الموقف الإلتفافي للدبلوماسية الأمريكية

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس


باتت القضية الفلسطينية أكثر برودة وأقل استعجالاً في البحث عن حلٍ يحقق أماني الشعب الفلسطيني المرحلية، والتي يتطلع من خلالها الشعب الفلسطيني إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة عام 1967م وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
لقد تمكنت الدبلوماسية الأمريكية من الإلتفاف على الحراك السياسي والدبلوماسي الناجح الذي قادته القيادة الفلسطينية خلال العامين الماضيين، والذي تمكن فيه الفلسطينيون من إحكام العزلة السياسية والدبلوماسية على الموقف الأمريكي الإسرائيلي، والتوجه للأمم المتحدة للحصول على الإعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران والقدس الشرقية عاصمة لها، وصدور القرار رقم 19/67 الذي أقرت فيه الجمعية العامة الإعتراف بدولة فلسطين ومنحتها صفة العضو المراقب.

ولكن يبدو أن ما صرح به سفير إسرائيل في الأمم المتحدة حينها عندما قال: (( أن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم أنهم أصبحوا على لا شيء ..)) يكاد يتحقق من خلال الإذعان الفلسطيني للرغبة الأمريكية في منح السيد أوباما ووزير خارجيته جون كيري مهلة زمنية لأجل تحريك عملية السلام، والإعداد لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية تؤدي إلى إتفاق تسوية بين الجانبين بعيداً عن الأمم المتحدة.

لقد استنفذ السيد كيري المهلة التي طلبها وجرى تمديدها، ولم تظهر لغاية الآن أية مبادرة أمريكية جادة في هذا الشأن سوى كلام عن رزمة أفكار اقتصادية وأمنية غير متكاملة وغير مترابطة لتمثل مبادرة جادة تؤدي إلى مفاوضات ناجحة، في نفس الوقت الذي تتواصل فيه سياسات إسرائيل القائمة على التوسع والاستيطان في مدينة القدس وباقي أنحاء الضفة الغربية، والمناورة بهذا الشأن من خلال تسريبات لإدخال أطراف عربية تشترك مع الفلسطينيين في التغطية على ما يتوجب على الفلسطينيين التنازل عنه، سواء في القدس أو في منح الوجود العسكري والأمني الإسرائيلي غطاءاً عربياً وفلسطينياً مشتركاً، إضافة إلى ما جرى مع اللجنة العربية في واشنطن من إمكانية فتح مبادرة السلام العربية، في نفس الوقت الذي جمدَّ فيه العرب والفلسطينيون تثمير الإنجاز الدولي والدبلوماسي الذي تحقق بقبول فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة من خلال الامتناع عن متابعة ما يتوجب على هذا الإنجاز من انضمام دولة فلسطين إلى كافة المنظمات الدولية العامة والمتخصصة وخصوصاً منها القضائية مثل محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية ..الخ من التنظيمات الدولية التي من خلال التمتع بعضويتها يجري تجسيد الدولة الفلسطينية في النظام الدولي ومؤسساته، ويمثل مقدمة لتجسيدها على أرض الواقع، والتصدي للإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال من مواصلة بناء المستوطنات وتوسيعها بهدف إفشال أية عملية تفاوضية قد يتم الترتيب إليها لاحقاً، ويأتي الإعلان الإسرائيلي عن اعتماد بناء آلاف الوحدات السكنية في مدينة القدس، ليضاعف أعداد المستوطنين الذي يربو على ستمائة ألف مستوطن في الضفة والقدس، ما يعني مستقبلاً أن إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة ومستقلة وقابلة للعيش والقدس عاصمة لها بات أمراً مستحيلاً، إذا ماترتب على ذلك مراعاة هذه التغييرات في أية مفاوضات قادمة، وبالتالي يصبح مشروع التسوية القائم على مبدأ الدولتين مشروعاً غير قابل للإنجاز، إلا وفق الرؤية الإسرائيلية الكاملة والقائمة على اعتبار كامل إقليم فلسطين أرض إسرائيلية، وأن ما يمكن أن تتنازل عنه من أراض للفلسطينيين هو منحة إسرائيلية وتنازل مؤلم تقوم به القيادة الإسرائيلية من أجل إيجاد حل للسكان من غير اليهود على أرض إسرائيل !!!

إن وقف هذه السياسة والمنحى الخطير ومواجهته بات ضرورة ملحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وإن استمرار المراهنة على مواقف الدبلوماسية الأمريكية وتخيلات رئيسها السيد جون كيري، مراهنة خاسرة ومضيعة للوقت، وماهي إلا غطاء أمريكي ذكي لإجراءات الحكومة الإسرائيلية التي انحازت إلى التوسع والاستيطان على حساب التسوية والسلام، الفلسطينيون مطالبون اليوم قبل فوات الأوان بإعادة حساباتهم السياسية، وإعادة النظر في سياساتهم واستراتيجياتهم لمواجهة هذا العدوان المتصاعد على حقوقهم وإعادة توظيف كافة الأوراق السياسية المتوفرة وهي ليست قليلة أو عديمة الفائدة والأهمية، وكشف الغطاء من جديد عن الموقف الإلتفافي للدبلوماسية الأمريكية الذي وفر المظلة والحماية للسياسات الإسرائيلية، وعدم مواصلة الإنخداع بظاهر الدبلوماسية الأمريكية، واستمرار الاستسلام لسياسة العجز والتردد والانتظار.

د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 02/06/2013م الموافق 23/07/1434هـ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت