مصير حكومة سلام فيّاض

بقلم: هاني المصري


جاء الاتفاق الجديد بين "فتح" و"حماس" على تأجيل تطبيق ما تم الاتفاق على تطبيقه من "اتفاق القاهرة" و"إعلان الدوحة" لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ليؤكد مرة أخرى أن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة متعذر حتى في إطار إدارة الانقسام لا إنهائه.

سيركز هذا المقال على مصير حكومة سلام فيّاض وليس على الجدول الزمني الجديد.

في نهاية نيسان الماضي، أُعلِن أن الرئيس بدء التشاور لتشكيل حكومة جديدة خلفًا لحكومة سلام فيّاض التي قدمت استقالتها لأول مرة في 23/2 ثم جددت الطلب في 7/4 وقبلت في 13/4.

وفق القانون الأساسي، من المفترض أن يقوم الرئيس بتكليف شخص آخر لتشكيل حكومة تخلف الحكومة المستقيلة بعد أسبوعين على استقالتها كحد أقصى، على أن يقوم رئيس الحكومة المكلف بتشكيلها خلال مدة أقصاها خمسة أسابيع، وستنتهي هذه المدة في الثاني من حزيران المقبل، بينما من المفترض أن تشكل حكومة الوفاق الوطني خلال ثلاثة أشهر، أي في مدة أقصاها 14/8، وهذا الأمر يعني أن هناك فترة تبدأ من الثاني من حزيران المقبل وحتى إشعار آخر، ومن المفترض أن يُملأ الفراغ الحكومي فيها من خلال أحد ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول. أن يبقى سلام فيّاض رئيسًا للحكومة، خلافًا للقانون الأساسي، إلى أن تشكل حكومة الوفاق الوطني، وسيتم تبرير هذا الانتهاك الجديد للقانون بـ"المصلحة الوطنية العليا" التي لها أولوية على كل ما عداها، وبحجة أن القانون معطل في ظل الانقسام، إلى حد أن الرئيس والمجلس التشريعي قد تجاوزا الفترة القانونية لولايتيهما منذ سنوات من دون الاحتكام إلى الشعب مرة أخرى.

وهذا الاحتمال لن يبقى واردًا إذا استمر إصرار سلام فيّاض على الاستقالة وعلى ترك المنصب خلال الفترة القانونية، خصوصًا أن استقالته لم تكن عادية، وإنما نتيجة أزمة وخلافات تفاعلت فيها العوامل الداخلية والخارجية بصورة تجعل بقاء الحكومة مهينًا لجميع الأطراف.

الاحتمال الثاني. أن يكلف الرئيس شخصية مستقلة بتشكيل حكومة أو أن يرأسها بنفسه بقوامها الحالي، وهذا صعب جدًا، لأنه يضع كل المسؤوليات بيد الرئيس لفترة غير معلومة، ولأن لا أحد يصدق حقًا أن حكومة الوفاق الوطني ستشكل في منتصف آب المقبل، لأن هناك مواعيد كثيرة تم تجاوزها، فلا يوجد ما يجعل ويضمن أن يكون الموعد الجديد مقدسًا، ويمكن أن تكون إحدى الشخصيات التي يتم تكليفها من ضمن الحكومة الحالية، مثل نبيل قسيس المستقيل من وزارة المالية أو غيره، لأن هذا لا يعني تشكيل حكومة جديدة؛ أو من خارجها، مثل: محمد مصطفى، رامي الحمد الله، زياد أبو عمرو، منيب المصري.

الاحتمال الثالث. تكليف شخصية فتحاوية بتشكيل حكومة يشارك فيها ممثلون عن فصائل أخرى ومستقلون، ولكنها ستكون حكومة "فتح" لا حكومة تشارك فيها مثلما حدث منذ وقوع الانقسام وحتى الآن.

تتمثل رغبة الرئيس، وهو صاحب القرار، في إعلانه أن سلام فيّاض سيستمر في الفترة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات، ويمكن أن يُكَلَّف مرة أخرى بتشكيل الحكومة، وهذه الرغبة الرئاسية مستمدة من أن فيّاض مقبول دوليًا، وتحديدًا من أميركا، وأنه حمل العبء عن الرئيس حين تحمّل الإدارة بكل عجرها وبجرها طوال الفترة الماضية منذ وقوع الانقسام وحتى الآن، وأنه إذا كلف نفسه أو شخصًا آخر برئاسة الحكومة مهما كان مستقلًا أو فتحاويا سيرسل رسالة إلى أن الاتفاق على تشكيل حكومة وفاقية خلال أشهر ليس جديًا ولا يتمتع بأي مصداقية.

الكرة إذًا في ملعب فيّاض، وهل يقبل الاستمرار في رئاسة حكومة تسيير الأعمال حتى إشعار آخر أم يصر على مغادرة المنصب مع انتهاء الفترة القانونية لتشكيل حكومة جديدة؟ هو يستطيع إذا أراد أن يعلن أن اليوم الثاني من شهر حزيران المقبل هو آخر يوم له في رئاسة الحكومة، وأنه لن يداوم في اليوم التالي وعلى الرئيس أن يتعامل مع هذا الأمر.

فياض مصر على المغادرة، كما ينقل المقربين منه، وأنه لن يتراجع هذه المرة، وبدأ يتصرف على أساس أنه راحل، من خلال حصر لقاءاته الرسمية وإجراء لقاءات غير رسمية، ولكن السياسة لا تعرف الثبات، فهي متحركة في ضوء المتغيرات والمصالح، فإذا رأى فيّاض أن بقاءه في الحكومة - خصوصًا إذا حصل على دعم وغطاء الرئيس في مواجهة الهجمات الفتحاوية المتلاحقة عليه، بحيث يكون رئيس حكومة صاحب صلاحيات وليس موظفًا عند الرئيس بدرجة رئيس حكومة - سيساعد على تحقيق طموحه السياسي المستقبلي، فإنه يمكن أن يبقى مع أن هذا صعب، وإذا رأى أن بقاءه سيعرضه لنفس الهجمات السابقة وسيضر بمستقبله السياسي فإنه سيصر على الرحيل، خصوصًا في ظل التشاؤم الذي نُقِل عنه عن فرص نجاح جهود كيري.

الطموح السياسي حق لكل شخص، وطموح فيّاض هو لعب دور سياسي مستقبلي واضح بمؤشرات عديدة، آخرها إعلانه بأنه يفكر في خوض الانتخابات القادمة وسيواصل العمل السياسي بعد مغادرة منصبه الحالي، ونفيه أنه قبل منصبًا في صندوق النقد الدولي أو أي مؤسسة دولية أخرى، حتى كيري بنفسه الذي ساهم من خلال إصراره السري والعلني على بقاء فيّاض بتقديم الاستقالة وقبولها من الرئيس، بعد التدخل الأميركي الفظ لصالح استمراره، أعلن أن فيّاض سيواصل العمل السياسي.

إصرار فيّاض على الرحيل وارد، خصوصًا أن الأسباب التي أدت إلى الاستقالة لا تزال قائمة، وهي ضرورة أن يعرف أن النظام الفلسطيني عمليًا رئاسي، وليس مختلطًا (رئاسي – برلماني)، مثلما ظهر بعد استحداث منصب رئيس الحكومة وإجراء التعديلات على القانون الأساسي؛ وعدم رحيله وارد مع أنه مستبعد، خصوصًا في ظل رغبة الرئيس وأطراف عربية ودولية والإدارة الأميركية، التي أبلغت القيادة الفلسطينية بأن لا مشكلة لديها للتعامل مع رئيس حكومة جديد مناسب، ولكن المشكلة عند الكونجرس الذي من المشكوك فيه أن يتعامل مع أي شخص آخر بديلًا من فيّاض.

إن إصرار فيّاض على الرحيل بعد الإعلان عن الاتفاق على تشكيل حكومة الوفاق الوطني خلال ثلاثة أشهر سيظهره بعديم المسؤولية وكأنه هو المعرقل للمصالحة.

وما يعزز بقاء فيّاض على الأقل خلال شهر حزيران المقبل أن مصير جهود كيري ستتضح خلال هذه الفترة، فإذا حققت تقدمًا سيعزز احتمال بقائه وسيبعد المصالحة، وإذا فشل سيسرع في رحيله ويزيد من احتمال تشكيل حكومة وفاق وطني (لا تعني بالضرورة إنهاء الانقسام إذا لم تترافق مع العمل المتوازي والمتزامن على توحيد المؤسسات، خصوصًا الأجهزة الأمنية، والاتفاق على برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي).

المشكلة كانت وستبقى أعمق وأكبر من تشكيل حكومة ومن سيرأسها، فهي تتعلق بشعب وأرض واقعين تحت الاحتلال، وتتعلق بالحاجة إلى طريق قادر على إنهاء الاحتلال، وإنجاز الاستقلال الوطني، والعودة، وتقرير المصير.

فطريق المفاوضات الثنائية برعاية أميركية من دون أوراق قوة وبلا مرجعيات وضمانات حقيقية وآلية تطبيق ملزمة وجدول زمني قصير؛ فشل سابقًا ومحكوم عليه بالفشل، كما أن نجاحه يعني شيئًا واحدًا وهو تصفية القضية الفلسطينية عبر حلول انتقالية أو نهائية، وعندما يتم اختيار طريق جديد، طال انتظاره، يتم في ضوئه النظر فيما إذا كنا بحاجة إلى تشكيل حكومة وفق ما تم منذ تأسيس السلطة وحتى الآن، أو بحاجة إلى حل السلطة أو تغيير شكلها ووظائفها وإعادة النظر في التزاماتها، وعندها سيتم اختيار رئيس الحكومة أو عدم اختياره بما يناسب الوضع الجديد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت