كفاح مستمر حتى تحرير الأرض والانسان

بقلم: محمد السودي


بمناسبة السابع والعشرين من نيسان اليوم الوطني لجبهة التحرير الفلسطينية ذكـرى انطلاقتها الرائدة ، ووفاءً لقادتها الشهداء الامناء العامون للجبهة والقادة المؤسسين وكافة الشهداء.
في ميدان الحياة الإنسانية لاشيء يسمو فوق التضحية والفداء بالنفس من أجل تحقيق الأهداف النبيلة لشعبٍ عانى ويلات القهر القومي والتمييز العنصري بكافة اشكاله جراء مظلمةٍ تاريخية تواطأت بها الدول الإستعمارية الكبرى التي وعدت بما لاتملك لغير من لايستحقّ ، صفة الكفاح الوطني التحرري لازمت الشعب الفلسطيني على الدوام صرخة في وجه الظلم ترددت أصداءها ارجاء الكون للتعبيرعن عدالة قضيته منذ مطلع القرن الماضي حين شعر أن الحركة الصهيونية اختارت فلسطين ملجأ لها لإقامة كيان يهودي مغلف بهذيانٍ عقائدي على حساب اصحاب الأرض الحقيقيين ، غير أن حجم المؤامرة الدولية وإرهاب العصابات الصهيونية شديد الوطأة على أهل فلسطين كانت تفوق طاقات وامكانيات رواد الثورات البارزين عبد القادر الحسيني والشيخ عز الدين القسام وغيرهم الكثيرممّن سبقوهم الذين حاولوا وأد المشروع الصهيوني في مهده رغم التضحيات الجسام خلال الإحتجاجات والإنتفاضات المتتالية.
لقد لاحت تباشير الثورة الفلسطينية المعاصرة نهايات العقد الخامس وبدايات العقد السادس من القرن المنصرم بعد أن نضجت الظروف الموضوعية وأدرك الشعب الفلسطيني أن الوصول إلى الحرية لايمكن أن تتحقق بالنيابة عن سواعد ابنائها أوعبر الوسائل التقليدية التي كانت سببا مباشرا بهذه المأساة المستمّرة وفشلت كل الجهود في استعادة الحقوق الوطنية والسياسية وكذاهزائم حروب الأنظمة العربية حيث أضافت نكسات عديدة فوق النكبة المشؤومة، هي لحظة الذروة التي اعادت الروح إلى الوطنية الفلسطينية، كان هذا الحال السائد يشكّل دافعا قويا لجبهة التحرير الفلسطينية منذ إصدار البيان التأسيسي الأول أواخر عام 1959 م ثم اعلنت حضورها الميداني بداية عام 1961م تحت شعار "اسلوب الحرب الشعبية أقصر الطرق لتحرير فلسطين" فاتحةً باكورة عملياتها العسكرية ضد الإحتلال، حقبة تاريخية حافلة بالأحداث الكثيرة على صلةٍ وثيقة بالنقلة النوعية للقضية الفلسطينية بعد النكسة الحزيرانية عام1967 توحدت خلالها عدة فصائل في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لكنّها لم تعمّر أكثر من عام واحد نتيجة التناقضات الفكرية وعدم التجانس في الرؤيا ،ثم ميزّت الجبهة نفسها تحت مسمّى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" خاضت خلالها معارك عديدة بينما كانت تتبلور داخلها نخبة تسعى لتطوير ادائها السياسي والتنظيمي والفكري الذي يعبّر عن طموحات الكادحين بالتوازي مع العملية الوطنية التحررية ، وفي منتصف السبعينات أخذت هذه التناقضات بين الإتجاه الإستفرادي والديمقراطي الثوري تطفو على السطح بعد استهداف القوى الإنعزالية اللبنانية حافلة للركاب في منطقة عين الرمانة في ضواحي العاصمة شرق بيروت كانت تقلّ المشاركين بالمهرجان السنوي الأول لشهداء عملية الخالصة الفدائية متوجهة إلى مخيم تل الزعتر، ثم تفاقمت الأزمة على خلفية استقلال القرار الجبهوي وعدم ارتهانه لأي أجندات أخرى ، كان له تداعيات خطيرة بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لتصفية هذه الظاهرة، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر حيث توجّت بانتفاضة القواعد على نهج التبعية والإرتهان الأمر الذي تمخض عنه العودة الى الإسم الأصل جبهة التحرير الفلسطينية بقرار رسمي من المجلس الوطني الفلسطيني ، لم تنتهي الأمور عند هذا الحدّ بل ظلّت الطغمة المتفردة تحمل في دواخلها ضغينة الحقد الدفين الذي أظهرته أحد ايام صيف شهر أب عام1978م حين أقدمت على جريمة نكراءأدت إلى نسف المبنى المؤلف من تسع طوابق سوي بالأرض تماما تقطنه عوائل أمنه وكذلك مقرات الجبهة المركزية إضافة الى العديد من مكاتب تابعة لحركة فتح راح ضحيته العشرات من السكان المدنيين وعشرات الشهداء والجرحى من كوادر واعضاء الجبهة بينما حالت الصدفة وحدها من استهداف قيادة الجبهة ومجلسها المركزي الذي كان منعقدا ًفي ذات المكان وتم تأجيله لأسباب طارئة .
خرجت الجبهة من بين الأنقاض مثل طائر الفينيق تلملم جراحها وهي أقوى إصراراً وعزيمةً على استكمال مسيرتها التاريخية محاطةً برعاية شعبنا وقواه المناضلة الذين أبدوا كل مشاعر التعاطف وتقديم العون وبدل أن تكون الجريمة خاتمةً لمسار هذا التنظيم شكّل بداية لمرحلة جديدة من العمل الدؤوب للصراع مع العدو المحتل إيماناً منها بأن الثورة التي تحكمها عقلية الإنتقام ستبقى تدور حول نفسها وتبتعد عن الأهداف والمصلحة الوطنية العليا للشعب لهذا انتصرت ارادة القتال والتميز والإبداع ونفذّت الجبهة عملية نهاريا البحرية البطولية في شهر نيسان عام 1979 عملية شهيد الأمة جمال عبد الناصر بعد أقل من ثمانية أشهر من الجريمة المروعة ثم توالت العمليات العسكرية التي فاقت كل توقعات نظريات الأمن والتفوق العسكري الإسرائيلي عملية الشهيد كمال جنبلاط بالمناطيد والطائرات الشراعية والقدس البحرية وغيرها الكثير،مماجعل الجبهة في عين الإستهداف الأمريكي الإسرائيلي الأمر الذي فرض عليها الحصار بشكلٍ مبكّربمشاركة عربية مؤسفة بعد تنفيذ عملية أشدود البحرية عام 86 م وعملية القرصنة الفاشلة للقوات الأمريكية لاختطاف القائد الشهيد ابو العباس الأمين العام للجبهة الذي اغتالته فيما بعد بأحدسجونها بالتعاون مع جهاز الموساد السرائيلي ابان الغزو الأمريكي للعراق .
إن الجبهة بالرغم من كل الصعوبات واصلت دورها النضالي المتميز ليس فقط من خلال عملها العسكري الإستثنائي فحسب بل كانت سبّاقة في وضوح الرؤيا السياسية خاصة رفضها لاتفاق أوسلو ، وانحازت بشكل مطلق الى الوطنية الأصيلة ودافعت عن وحدانية التمثيل الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وصيانة قرارها المستقل ،وشكلّ قائدها ابو العباس على الدوام عامل وحدة وطنية وتجميع لا تفريق بين جميع المتناقضات في الساحة الفلسطينية متجاوزاً النظرة الفصائلية الضيقة ودعا بشكل مبكر إلى رسم استراتيجية وطنية لدرء المخاطر المحدقة بالمشروع الوطني وتثوير الطاقات الكامنة لدى شعبنا على كافة الأصعدة ، ختاماً في حضرة هذه المناسبة العظيمة التي تعمّدت بدماء الشهداء الأمناء العامون للجبهة طلعت يعقوب ، وابو العباس وعمر شبلي ، والقادة المؤسسين فؤادزيدان ابو العمرين ، وحفظي قاسم ابو بكر ، وسعيد اليوسف ،ومروان باكير،وعز الدين بدرخان ابو العز. وكافة الشهداء الأوفياء لفلسطين وشعبها عهداًعلى مواصلة المسيرة الكفاحية حتى تحرير الأرض والإنسان وإنجاز اهداف شعبنا في الحرية والأستقلال والعودة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس ......

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت