الصراع في العالم العربي لحساب من ؟

بقلم: هاني العقاد


منذ سنوات والعالم العربي يقع ضحية مخطط تقسيمي كبير لا يدرك خطورته الكثير لان المستوي السياسي العربي يطارد الرغبة في الاستيلاء والتفرد في الحكم وامتلاك كل مقدرات البلد باعتبار أن المقابل والأخر غير شريف ولا يمكن قبوله ,ولا يمكن مشاركته في إدارة حتى مطعم لفقراء هذا البلد , منذ سنوات وتيار ما بالعالم العربي يجرب الاستيلاء على فكر الشعوب ويحاول السيطرة عليها وتوظفها لخدمة مشروعه, لا أنكر أن هذا التيار يستخدم الدين لمثل تلك التحولات والسيطرة للعب على رغبة المجتمعات العربية التي تنحاز إلى الإسلام وأوامره ونواهيه ,إلا أن هذا التيار سرعان ما يكشف ذاته من خلال برجماتية فتاويه التي تصدر لصالح جماعة واحدة ,بالتالي يولى الاهتمام لكل رغبات وطموحات هذه الجماعة دون غيرها , وهذا ما يخلق نوعا من الصراع الداخلي بين أفراد الجماعة انفسهم و الجماعات الاخرى, فالصراع بين أفراد الجماعة ينشأ من خلال التحيز لقوي ما داخل التيار ,وفي نفس الوقت التمييز عند توزيع الغنائم على أفراد الجماعة , فينشب صراع وتتجزأ الجماعة إلى وحدات وتكتلات ما...! حسب الرؤؤس التي تتولى مراكز القوي بالجماعة , لكن لن يصل هذا الصراع إلى مرحلة الصدام لان الأخر هو وجهة الصدام , والصراع الأخر بين الجماعة وأعضائها ومن هم في الجماعات الاخرى يتطورالصراع يوما بعد يوم حتى يصل الى مرحلة المواجهة لان الأخر يعتبر نفسه مواطنا من الدرجة الخمسين ويعتبر أن البلاد كلها وظفت لخدمة فئة ما فقط , فكل الصلاحيات والمميزات والتسهيلات والمكافئات والهبات والترقيات الوظيفية لفئة دون أخري ولأفراد دون آخرين .
هكذا يشعر الكثير من أبناء المجتمعات في كثير من الدول العربية وخاصة تلك الدول التي تحيط بفلسطين و فلسطين ذاتها لان المخطط هو البدء بتفتيت قوة الأقرب من حلقة الصراع ومن ثم تفتيت وتجزئة وتشتيت الباقي والاستفادة من هذه التجزئات في إحداث ثقوب سوداء في كل جدار عربي يحيط بحدود واحدة تشترك فيها مع فلسطين , وقد يعتبر البعض أن تلك الثقوب هي خطر على إسرائيل ونقول نعم هذا لو لم تكن إسرائيل وراء اختراع تلك الثقوب وصهيونيتها وراء التفتيت والتجزئة , سيناء اليوم أصبحت من اعقد المناطق في العالم العربي, ليس لأنها تحادد إسرائيل فقط وإنما لأنها تحادد قطاع غزة , فلو لم يكن الحكم في مصر وغزة مبنى على أيدلوجية واحدة لما كانت سيناء امتلئت بالمتناقضات من قوي إسلامية وغير إسلامية وأصبحت ساحة صراع بين أدوات إسرائيل وأدوات الدولة الرسمية والجماعات الاخرى , وهذا يشعرنا بأن هذا الثقب الأسود ساحة من ساحات الفوضى لصالح طرف واحد فقط بالمنطقة ألا وهو الطرف الأقوى وهو إسرائيل , سيناء تحترق وتفصل رويدا رويدا عن أمها تحت ذريعة العديد من المسميات القاتلة ,فناسها يعتقدوا أن امتلاكهم زمام الأمور بالقوة وتنمية الجماعات المسلحة داخلها سيأتي بالخير لهذه البقعة.
مصر الداخل بدأت تحترق بلا نار وتضعف بسبب هيمنة الأخوان على مقاليد الحكم بايدولوجية لا تتيح قبول الأخر واستيعابه ومشاركته مشاركة حقيقية قائمة على أسس تنمية ورعاية المجتمع وتوفير له البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السليمة لينمو ويتطور وتنمو وتتطور معه الدولة , الشعب المصري فجر الثورة وخلع مبارك على أمل أن تتحسن حياته السياسية و الاقتصادية فوقع في شرك اكبر من الذي كان عندما اعتبر الإخوان أنفسهم أبناء مصر فقط وغيرهم لا ,ومن هذا المنطلق حللوا ما كان محرما عليهم قبل ذلك وشرعوا كل ما كان غير مشرع عبر لجنة دستور خاصة وقوانين لا تعتبر للكل المصري بقدر ما هي لجماعة محدد ,وما الاختباء وراء المصلحة العامة والشعب ألا من مداخل الهيمنة ليتم الاستيلاء على كل مقدرات الدولة ولتحرق مصر وباقي شعبها وتبقي الجماعة قوية مصانة صفوفها , فلا يهم امن الآخرين بقدر امن المستنفذين ولا يهم يسرة الحياة بقدر ما يهم حصول رجال الدولة وأعضائها على كل ما ييسر لهم الحياة ويثبت أقدامهم .
سوريا تحترق ويموت ناسها بسبب أو بدون سبب ,فالقتل هو السياسة التي تحكم البلد والحرق والتدمير هو الأسلوب الوحيد الذي يعرفه المختلفين معارضة أو نظام ,وبالتالي فلا احد يعنيه سوريا ولا يعنيه شعبها و لا تاريخها ولا وحدته ترابها , فقد أصبحت سوريا ساحة ما للصراع المركزي ,روسيا تدعم القتل والتدمير والاغتصاب والانتقام وتصل أسلحتها بالطبع لطرف ما دون الأخر ,وأمريكا ترسل أموالها وأسلحتها أيضا لطرف ما دون الأخر ,وإسرائيل تلعب كما الثعلب الذي يترقب سقوط الفريسة ليخطفها ويهرب , إيران يعنيها بقاء حليف لها بالمنطقة إلى جانب حزب الله ,لذا دفعت بقوات حزب الله لتحرق هي الأخرى ما يتركه النظام السوري , العراق ماتت عروبتها حينما اغتصبت واحتلت وفعل الاحتلال فيها ما لا يفعله احد , فقد قسمت العراق إلى دويلات وشيع وقبائل و كل قبيلة ودولة فرحة وتتلقي الدعم المناسب من ذات الراعي لتلك العصبية , وتقسيم ليبيا على الطريق بعد فقدان الأمن والاستقرار وضياع هيبة الدولة وعدم قدرتها على توفير حياة كريمة رغدة لكل مواطنيها .
بالفعل العالم العربي يحترق بسبب اللعب بالايدلوجيا على حساب الإستراتيجية ,فالإسلام يتصارع مع الإسلام في كل مكان, الإسلام السني يتصارع مع الإسلام السني في غزة ,وفي مصر يتصارع الإسلام السلفي مع أسلام الإخوان وإسلام الإخوان لا يقبل السنة المعتدلة مع أن ايدولوجية الإخوان أخذت تتغير إلى أفكار اقل تعصبا تدريجيا بحسب مصلحة الجماعة إلى أيدلوجية معتدلة قد تقبل أو قبلت التعامل مع القوي المركزية لتضمن بقائها وقوتها ,والإسلام السني يتصارع مع الإسلام الشيعي في العراق وسوريا , وهذا يعتبر صراع إسلامي خطير لحساب غير إسلامي , وحساب غريب عن عالمنا العربي ستدفع ثمنه الأمة العربية من وحدتها وتدفع ثمنه من أراضيها التي باتت حقل لكل عمليات النهش والتدخل والهيمنة والاستخدام الاستعماري وعملياته القاتلة, واستخدام القوي المحلية لأجندته الخاصة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت