية الفلسطينية أو للتوافق الفلسطيني أن يتحقق في ظل سياسة قائمة على مبدأ أنّ الوطن في خدمة الحزب والفصيل والتنظيم ، ونسي كل هؤلاء القادة أنّ الحزب والفصيل والتنظيم في أي وطن كان ، محتلاً أو مستقلاً ذا سيادة أنه وسيلة للنهوض بالوطن وتقدمه وازدهاره ، وفي حال كون الحزب والفصيل والتنظيم هو السيد بينما الوطن هو العبد ، فإننا نرى أنّ الوطن ينخره سوس الفساد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والديني ، فيصبح وطناً خاوياً وفارغاً من مضمونه كوطن ، وكيف إذا كان هذا الوطن فلسطين ، بكل ما تعنيه فلسطين من معنى ، حيث تحوّل الصراع من صراع مع الاحتلال إلى صراع داخلي فلسطيني ، والمستفيد من كل ذلك هو الاحتلال الصهيوني الذي يحتل كل فلسطين من بحرها إلى نهرها ، فالانقسام الفلسطيني يتجذر في الأرض ، ويصبح الحديث عن المصالحة ذراً للرماد في عيون الشعب الفلسطيني ، بينما الاحتلال لا يتوقف لحظة واحدة عن فعل ما يريد ، لأنه يعرف ما يريد في ظل المشهد الفلسطيني المنكفىء إلى داخله ، فجدار الفصل العنصري ما زال هو الجدار منذ عشر سنوات ، والاستيطان لم يتوقف منذ مائة عام ونيف ، ويزداد اتساعاً يوماً بعد يوم دون أن يتمكن الفلسطينيون من إيقافه وعدم تغلغله في الأرض الفلسطينية ، والأسرى تزداد معاناتهم مع تواصل صمودهم في وجه الإرهاب الصهيوني ضدهم دون أن يتم تحريرهم بكل الوسائل الممكنة والمستحيلة ، واللاجئون الفلسطينيون في الشتات تزداد الهجمة عليهم من خلال المحاولات الحثيثة لتدمير المخيمات وطمس معالم قضية اللاجئين ، فعدم قدرتنا على رؤية كل ذلك ، أو بالأحرى تعامينا عن كل ذلك جعلنا نعيش حالة من الضبابية المفرطة ، وكأننا في ليلة من ليالي كانون الكالحة الغيوم والمنهمرة الأمطار لا نستطيع رؤية ما يجري على الأرض ، أو كليلة كثيفة الثلج تجعلنا غير قادرين على الحركة ولو خطوة واحدة .
والمشهد العربي في كل تجلياته لم يعدْ ربيعاً أخضراً يمنح الشعوب العربية حياة جديدة ، بل هو خريفٌ عرّى الجميع من كل ما يتدثرون به ، فلا الشعوب قادرة على صنع ثورة حقيقية لأنها تفتقد إلى قيادة تقود مرحلة التخلص من العبودية ، ولا الأحزاب منفردة ومجتمعة قادرة على أن تجعل الوطن همها الأول بدل صولجان الحكم الذي يتقاتل حوله الجميع ، بل أصبحت فئات الشعب العربي حبيسة عواطفها وانفعالاتها وجريها وراء مخلـّص ٍ لا يعرف سوى أحاديته القائمة على القمع الثقافي والفكري ، فينهار كل شيء ، لأنّ الجميع أصبح يسبح في بحر الدّم الذي لا يستطيعون الخروج منه ، وإنقاذ الوطن وبُـرئه من جراحه المثخنة أصبح بعيد المنال في ظل المشهد العربي العام ، والرهان الفلسطيني على عالم عربي جديد هو سرابٌ خادع ، لن يحصل الفلسطيني منه سوى إضافة سنوات جديدة على المأساة الفلسطينية .
والمشهد العربيُّ بكل ألوانه الداكنة يحتّم على الفلسطيني أياً كان موقعه إعادة النظر في واقعه الحالي للتخلص من ضعفه ووهنه ، ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا من خلال ما كان الإجماع الفلسطيني عليه ، وهو قبول فلسطين دولة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وهذا يتطلب من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تحويل هذا القرار الدولي بنا كدولة تحت الاحتلال إلى سلاح قوي وفعّال ضد الاحتلال وضد انقسامنا وتفرقنا ، وذلك بالترجمة الفورية لهذا القرار الدولي إلى فعل يومي متواصل على الساحتين الفلسطينية والدولية .
وترجمة القرار الدولي فلسطينياً يعني الانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة في كل مناحي الحياة والذي يعني ضمناً إنهاء الانقسام ، فمرحلة الدولة تتطلب رئاسة دولة وحكومة دولة وبرلمان دولة ومؤسسات دولة ، وتلكؤنا بذلك يعني أننا نحقق قول المندوب الصهيوني في الأمم المتحدة مساء حصولنا على عضوية الدولة المراقب ، بأنّ الفلسطينيين سيستيقظون صباحاً ليجدوا أنّ شيئاً لم يتغير في حياتهم .
وترجمة القرار الدولي دولياً هو الإسراع بالانضمام إلى كل المنظمات الدولية وخاصة محكمة الجنايات الدولية والبدء الفوري برفع الدعاوى ضد العدّو الصهيوني ومحاكمته عن كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني ، وكذلك التوقيع على كل اتفاقات ومعاهدات جنيف والمطالبة بتطبيقها ضد العدّو الصهيوني .
فهل نحن كفلسطينيين في كافة مواقعنا لدينا الاستعداد الكامل لتحمل المسؤولية كاملة وذلك بأن نسارع للنهوض من سباتنا لنخوض المواجهة ضد العدّو الصهيوني على أرض فلسطين وفي كل المحافل والمنظمات الدولية ، أم أننا سنبقى نراهن على الأمريكان والأوربيين الذين لا يعنيهم سوى الاستمرار في انهيارنا كفلسطينيين وكعرب .

حمص في 24/4/2013 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت