إنها ليست الحرب،بل التفاوض تحت النار

بقلم: راسم عبيدات


في اعقاب ما حققه الجيش السوري وحلفاءه من حزب الله وايران في القصير من إنجاز كبير،تمثل بقطع الشريان الرئيس الذي يغذي كل العصابات والمجرمين والإرهابيين بالمقاتلين والمال والسلاح والغذاء،وكذلك قتل وإعتقال وجرح المئات منهم،فإن النظام السوري بات في وضع مريح،ويستطيع ان يفرض شروطه بكل اريحية في أي محادثات سياسية قادمة جنيف(2 )،وحشد قواته من اجل تطهير مدينة حلب من دنس ورجس تلك العصابات،حلب العاصمة الصناعية التي تعرضت حبوبها وثرواتها ومتاجرها ومصانعها للنهب والحرق والسرقة والنقل الى تركيا،وهذا اصاب تلك العصابات وكل الداعمين لهم عربياً وإقليمياً ودولياً بالذعر والخوف،حيث بدات التحركات السياسية والعسكرية والإتهامات للجيش والقيادة السورية،وكذلك التحذيرات من التقدم تجاه حلب،فعلى هذا الصعيد قطع أمير السعودية زيارته لتركيا وأرسل أفضل كلابه البوليسية والأمنية والسياسية بندر بن سلطان وسعود الفيصل الى فرنسا التي تشاطره وجهة النظر في التدخل العسكري المباشر في سوريا،وكذلك إنتصار الجيش والقيادة السورية،يعني هزيمة المشروع الوهابي في كامل المنطقة،وعلى نفس الصعيد والنسق أعلنت أمريكا بانها ستقوم بتسليح ما يسمى بالمعارضة السورية بأسلحة نوعية،ولفقت كما حدث في العراق تقريراً،يتهم فيه الجيش السوري بإستخدام الأسلحة الكيماوية،واعلنت عن عزمها إقامة منطقة حظر جوي قرب الحدود الأردنية - السورية وارسلت بطاريات باتريوت الى الأردن،في حين قامت اسرائيل بإجراء مناورات عسكرية ضخمة،وعهد الى مشيخات النفط ومصر بالتمويل المالي والمواقف السياسية والفتاوي الدينية،وتجنيد المرجعيات الدينية وأئمة المساجد والجوامع في عمليات التحريض ونقل الفتنة المذهبية والطائفية من المستوى الرسمي الى المستوى الشعبي،حيث إجتمع مجموعة من الخوارج في مصر تحت مسمى هيئة علماء المسلمين،وبثوا سموهم وحقدهم الدفين على كل ما هو عروبي وقومي،وتنفيذاً لدور تاريخي أتقنوه واجادوا فنونه في الخسة والنذالة والتآمر والخيانة،فكانت ما يسمى بفتاوي الجهاد في سوريا،وفتاوي التخوين والتكفير،والتي بسببها أصبح القتل في سوريا ياخذ طابعاً مذهبياً وايضاً التحريض المذهبي والطائفي على حزب الله وسوريا وايران والدعوة الى مقاطعة البضائع الإيرانية،وتنفيذاً لذلك قام مرسي الرئيس الإخونجي وليس الرئيس المصري لأن المصريين براءة منه ومن امثاله،بالتأكيد على فتوى الجهاد ضد سوريا وإغلاق سفارتها في القاهرة وقطع العلاقات معها،ولو كان لديه ذرة خجل لما تحدث من قرب السفارة الإسرائيلية الرابضة في قلب قاهرة المعز،وما إمتلأت أسواق بلده وغيرها من بلدان النفط والكاز والأردن بالبضائع الإسرائيلية،والغريب ان تلك الفتاوي الجهادية هي حصرية في سوريا،هي وجهاد المناكحة،وفتوى الجهاد الحقيقي تاخذ صفة التحريم والمنع في فلسطين والدفاع عن مسرى الرسول واولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى،وواضح بان تلك الفتاوي ليس لها علاقة بالدين ومصلحة الإسلام والمسلمين،بقدر ما هي فتاوي إخونجية خدمة لحركة ولمشروع سياسي تصفوي لكل ما هو قومي وعربي،ونحن لا نحتاج للتدليل والتأكيد على ذلك،حيث أن رسائل الرئيس الإخونجي مرسي الى رئيس دولة الإحتلال بيرس،تكشف الحقيقة بدون مواربة،عندما ليس فقط يخاطبه بعزيزي وصديقي بيرس،بل وخاطبه قائلاً ،وانه من حق دولتكم الفتية ان تعيش بامن وإستقرار.

وعلى الصعيد المقابل وجدنا ان حزب الله الحليف الإستراتيجي للنظام السوري قد عزز من حضوره ووجوده العسكري خلف نهر الليطاني،ورفع من درجة التاهب والجاهزية لمقاتليه،تحسباً لأية تطورات قد تحدث،ورفرفت اعلام حزب الله على بضعة مئات من الأمتار على الحدود اللبنانية -الفلسطينية الشمالية،وروسيا والصين وكوريا الشمالية،اعلنت وقوفها الى جانب القيادة السورية،ورات في أي محاولة امريكية لفرض منطقة عازلة على الحدود الأردنية – السورية،خطوة آحادية خارج إطار هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي،وكذلك فوز المرشح المعتدل حسن روحاني،يعزز من وحدة الداخل الإيراني،ويبقي على الثوابت في سياستها الخارجية بالتحالف الإستراتيجي مع النظام السوري وحزب الله.

من المعطيات التي تم التطرق إليها،واضح بأن هناك حرب او معركة عسكرية تقترب بشكل كبير وتلوح في الأفق،ولكن رغم كل هذا الضجيج والتحشيد،فإنني لا زلت مقتنعاً،بان ذلك هو نوع من التفاوض تحت النار،حيث ان الهدف من ذلك منع النظام السوري من إستكمال السيطرة على مدينة حلب وتصفية قوات ما يسمى بالجيش الحر وإرهابي جبهة النصرة والسلفيين التكفيريين وغيرهم،لأن من شأن ذلك ان يجعل مؤتمر جنيف(2 ) بدون جدوى او فائدة،وهي بحاجة إلى ان يجري تعديل في ميزان القوى العسكري على الأرض،لكي يمكن الأطراف المشاركة في العدوان على سوريا في الداخل والخارج من تحقيق جزء من شروطها في التفاوض.

ولذلك من المرجح أن تستمر الأزمة السورية،وعمليات القتل والدمار،حيث ان أمريكا وإسرائيل،بشكل أساسي تريدان ان يستمر الإقتتال الداخلي في سوريا،حيث ان ذلك يدمر سوريا كبلد ويضعف الى حد كبير الجيش السوري،ويجعل من سوريا دولة فاشلة،غير مؤثرة وفاعلة في القضايا العربية والإقليمية،والنتائج المتحققة من ذلك أفضل لهما من إرسال قواتهما الى سوريا من اجل القتال وما سيترتب على ذلك من خسائر بشرية.
وكل هذا التحليل لا ينفي بأنه قد يكون هناك تطورات دراماتيكية خارجة عن المألوف،من شانها ان تدفع بالأمور نحو حرب شاملة تاخذ أبعاداً الشمولية،إذا لم يتم ضبط الإيقاعات من مختلف الأطراف،فانا على قناعة راسخة بأن روسيا،لن تجعل مصالحها تحت رحمة امريكا والغرب الإستعماري،وكذلك فإن سوريا جادة في فتح جبهة الجولان كجبهة مقاومة في وجه الحلف المعادي،وإيران هي كذلك لن تتخلى لا عن سوريا ولا حزب الله،فهي تدرك جيداً بان المعركة على سوريا،هي معركة عليها وعلى حزب الله،وتبقى الأيام القادمة حبل بالتطورات،وهي مفتوحة على كل الإتجاهات والخيارات،ولكن الخيار المرجح هو الإستمرار بالتفاوض تحت النار.


القدس- فلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت