هل تركيا ديموقراطية من الدرجة الثانية؟

بقلم: مصطفى إبراهيم


ربما كان لتصريحات أردوغان الاستعلائية واتهامه المتظاهرين بالمتطرفين وأنهم اقلية ورعاع وان هناك مؤامرة، واتهام وسائل التواصل الاجتماعي بالكذب، وتدخل الشرطة العنيف لتفريق التظاهرة السلمية في ميدان " تقسيم" باسطنبول، وانضمام مثقفون وجمعيات اهلية و نقابات عمالية تمثل مئات آلاف الاشخاص للتظاهرات لاحقا.
كل ذلك اشعل حركة الاحتجاجات ضد حكومة أردوغان في ارجاء تركيا للمرة الاولى منذ تولي حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان السلطة في العام 2002، و خلال فترة العشرة ايام من الاحتجاجات قتل اربعة اشخاص من بينهم شرطي، كما اصيب اكثر من اربعة آلاف شخص بجروح اثناء قيام الشرطة بتفريق التظاهرات مستخدمة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.
مثقفون وفنانون و أدباء وكتاب، وسياسيون من الاحزاب المعارضة نددوا بحكومة أردوغان لأنها لم تأخذ رأي الشعب في خططها لإعادة تطوير حديقة "تقسيم" في اسطنبول.
ووجهت انتقادات دولية خاصة من الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي لطريقة معالجة الحكومة التركية الازمة والاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة، رغم اعتراف الحكومة التركية بذلك، إلا ان وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو قام بالرد على وزير الخارجية الاميركي جون كيري بالقول ان "تركيا ليست ديموقراطية من الدرجة الثانية".
من حق الاتراك الاحتجاج والتظاهر سلمياً، ومع ذلك لا يحتاج الأتراك إلى التظاهر في الساحات والهتاف ضد النظام فتركيا أجريت الانتخابات فيها العام 2011، وفاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية، وهو من يقود تركيا بقيادة أردوغان، وفي حينه كانت الاحزاب التركية العلمانية وما زالت ضعيفة وغير موحدة ولم تستطع منافسة حزب العدالة والتنمية، فالأتراك باستطاعتهم التوجه الى صناديق الاقتراع في أي وقت ويعبروا عن غضبهم عبر صناديق الاقتراع ضد أردوغان وحزبه لان النظام الديمقراطي والانتخابات تتم بمواعيدها وفق معايير ديمقراطية.
لذا في بداية التظاهرات لم نلاحظ أن المتظاهرين رفعوا شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، المتظاهرون اتهموا أردوغان باعتماد نهج سلطوي وقمعي في الحكم، وانه يسعى لأسلمه تركيا العلمانية والتراجع في الحريات العامة، وطالبوا باستقالة مدير الشرطة والتراجع عن تغيير ملامح ميدان تقسيم، و انتقدوا ما اسموه الإعلام المضلِّل والتابع للحكومة، واتهموا بعض وسائل الاعلام بتزوير الحقائق لمصلحة عقوده التجارية مع الحكومة.
ما جرى في تركيا مثير للآمال لدى اعداء تركيا من الخارج، والذين لا يرغبون ان تبقى تركيا قوة اقليمية كبيرة، والشامتين من العرب، ولدى المعارضة والشباب والمنظمات الاهلية العلمانية، ويجب ان يكون مثير للقلق والمخاوف لدى حزب العدالة والتنمية، وتوجيه الاتهامات للمتظاهرين وعدم التعامل بعنجهية واستعلاء مع الاحتجاجات التي جرت والقابلة للاشتعال، و مع ان التجارب التي حدثت في الوطن العربي مختلفة عما يجري في تركيا التي تمارس فيها الانتخابات وفق المعايير الديمقراطية، وان أردوغان لا يستطيع المس بالدستور وهو لم يأتي الى الحكم على ظهر دبابة، ومكلف من الناس لفترة زمنية محددة.
و ربيع تركيا سبق الربيع العربي، وخاض الاتراك والأحزاب العلمانية حربا شرسة إلا ان تم قبول الاسلاميين للعلمانيين والعكس، وخاض حزب العدالة والتنمية حربا ضد بعض مؤسسات الدولة خاصة الجيش التي شابها الفساد، لكن هذا لا يعني أن قسم كبير من الاتراك هم مع سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وانه محصن ضد الاحتجاجات، فتركيا بها إثنيات وعرقيات مختلفة.
كثيرون من الاتراك يرون في سياسة أردوغان وحزب العدالة والتنمية بأنه خطر على تركيا العلمانية، وان الاحزاب الاسلامية تضمر بداخلها عكس ما تظهره وخشيتهم من تغيير القوانين، ومواجهة التظاهرات ومطالب الناس بالقمع والقوة المفرطة خطير و مجازفة غير محسوبة.
افضل الطرق لاحتواء الاحتجاجات ومخاوف الاخرين هو الاستماع الى مطالب الناس وطمأنتهم وعدم الاستهتار بالمتظاهرين ووصفهم بالرعاع والمتطرفين، والإثبات ان تركيا ليست دولة ديمقراطية من الدرجة الثانية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت