فيصل الحسيني فارس القدس وشهيدها في ذكرى الرحيل

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس


تحلُّ على الشعب الفلسطيني اليوم الذكرى الثانية عشر لاستشهاد ابن فلسطين، وابن القدس البار فيصل عبد القادر الحسيني، وتأتي هذه الذكرى ثقيلة بكل ما تعني لفلسطين وللقدس الأرض والشعب على السواء، لما تشهده القدس من هجمة شرسة تستهدف الأرض والإنسان والمقدسات، فكم هي القدس وفلسطين تفتقد اليوم هذا الرمز من رموزها الوطنية، إنه الكبير المتواضع، والشجاع الحَيِيْ، وصاحب القلب الكبير، والروح الجامعة والفكر الثاقب، الذي حمل هم القدس وهم فلسطين، كان رحمه الله يعي ماذا تعني القدس لفلسطين وللعرب وللمسلمين والمسيحيين وللإنسانية، فمعركة فلسطين هي معركة القدس، ومن يكسب القدس يكسب فلسطين.

لقد كان دارساً لتاريخ القدس وفلسطين ومستوعباً لدروسه وعبره، ويعرف مكانتها في الصراع الدائر منذ الأزل، فأعطاها كل اهتمامه، فلا يوجد حجر في القدس ولا شجر ولا بشر، إلا وأخذ من اهتمام الشهيد فيصل، مدركاً أن من يعطي الأرض هويتها ومن يعطي المقدس قيمته هو الإنسان، فكان واسطة العقد لكل مكونات القدس الإنسانية، إسلامية ومسيحية سياسية واجتماعية، فكان قائداً فذاً، يجمع ولا يفرق، يستنهضُ ولا يخذِلُ مهما ادلهم الصعب، كان في المقدمة دائماً دفاعاً عن المقدسات ودفاعاً عن الإنسان ودفاعاً عن الأرض، لقد استحق بجدارة كل أوسمة النضال، والدفاع عن القدس والمقدسيين، وعن فلسطين والفلسطينيين، لا يألو جهداً، ولا يترك مناسبة أو حدثاً إلا والقدس وفلسطين حاضرتين فيه، فكان مناضلاً من طراز خاص، لا ترهبه إجراءات العدو، ولا تثنيه عن مواصلة النضال من أجل الهدف الذي نذر نفسه له، كما فعل والده من قبله الشهيد عبد القادر الحسيني، دفاعاً عن عروبة وإسلامية ومسيحية المدينة المقدسة، ودفاعاً عن حقوق شعبه المشروعة في وطنه فلسطين، كان رحمه الله مدرسة نضالية، كان مدينة في رجل، ووطناً في رجل، كان سهلَ القبولِ والوصول إلى النفوس، دون تكلف أو فيهقة، فأحبه الجميع، واستحق عن جدارة كل الأوسمة والألقاب في الدفاع عن القدس وما تمثله لفلسطين وللأمة، فهو فارس القدس، وأميرها، وبقي حتى لاقى وجه ربه على أرض الكويت الشقيق يوم 31/05/2001م وهو يحملُ همَّ القدس وهمَّ فلسطينَ، هذا الهمُّ الذي لم يفارقه لحظة واحدة، فقضى في سبيله، لقد أحبه شعبه وبكاه يوم فقده الكبير، بما يستحق العظماء من البكاء حين تحل ساعة الرحيل، وودعه شعبه بما يستحق من وداع، أرهب العدو الإسرائيلي، وفرض عليه هيبته، فأخلى العدو مواقعه في كل المدينة المقدسة خوفاً ورهبة من هذا الراحل العظيم ومن هذا الوداع الشعبي العفوي الكبير.

الشعب الفلسطيني اليوم يستذكر في فارس القدس وأميرها وشهيدها، كل هذه المعاني النضالية العظيمة، ليؤكد أنه على خطى هذا الفارس القائد في الدفاع عن القدس والوقوف في وجه الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تتواصل وتتصاعد لطمس هوية القدس وتهويدها، وقطع رأس المشروع الوطني الفلسطيني واستئصال قلبه (القدس)، لكن رفاق فيصل وإخوانه وأبناءه وأحفاده وكل شعبه، يحملون رسالته، ولن يكلوا عن مواصلة طريق النضال الذي قضى عليه فيصل من أجل القدس، عاصمة لفلسطين، ومن أجل أن يعم السلام مدينة السلام، وأرض السلام فلسطين.

رحمك الله يا فقيدنا الكبير وشهيدنا وفارسنا ومعلمنا، رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، أنت وجميع رفاق دربك الذين سبقوك، والذين ساروا على نفس الدرب، والتحقوا بك، فهنيئاً لكم جميعاً، قوافل الشهداء الأبرار، من أجل القدس، ومن أجل فلسطين، نذكركم جميعاً ولا ننسى أحداً منكم، ونعاهدكم المضي قدماً على طريق النضال والكفاح، حتى تتحقق كامل الأهداف التي قضيتم من أجلها، إن ما خلفتموه من إرث نضالي، يضيء الطريق لشعبنا ولأجياله المتوالية على طريق الحرية والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، أكدتم باستشهادكم أن الإرهاب لن يوقف مسيرة شعبنا نحو القدس، وسيبقى زيت ذكراك العطرة، يسيل في كل عام، ويضيء الطريق إلى القدس عاصمة فلسطين الأبدية.


د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 30/05/2013م الموافق 20/07/1434هـ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت