القرضاوي يتطاول على سيد المقاومة

بقلم: رشيد شاهين


الشيخ يوسف القرضاوي،الذي يشغل منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لم يتردد في شن هجوم غير مسبوق، ولا مبرٌر، على حزب الله اللبناني وسيد المقاومة الشيخ حسن نصر الله.

الهجوم، جاء في خطبة صلاة الجمعة، التي ألقاها في مسجد عمر بن الخطاب، الذي لا نعتقد بأنه يبتعد كثيرا عن قاعدة السيلية أو العيديد في قطر، هاتين القاعدتين لا ولم تستخدما إلا لأغراض معادية للعرب، والتي كان لهما دور بارز في قتل العراق والعراقيين.

هذه ليست المرة الأولى التي تخرج عن القرضاوي تصريحات وأقوال، لا يجوز أن تخرج عن رجل في مثل هذا الموقع، فهي فقط تبعث على مزيد من الفرقة بين أبناء الأمة العربية والأمم الإسلامية، وهو بحكم منصبه، من المفترض أن يدعو إلى الوحدة والاتحاد، لا إلى الضغينة والافتراق والبغضاء.

قبل ذلك بأيام، لم يتردد "الشيخ" عن التوجه بالحمد والشكر لدولة العدوان الأمريكية، ولم يبق له سوى السجود لها وهي التي تقف بكل قوة إلى جانب دولة العدوان في فلسطين، وتزودها بكل أنواع الأسلحة، وهي التي دمرت العراق، كما انها لم تقصر في ذبح أفغانستان، ولها صولات وجولات في كل زاوية من هذا الوطن الكبير.

"الشيخ" الذي بارك لحركة حماس المجزرة التي قامت بها ضد جماعة جند أنصار الله في غزة، وقال إنها كانت على حق عندما فعلت ذلك، يدافع الآن عن جبهة النصرة التي تنهل من نفس المصدر، وهي المرجعية الطبيعية لفئات مثل أنصار الله، وهو يهاجم حزب الله، الذي وقف وحيدا ضد دولة العدوان في الحرب على لبنان، في مفارقة عجيبة وتناقض صارخ، يدلل على ان الرجل وقد بلغ من العمر عتيا، صار ينسى مواقفه وتصريحاته.

القرضاوي كان قد أصدر فتوى تجيز قتل القذافي، كما انه دعا المصريين إلى عدم التصويت لمن هم من غير المسلمين "حركة الإخوان في مصر" واعتبر ان غيرهم هم من الملحدين والعلمانيين، وان التصويت لحركة الإخوان هو فريضة شرعية.

قبل عدة أشهر لم يتردد الرجل في شن هجوم قاس على روسيا والصين، معتبرا انهما من أعداء الأمة بسبب موقفهما من الأزمة السورية، وطالب الحجاج بالدعاء عليهما في مكة المكرمة.
لم يطلب من الحجاج الدعاء على دولة الصهاينة التي تحاصر غزة، وتذبح شعب فلسطين منذ عقود، وتهود ثالث الحرمين الشريفين، أم ترى لم تعد القدس كذلك في وقت الردة هذا، وفي ذهنية شيوخ عصر الانهزام ومفتي السلاطين. وهو لم يطلب من الحجاج الدعاء على أمريكيا، التي دمرت العراق وأفغانستان، بل توجه بالشكر لها، ودعاها إلى المزيد من "أفعال الخير" التي تقوم بها من خلال أساطيلها التي لا ترسل لأمة العربان صواريخ بعيدة المدى، بل "المعونات والأغذية وحليب الأطفال" خاصة أطفال غزة والعراق. وهي لا تزود دولة الصهاينة بالمال والسلاح والعتاد لقتل شعوب الأمة.

السيد حسن نصر الله الذي هاجمه القرضاوي لم نره إلا في مواقف العز والإباء في زمن العار العربي، ولا يجوز لمن يروج لأمريكا ان يتطاول عليه، فهو وان كان يدعم جزار سوريا، إنما يحافظ على مواقفه وتحالفاته، ويعتقد بأن من حق هؤلاء الحلفاء عليه الوقوف إلى جانبهم أوقات الأزمات وعند الحاجة، وهذا الموقف "الوقوف إلى جانب نظام أسد" قد لا "نحبه"، إلا اننا نحترمه، لأنه يدلل على تمسك بالمبادئ التي يحاول الكثير من شيوخ الأمة تغييبها، بحيث ضاعوا وضيعوا الأمة معهم، بسبب تهالكهم وتخاذلهم، وعملهم في خدمة قصور الحكام والطبقات الحاكمة.

حزب الله سواء رضي القرضاوي أم لم يرض، هو الوحيد في هذا الزمن "الكافر" الذي أذاق دولة العدوان الذل والمهانة، ومرغ وجوه قادتها في الأرض، وجعل من دبابتها "الأفضل في العالم" عبرة في الوقت الذي كانت قوات أنظمة الخنوع، تفر أمامها كالفئران المذعورة، من المعيب أن نسمع من رجل مثل القرضاوي هذه الأقوال، وان يصل به المنطق إلى هذا المستوى من الانحدار والإسفاف.

الحديث عن حزب الله وتدخلاته في ما يجري بسورية، برغم اننا لا نحبه، وكنا نتمنى ألا يكون، إلا انه يأتي والكل يعلم ان في صفوف المعارضة مقاتلين من كل الأصناف والأجناس، وما جبهة النصرة وما تمثله من فكر منحرف، إلا واحدة من هذه الفئات على الأرض. إن اختلافنا مع حزب الله والمقاومة، لن يعمي أبصارنا ولا بصيرتنا.

إن الذي يعرف الله، لا بد انه يعرف من هم أعداء الله، ومن يعرف الله لا يخشى في الحق لومة لائم، وإذا ما "صعب" عليه الأمر، نتيجة للجغرافيا أو لمكاسب يكتسبها يخاف عليها من الضياع، أو لعقبات تحول دون قول الحق، فالسلامة تكون بالصمت، وليس بالتحريض والتشويه ضد من يمثلون عز الأمة ومجدها.

إذا كنا ندافع عن حزب الله فلأننا نعلم انه حزب مجرب، دافع عن حياض الأمة وشرفها، ودفع ثمنا باهظا لذلك، وكنا نتمنى ألا يصطف مع نظام بشار أسد، برغم ان الحزب يعتقد بانه له مبرراته التي تجعله يختار هذا الموقف مما يجري في سوريا.

نحن ندرك حجم المأزق الذي يعاني منه حزب الله بوقوفه إلى جانب نظام أسد، إلا أنه بهذا الموقف يجعلنا نقف ونرفع قبعاتنا احتراما له من جديد، ولا يمكن القول أن إدارة الظهر للحلفاء هي من شيم وأخلاق أصحاب المبادئ والقيم، هذا الموقف إنما هو دليل آخر على احترام حزب الله لقيمه وتاريخه، وله ان يفخر ويفاخر به، برغم ان هذا قد لا يعجب كل المروجين ودعاة الخنوع لقوى الطغيان وفي المقدمة أمريكا ودولة العدوان في فلسطين.

لسنا هنا مدافعين عن نظام الدكتاتور السوري الذي لا يختلف عن باقي طغاة العرب، إلا انه لا يمكن القبول أن يقوم القرضاوي باستغلال منصبه من اجل التحريض بهذا الشكل المضلل وغير المقبول، ولا نقبل ان يقوم القرضاوي "تحديدا" الذي أحل ذبح العراق بالتنظير فيمن هو المؤمن ومن هو الشيطان، خاصة ونحن نعلم علم ان هنالك عدوا رئيسا يستهدف الأمة منذ عقود، يتمثل في كيان العصابات الصهيونية قلما يتحدث القرضاوي عنه، لا بل هو لا يأتي على سيرته.

ومن خلال ما يمثل القرضاوي من رمزية، يجب أن يكون أكثر عقلانية في اختيار المواقف وان يحدد "الأولويات" فيما يتعلق بالأعداء، كنا نأمل ان يتحدث بنفس القوة عن الموضوع الفلسطيني، وما تقوم به دولة العصابات، لا ان يتحدث بهذا الشكل التحريضي الفج وغير المقبول ضد من يمثل قيم المقاومة الحقيقية.

من المعيب ان يتحدث القرضاوي عن حزب الله بالطريقة التي يتحدث بها "العامة" من الناس، فهذا حزب مقاوم، أثبتت الأحداث انه من الأحزاب والفئات القليلة،التي يتعامل معها كيان الاغتصاب في فلسطين بجدية حقيقية ويحسب لها ألف حساب.

كنا نعتقد بأن الرجل سوف يدعو إلى مقاطعة دولة الاغتصاب في ظل ما ترتكبه ضد أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى محمد، أين هو من هذا المسرى وذاك المسجد،"أوَ ليس هذا ما يجمع قلوب المسلمين في العالم"، أوْ في ظل ما تمارسه من حصار ضد غزة، أوْ ضد ما ترتكبه قطعان المستوطنين في الضفة المحتلة، وان يدعو إلى إغلاق المكاتب والسفارات في الدوحة وعمان والقاهرة وغيرها.

لم لا يقوم الشيخ بالدعاء من اجل هزيمة الكيان الغاصب في فلسطين، أو أميركا، أو على الأقل، لم لا يدعو إلى وقف نزيف الدم في سوريا، ووقف كل هذا الاقتتال، لم لا يدعو إلى اللجوء للسياسة بدل العنف، وإلى الحوار بدل السلاح. هذا على افتراض أن نصر الله لا علاقة له بالله بل بالشيطان، إذن لم لا يقوم رجل الدين " التقي، الورع الشيخ الجليل" بالدعوة إلى وقف القتال. أليس هذا هو واجب رجل الدين الذي نعرف.

ما ذهب إليه "الشيخ" خلال السنوات الأخيرة، إنما يصب المزيد من الزيت على نار الطائفية البغيضة التي تعصف بالأمة، وهي التي ستقود إلى فتنة يكرهها الله وكل القلوب المؤمنة والمخلصة في هذا العالم، وعليه، فإن على شيخ بمكانة القرضاوي، ان يدعو إلى وأد الطائفية التي لابد ستقود لفتنة يبغضها الله، لا ان يؤجج المشاعر ويتطاول على من يمثلون فخر الأمة في زمن العار العربي.

للتنويه، دولة الكيان تفعل كل ما يمكن من أجل منع وصول أية أسلحة متطورة إلى حزب الله، لأنها تعلم أنه الوحيد الذي يمكن ان يستخدم هذه الأسلحة في أية مواجهة مستقبلية.
6-5-2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت