تسـطع شـمـس شـرعيتنـا ... ويتراجـع التزويـر
ــ دائمـاً في فلسطين وعلى أرضهـا ... وبالكـاد في جـوارهـا كان يُحسـم صراع الإمبراطوريات الـعظمى ؛ فـتنـدحـر واحـدة وتنهـض أخرى ... كان هـذا هـو الواقع منـذ ظهور الـقـوى الكبرى والامبراطوريات وغزواتها لهذه الأرض مـن الإسـكنـدر ورومـا غـربـاً ، إلـى الـفـُرس والـتتـار شـرقـاً ... وحـتى ما نـراه اليـوم ونعيشـه مـن أحـدث التجليّـات لصراع الإمـبراطوريـات الممثلـة بالـغـزوة الأنجلـوسـكسـونيـة لمنطقتنـا ، وعمليـة الالـتقـاط والـتبـني والـحضـانـة لـلـقيطهـا الصهيوني وزرعـه عـلى الأرض الفلسـطينيـة لـيكـون الـحـارس الأقـل كـلفـة لحمايـة مصـالحهـا وبالـتـواطـؤ معـه تصـوغ عمليـة تـزويـر كـبرى لـطـمـس هـويـة الأرض وشـرعيـة الـوجـود للفلسـطينيين عـلى أرضهـم تحـت شـعـار : أرض بـلا شـعـب ... لـشـعـب بـلا أرض ، في محاولـة مسـتميتـة لاسـتبدالهـا بـشـرعيـة بـديلـة للكيـان الـصهيـونـي ... ومـع ذلـك فـدائمـاً كانـت هنـاك حقيقـة واحـدة هـي الباقيـة ؛ خلاصتهـا أن تـنـدحـر هـذه الـغـزوات ولا يـبقـى علـى الأرض الفلسـطينيـة إلا أهـلهـا من أبنـاء وورثـة أوائـل سـاكنيهـا ومعمريهـا الأصلـيين من عـرب بني كنعـان وأبنـاء عـمـوتهـم الـعـدنانـيين والـقحطـانـييـن ؛ وممن اختـار البقـاء معهـم طـوعـاً والقبول بقوانينهم من بقايـا الـحـُرّاس والـخـُدّام لـما شـيـّدته تلـك الغزوات من حصون وقـلاع فاندمجـوا بأهلهـا ... وصهـرتهـم بوتقـة القـيـّم والمُثُـل السامية لأولئـك الأبنـاء والـورثـة مـن الـعـرب السـاميين .
ــ ودائماً كان الحسـم في المعـارك الكبرى أسهـل وأقـل كلفـة كلمـا كانـت المـلامـح والمظـاهـر لأهـداف المتصارعين واضحـة ، أو تتضـح سـريعـاً ... ، وكـانـت معاركهـا تطـول وترتفـع أكـلافهـا كلمـا كانـت تلـك الأهـداف ضبابيـة ، وغير واضحـة ... تمـامـاً كالغـزوة الاستعمارية لفلسـطين وبـلادنـا العربيـة ، والتي رافقهـا ومـا يـزال كـمٌ هـائـل من التضليـل وتبـادل الأدوار بين الظـاهـر والبـاطن لـلقطـبين المتصـارعين بعـد الحرب العالميـة الثانيـة ... ولـم تبـدأ مـلامـح هـذا الصـراع بالوضـوح منـذ مـا قبـل سايكـس بيكـو إلا في أواخـر السبعينـات وطـوال الثمانينـات من القـرن المـاضي ً حتى كانـت ساعـة الحقيقـة وانهيـار القطـب الثاني الذي عمـل قـوة تـوازن أتـاحـت للكثير من الشعـوب التي أحسـنـت إدارة تناقضاتهـا الداخليـة أمـام التنـاقـض الأسـاس فـأفـلتـت ولـو جزئيـاً من أنيـاب القطبين وحروبهمـا البـاردة والسـاخنـة ... ولـم نكـن غـائبـين ... وكنـا أقـويـاء الإرادة والإصـرار عـلى الـوجـود !!! .
ــ كان الفلسـطينييـون مـن بـين المسـتفيدين في تلـك المـرحلـة مـن التـوازن بين القطتبين ، وكـان لصمـود المـوقـف الفلسطيني أفـراداً وجمـاعـات ، والثبـات المتصاعـد لصـلابة وقـوة الـوعـي فيـه ما مكّنـهـم من مـن الصمـود في وجـه آخر الغزوات ... وعـي اكتسـبوه مـن مخزون تاريخهـم العربي والإسـلامي وقـيـّم أنبيائهـم في مقاومـة الظلـم والاسـتبداد ، ومـن انغراسـهم مـع فرانـس فانـون المنظـّر لكـل حركـات التحرير الإفريقيـة في نضالهـا للخـلاص مـمن اسـتعبدوا شـعوبهـم ، و انغراسـهم مـع مـاوتسـي تـونـغ مخلـص الصـين مـن الاسـتعمارين الـياباني والـبريطـاني ، و انغراسـهم مـن هـوشـي منـه مـوحـد فيتنـام ومخلـّصهـا مـن الاسـتعمارين الفرنـسي والأمريكـي ، و انغراسـهم مـع فـيديـل كاسـترو وتشـي جيفـارا صـانـعي ثـورة النصـر والصمـود في كـوبـا أمـام الاسـتبـداد وغطرسـة الأمريكـان ، وزارعي بـذور التمـرد في عمـوم قـارة أمريكـا الجنـوبيـة الـتي التي نمـت وأزهـرت ونـرى ثمـارهـا اليـوم ... وهـؤلاء كلهـم نـرى شـموسـهـم وهـي تـُشـرق فـتعطـي لشـمسـنا شـروقـاً وسـطوعـا .... فـأصبحنـا أقـوى !!!
ـــ وبهذا الصمود وصـلابـةً الوعي ، وبالفعـل المباشـر للفلسطيني ولمن ناصـره سـراً أو عـلانيـة بغـض النظر عن مبررات المناصرين قـُلـِبـتْ كـل الأحـلام لحاملي وحُمـاة وجـه الغـزوة ... وفـُرض عليهـم التراجـع والانكمـاش إلى مـا وصلـت إليـه هـذه الغـزوة ، وما نـراهـا عليه اليـوم ... فمن إسرائيل الكبرى ما بين نهري الفرات والنيـل لـتتـراجع إلى إسرائيـل العظمى ما بين البحـر المتوسـط ونهـر الأردن ، ثـم ضمـوراً إلى إسرائيـل المتحـولـة إلى حـارة لليهـود الـصهاينـة الـتي أحاطـت نفسـهـا بســور ، انتظـاراً إلى مـا أسـفرت وسَتُسـفر عنـها المفاوضـات ... أو غـيرهـا ، والتي سـمعنا عنهـا وعايشنا نتائج بعضها شـرقي فلسطين وجنوبـهـا ، وما سـمعنـا بالأمـس واليـوم أو مـا سـنسمع عنه غـداً وما سـتسفـر عنـه نتائـج مـا يجـري شـمالي فلسـطين حـيـث يـتزايـد الـقلـق والخـوف للمسـتوطنين مـن تـوازن الـرعـب ... يقلقـون ويخـافـون ... ولا نـُبالـي فـنحـن اليـوم أقـوى !!!.
ـــ بهـذا الصمـود ... وبهـذا الفعـل طــارت إسرائيـل الكبرى وطـار الوهـم بالخطين الأزرقين على علمهـا ولـم يبقى منهـا إلا مـا سـيجـرى عليـه التفـاوض أو غـيره مـع م . ت . ف في وسـط فلسطين ، لأن ما ستقـف عنـده المفاوضـات على حـدود الشمال مكفـولة ، ومـا يعيـق العـودة إليهـا فقـط هـو التـوضيـح والترسيم لحـدود الأدوار والعـلاقـات بين صـانعـي الغـزوة ووقـودهـا وبين أهـلنـا شـمال فلسـطين .
ـــ طـارت إسـرائيـل الكـبرى ... هي حقيقـه نُهـديهـا لكـل المتبجـحين من عـُشـّاق الـبديل والهـدنـة الـدائمـة ، وأصحـاب السـؤال المشبـوه عـن الـذي فعلته وأنجزتـه فـتـح وأخواتهـا من الفصائـل في م. ت. ف ، وبعض العـرب في نصـف قـرن .... ومـا سـتسـفر عنـه قـادم الأيـام في وسطهـا بعـد أن قـالـت أكـثـر مـن 170 دولـة فـي هـذا العالـم بشـرعيـة الـوجـود الفلسـطيني شـعباً وارضـاً وهـويـة وحقـوقـاً ... فـضـُربـت وإلى الأبـد اكبـر كـذبـة وأكـبـر محاولات الـتـزويـر الـتي قـام عليهـا هـذا الكيـان ... تـقـدمنـا نحـن ...وتـراجعـوا هـم ... فنحـن اليـوم اقـوى !!! .
ــ كـان لفكر ومنطـق مواجهـة الحقـائـق كمـا هي في كـل مـرحلـة بمنطـق الواقعيـة الثـوريـة ... وليـس بمنطـق الواقعيـة السياسية دوره الأكبر في صنـاعـة هـذا الصمـود ، وصناعـة التكـيّف لـلأدوات والأساليب ، وكانـت القـدرة على معايشـة مخاض الولادة لهـذه الأسـاليبب والأدوات على قاعـدة الوعي الثابت بالأهـداف ، وعـدم انحراف المرحلـة عن ثوابتها.
ــ ولأن الكيان الصهيوني في فلسطين ، الفكرة والمشروع والدولة قام على أساس وظيفة محـددة يؤديهـا ، ومن قيامـه بهـذه الوظيفة اكتسب وما زال يكتسب شرعية وجـوده ، وإذا كانـت حرب اكتوبر/تشرين وصمـود بيروت والانتفاضتين وحرب 2006 شـكّلـت هـزّات في كفاءة هذه الوظيفة ، كمـا شـكّلـت تراكمـا مهمـاً على طريق تهميشها ... فسـيكـون مـن أهـم وأكبر الإنجـازات للفلسـطيني ولكل من يناصر قضيتـه العادلـة من عرب ومسلمين وغيرهـم أن يسـتطيعوا وبوعي إفقـاد هـذا الكيـان الصهيوني الـدخيـل لوظيفته وتحويله إلى شيء يُشـبه محيطـه ، إن لـم يكـن أقـل أهميـة منـه ...
ـــ وفي الظـروف القائمـة على الساحة الدولية وطبيعـة الصراعـات المقبلـة حتمـاً ، وانتقـال خطـوط التماس الأولى بعيـداً إلى عمـق الشـرق على حواف الصين والهنـد وسيبيريا ، وفي عـالـم سـيتعـدد فيـه الأقطـاب ... فـإن الظرف الراهـن وأزماتـه تضـع أمامنـا فـرصـة لإنجـاز ذلـك ولسـنا وحيـدين في هـذا إذا تماسكنـا ، وعرفنـا كيف نسـتفيـد من غطرسـة وحمـاقـات قـادة هـذا الكيـان .
ــ منـذ اعتمـاد البرنامـج المرحلي لـ م ت ف كان الوعي والحرص بأن يكـون التتابع في المراحـل وفقـاً لقوانينها الطبيعيـة ، وبضرورة أن تولـد كـل مرحلـة من سابقتها وتسير دائمـاً نحو الهدف الأساس . فقـد كانـت ومـا زالـت مرحلـة الدولتـان ... هـذان التوأمان السياميـان هي مرحلة عكـس منطـق الأشيـاء ، ومع ذلك فلن يولـد هـذا التـوأم إن قـُدرت لـه الـولادة ( وسيولـد ) إلا وأحشـاؤه محملـة بالدولة الواحـدة ... ولأنهـا حقيقـة تشـبه الواقـع الفلسطينية ... هـذا الـواقع الـذي بـدأ بعكـس المنطـق فسينتهي أيضـاً بعكـس المنطـق ولكن بالإنجـاب المنطـقي والصحيح لـلدولـة الواحـدة ، رغـم كـل ما لا يتمنـاه الجنـد من حاملي وجـوه الغزوة وصانعيهـا والمستثمرين فيهـا .
ــ الفلسطيني الآن وقـد أمسـك بالحلـم ، وأن تجسـيده وصناعتـه لهـذا الحلـم لـم يعـد وهمـاً ... صحيـح هي خطـى الصناعة والتجسـيد بطيئـة وبطيئة جـدأً ، ولكنهـا ماضيـة إلى الأمـام تمامـاً كمـا أريـد لهـا وكمـا وُضِعـت في باب المبـادئ والأهـداف من أول بيـان للإنطـلاقـة والـذي قـال : إن إسـرائيـل كانـت ومـا تـزال خطـاً في مسـار التاريخ ... والواجب هـو تصحيح هـذا الخطـأ بتحريـر فلسطين من الصهيونية وإقـامـة الدولة الديمقراطية التي يتمتـع فيهـا جميع مواطنيهـا بـذات الحقـوق والواجبـات المتساوية دون تمييز بين عـرق أوجنـس أو دين أو مذهب . وفي الطريـق إليهـا لا يجـب علينـا الإلتفـات كـثيـراً لأولئـك الأدعيـاء والمتكسبين باسـم المقاومـة والممانعـة ... الـذين لا يجيـدون إلا اسـتنـزاف أنفسهـم وإخوانهـم بإعـادة التـدويـر والبيـع للقمـامـات والنفايـات ممـا تقذفـه مطابخ المؤسسـات الصهيونية . وفي ذات الطريق علينـا دائمـا الموازنـة بين قـادة أصـروا على القيـادة بإقـامـة الحجّـة والإقنـاع ولـم ينزلقـوا إلى منطـق الحكّـام لفـرض أرائهـم وتطلعاتهـم ، وبين منطـق الحكّـام الـذين لا يجـدون مـا يبررون بـه فرض أحلامهـم إلا بالتسلط على أتباعهـم وإثـارة رعبهـم وخـوفهـم من إخـوتهـم وتحـريضهـم عليهـم بـدلاً من تشجيعهـم على شـدّ الأزر بهـم !!!
مـلاحظـة :
كـم مـن المسـتـوطنين ينطـق الآن أو يُفكـر بشـعـار مـن الفـرات إلى النيـل ؟؟؟ ألـم تتقـّلـص المسـاحة والحـدود لأحـلامهـم وشـعـاراتهـم إلى أمتـار في الضفـة الغربيـة يعللـون بهـا أنفسـهـم في محاولـة بائسـة لإخفــاء الحقيقـة القادمـة التي أصبحـت تمسـك بتلابيب حياتهـم ... وهـذا الفلسـطيني الـلاجئ المُـلاحـق الـذي كـان أرقـامـاً مهمشـة في كشوف المحسنين ... اليـس اليـوم يتقـدم علمـاً شامخـاً يُربـك الدنيـا ويفـرض نفسـه على جـداول الأعمـال للأكبر والأصغـر فيهـا ... ألـم تنمـو احـلام الـلاجئ من انتظـار صدقـات المحسنين إلى علـم يرفرف أمــام عيـون أطفـال المدارس وهـم ينشـدون فـدائي ... فـدائي ، ومـوطني ... لـدولـة مؤكـدة القيـام والقيمـة ... ولمـرحلـة مـا بعـدهـا أكبر وأهـم .
فمـن هـم القـادمـون إلى المستقبـل ؟؟؟ ومـن هـم في الطريـق إلى مغادرتـه ... العابرون في الكـلام العـابـر ؟؟؟
ألسـنـا نحـن الآن أقـوى ؟؟؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت