فضيلتكم .. رجولتكم.. وحال المعذبين في قطاع غزة

بقلم: نافذ غنيم


صار قطاع غزة مختبرا للتجارب وميدان لإقحام المصطلحات في غير مكانها، كل شيء أصبح جائز في هذا الزمان، ولعل من يسمع شكوى وتذمرت وعديد النكات الشعبية الساخرة عندنا، يدرك حجم الألم، وربما حالة الاغتراب التي تجتاح كثير من أبناء شعبنا بسبب ما نحن عليه، الأخطر من ذلك محاولة توصيف حالة المجتمع في غير مكانها، رغبة من قبل البعض لإسقاط أجندتهم عليها، فعندما يقال نشر الإسلام، يُفهم وكأن مجتمعنا كافر ووثني، وهناك من يريد أن يعيده للإسلام، وعندما يقال نشر الفضيلة، تشعر بان هناك رذيلة تجتاح المجتمع، وان المظهر العام له غير محافظ، ولما تسمع مصطلح مراقبة مستوى الرجولة، تفكر مليا في ذلك، باحثا عن ميزان الرجولة الذي سيوزن أفعال الناس، لتشعر بان هناك مخططا إسرائيليا غربيا من اجل تأنيث الذكور، ولا اعرف ربما تذكير الإناث، لكي يختلط الجنسان، فلا نعرف الفصل بينهما . وهنا أتسال هل ضمنا ونحن نتحدث عن الرجولة أننا نستعر من نساء بلادنا ؟!
افهم أن يقال أن هناك ظاهرة بعينها تتنافى مع القانون، وتضر بالآخرين تحتاج إلى تصويب بدءا بالنصح والإرشاد والتوجيه، مرورا بوسائل الضغط المحسوب، وانتهاء بالعقاب وفقا للقانون واستنادا لأحكام القضاء، وأنا هنا اقر بان هناك العديد من الظواهر تحتاج لذلك، المهم كيف، وعلى أي أساس .
قبل كل شيء وللإنصاف أقول بان هناك أشياء ايجابية قد جرى علاجها في قطاع غزة، وعلى سبيل المثال الحد من ظاهرة الفلتان الأمني، وتهذيب النعرة العشائرية، هذه الأشياء وغيرها لا يمكن لعاقل إلا أن يدعمها، وفي ذات الوقت ان لا يصمت عن العديد من الأشياء التي لا تستقيم وطبيعة مجتمعنا، او تلك الإجراءات التي يجب التوقف عندها. وهنا اقول:
الفضيلة لا تقتصر على أشياء بعينها ، ولا تُفصل وفق المزاجات .. ولا يمكن ان تبدأ وتنتهي من حيث يريد البعض، حيث تنكسر عندما تمس مصالح المتنفذين ومن لهم حسابات خاصة في الحزب الحاكم.. لم المس هذه الفضيلة بإجراءات حاسمة على أبواب الأنفاق الحدودية التي تهرب الحبوب المخدرة – برغم بعض الإجراءات - والتي تأخذ الشباب إلى واقع التردي والانحدار؟ أين الفضيلة من سياسة إفقار الناس بسبب ارتفاع الأسعار والضرائب والرسوم التي تفرض على كل شاردة وواردة برغم شعار "نحن محاصرون الحقونا ياعالم" ؟ هذا الفقر الذي يأخذ الناس إلى مهاوي الرذيلة وكل موبيقات الحياة، أين الفضيلة عندما تستشري سياسة التمييز بين من ينتمي للحزب الحاكم وبين الآخرين، سواء كان ذلك في مجال التوظيف او توزيع المساعدات وغيرها ؟ أين فضيلتكم وقد تحول شعبنا "لعدو وناهب" للثورات ومصدرا للعنف في نظر من دعمونا وأحبونا من الشعب المصري ؟ حتى أن الفلسطيني بات مشبوها ومكروها في بلد طالما اشتاق لها واعتبرها وطنه الثاني ... أقنعوني بفضيلتكم عندما توقعون اتفاق وقف "إطلاق نار" مع الاحتلال الإسرائيلي المجرم بواسطة مصرية يوصف المقاومة بالأعمال العدائية؟! وما طعم الفضيلة التي تتحدثون عنها مع مواصلة تعميق انقسام الشعب والوطن الذي تتحملون مسئوليته مناصفة مع الآخرين؟.. طمنونا على فضيلتكم عندما تكسبون من الوقود المهرب عبر الأنفاق ما يزيد عن 250% بعد التكلفة، كله على حساب الشعب المغلوب على أمره والمحاصر؟ سلموا على شمس فضيلتكم عندما افتيتم بتحريم السجائر وتامين المركبات، ليصبح ذلك محللا عندما توليتم زمام السلطة، بل وفتحتم شركاتكم الخاصة من اجل ذلك !! ولماذا لم تصل الفضيلة إلى جيوب من اغتنوا واكتنزوا الذهب والفضة ليصبحوا أغنياء المرحلة في وقت قياسي، دون أن تجرى مساءلتهم وفقا لمبدأ " من أين لك هذا" ؟ أقنعوني كيف تتجلى الفضيلة في ظاهرة تزايد أعداد المتسولين في قطاع غزة، وارتفاع معدل الطلاق بصورة مخيفة، وتصاعد المشاكل الأسرية، وانخفاض قدرة الشباب على الزواج؟ وأين هي الفضيلة عندما تقتحمون خصوصيات الناس، وتضعوهم في مربع الإجرام دون ذنب اقترفوه سوى أنهم يلبسون ويتكلمون ويعيشون كما أرادوا لأنفسهم !! وهل انتصبت فضيلتكم عندما منعتم في رفح – على سبيل المثال – إقامة خيمة اعتصام تضامنا مع الأسرى نظمتها القوى الوطنية والإسلامية بتاريخ 7/4/2013م ؟!
نهج بدأ بخطوة صغيرة، كبر وتفرع وامتد، هم يتسربون إلى عمق المجتمع وفق منطق التدرج، يبدأون بتمرير موقف "ما"، يتحسسون ردة فعل المجتمع، يتراجعون إذا ما علت وتيرة الاحتجاجات، ثم لا يلبثوا أن ينقضوا من جديد، وعندما يجدون صمتا يذهبون إلى ما هو ابعد ومتدحرج.
يمسكون الآن بتلك القضايا التي تداعب مشاعر المواطنين مستغلين الموروث الثقافي القائم، وأحيانا ما يدغدغ مشاعر الناس الدينية، مستفيدين من عاطفة الناس، وهشاشة الوعي الديمقراطي في بلادنا، لكن الخطير في الأمر بان السير بهذا الاتجاه يعني ترويض المجتمع والتدرج به وصولا للانقضاض على ما هو ابعد وأعمق، واقصد هنا ضرب كل من يعارض فكرهم وسياستهم وتوجهاتهم، حينها سيسهل قمع واعتقال وتشويه الآخرين دون مقاومة مجتمعية فاعلة.
ياقوم .. مجتمعنا مجتمع مسلم لا تكفروه ضمنيا بقراراتكم وتوجهاتكم، عالجوا اعوجاج البعض على قاعدة القانون، ميزوا بين حريات الناس بموجب نصوص القانون، وبين المسلكيات التي تضر بالآخرين لتعالجوها بأساليب الترغيب لا التنفير، ولا تأخذوا المجتمع لما ليس عليه.. فمجتمعنا وسطي بطبيعته، وهو الطموح دائما للانطلاق والإبداع بعيدا عن القولبة والإسقاطات التي قد يخضع لها البعض أحيانا، لكنها بالتأكيد ستجد تفاعلاتها اللاحقة، ولعل في تجارب الشعوب ما يفيد ويعلم الكثير .
غزة/ 22-5-2013م
• عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت