حكومة الدكتور رامي الحمد الله الحكومة السادسة عشر شأنها شأن كل الحكومات الفلسطينية فقد تواجه عدد من العقبات والمعيقات في طريقها نظراً للواقع المحيط بها سواءً على صعيد عملية السلام التي وصلت إلى طريق مسدود بفعل تنكر حكومة نتنياهو لحل الدولتين أو على صعيد الوضع الداخلي الفلسطيني الذي يشهد تدهوراً في اقتصاده نتيجة التضخم المالي وارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة بالإضافة إلى العجز المالي لخزينة السلطة الوطنية الفلسطينية والتي بلغ نحو 1,7 مليار دولار مع تسجيل تراجع ملحوظ في أداء القطاع الخاص الفلسطيني واعتماد كلي على إيرادات الضرائب وأموال المانحين.
تحديات كبيرة ستواجه الحكومة الجديدة، ولكن هذه التحديات يجب أن لا تكون عامل إحباط وأن لا تكون مدخلاً نحو اليأس ولقد لمسنا من تصريحات دولة رئيس الوزراء منذ توليه هذه المسؤولية الكبيرة الإرادة القوية نحو السير قدماً باتجاه النهوض بالاقتصاد الفلسطيني والسير في تجسيد مقومات الدولة الفلسطينية وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وهنا لا بد من الإشارة إلى موقف جسده الدكتور رامي الحمد الله ربما أعطى لنا تفاؤلاً نحو السياسة الجديدة التي ينتهجها من اجل تجسيد السيادة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 حدود الدولة الفلسطينية عندما رفض التنقل والتحرك برفقة الأمن الإسرائيلي في المناطق المصنفة C باعتبارها ارض فلسطينية إلى جانب زيارته إلى المسجد الأقصى وتفقد باحاته دون حراسات إسرائيلية، لتحمل هذه الزيارة الرسالة السياسية الأولى للحكومة مفادها ليس لإسرائيل فقط بل للمجتمع الدولي أن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية، ولا سيادة للاحتلال عليها وان حمايتها والحفاظ على هويتها في سلم أولويات الحكومة .
ولكن يبقى التحدي الأكبر للحكومة هو النهوض بالاقتصاد الفلسطيني وأن ثقتها بالشارع ستكون مرتهنة بما ستحققه في هذا الجانب كون الاقتصاد مرتبط ارتباطاً مباشراً بالمواطن الفلسطيني لذلك مطلوب من رئيس الحكومة ونوابه تبني برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي يراعي عدة أبعاد رئيسية أهمها منح الاقتصاد الوطني القدرة على تحقيق النمو والتشغيل من خلال مراجعة السياسات المالية ، وإعادة النظر في باب الضرائب وضرورة تذليل العقبات الاقتصادية، بهدف تعظيم موارد الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفع مخصصات الصحة والتعليم والإسكان بالموازنة العامة ولتحقيق ذلك مطلوب من الحكومة العمل على فك الارتباط ما بين الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي لإنهاء حالة التبعية، ويحتم ضرورة إنهاء العمل باتفاق باريس الاقتصادي، ورفض الاتحاد الجمركي مع دولة الاحتلال، والذي لن يكون إلا عبر القنوات السياسية الدبلوماسية التي تربطها علاقة تكاملية مع عملية البناء الاقتصادي المستند إلى خطة وطنية للتنمية؛ تكفل إنشاء بنك مركزي فلسطيني وإصدار عملة فلسطينية، وإتباع سياسة رقابة وإشراف فعالة موضوعية على القطاع المالي والمصرفي وقطاع التأمين، وذلك بهدف المحافظة على الثروة الوطنية وتوجيهها نحو الاستثمار الداخلي والحد من استثمارها في الخارج وبغرض توفير التسهيلات الائتمانية الضرورية للقطاعات الإنتاجية المختلفة، خطة تكفل حرية الاقتصاد والمبادرة الفردية في نطاق التخطيط العام للدولة، وبما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ومعالجة المشكلات والأعباء الاقتصادية والمعيشية للعمال والفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، وذلك من خلال توفير الظروف الملائمة لنمو وتطور مختلف القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة والمشتركة، وفق خطة وطنية اقتصادية تعتمد التكامل والتنسيق بين هذه القطاعات.
كما مطلوب من الحكومة ضبط الإنفاق الحكومي الجاري، وإعطاء أولوية للإنفاق في مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة، وتوجيه المعونات والقروض الخارجية لتحقيق هذه الأهداف، ووضع حد للاقتراض الحكومي لقروض قصيرة الأجل، وتقليص الجهاز الإداري الحكومي المتضخم وتحويل فائض الموظفين إلى المشاريع التنموية، والاكتفاء بجهاز كاف للخدمات الأساسية بأقل التكاليف، والعمل على بناء الوزارات والهيئات والأجهزة ذات الصلة بعملية التنمية، وإنهاء حالة التداخل والتضارب والفوضى الإدارية، واعتماد سياسة إدارة اقتصادية تهدف إلى استقطاب الكفاءات والخبرات الفلسطينية المحلية ومن الخارج، بعيدا عن الفئوية السياسية والمصالح التنظيمية الضيقة، ووضع آليات وأنظمة تكفل تكافؤ الفرص في الوظائف الرسمية للموظفين، بما في ذلك أنظمة اختيار واضحة وصريحة تحول دون المحاباة أو المحسوبية، ووضع قوانين للمحاسبة ضد أية مظاهر للفساد والرشوة واستغلال النفوذ.
كما يتطلب من الحكومة الجديدة خلق المناخ الملائم لتنشيط وتطوير الاستثمار والقطاع الخاص، عبر وقف السياسة العشوائية التي تؤدي إلى زيادة نزعة الاستيراد والصفقات التجارية على حساب دعم وتشجيع الإنتاج الوطني، وسن القوانين والتشريعات التي توفر مناخا مستقرا وديمقراطيا لعملية الاستثمار بهدف جذب المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين في الخارج والذين أبدى العديد منهم حماسا كبيرا للمساهمة في عملية إعادة إعمار الوطن، وذلك بتوفير المناخ الاستثماري والإداري المناسب، والمناخ السياسي الديمقراطي الملائم لجذبهم وتعزيز شعورهم بالانتماء الوطني، وإيجاد آليات ملائمة تتيح لهم المشاركة في رسم السياسة الاقتصادية الفلسطينية.
كما مطلوب من الحكومة الفلسطينية إيلاء الصناعة الوطنية اهتماما خاصا، الأمر الذي يشكل مفصلا من مفاصل التنمية الاقتصادية ذات المضمون الاجتماعي، والتي تأخذ بعين الاعتبار مصلحة طرفي عملية الإنتاج "العمال وأصحاب العمل"، ولا تحمل عبْ التنمية على طرف دون الأخر، وتوسيع وإقامة الصناعات الصغيرة لتلبية احتياجات السوق المحلي وتعتمد بشكل أساسي على المواد الأولية المحلية وتساهم في التشغيل وإيجاد فرص عمل جديدة، وخلق المناخ الاستثماري لإقامة وتوسيع الصناعات المتوسطة والكبيرة القادرة على تأمين سلع بديلة للسلع المستوردة وخاصة الإسرائيلية، ، والعمل على إقامة المدن والمناطق الصناعية بالاعتماد على الموارد الفلسطينية ودعم الدول المانحة وعدم إخضاعها للقيود الإسرائيلية، وإقامة بنك وطني للإنماء الصناعي.
كما ولا بد من تحقيق استقلالية قطاع الطاقة من خلال بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، وبناء منظومة كهربائية فلسطينية، والسيطرة على جميع الشبكات وخطوط الضغط العالي وتطويرها وتوسيع خطوط التوزيع للأنظمة الكهربائية لسد الحاجات الداخلية المتنامية، وربط الشبكة الفلسطينية بالشبكة الإقليمية للدول العربية المجاورة، وفك التبعية الكهربائية مع شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية، وتحقيق استقلالية قطاع المحروقات ببناء مصفاة نفط وطنية وباستيراد النفط من الدول العربية.
كما أن النهوض بواقع قطاع السياحة يجب أن يكون ضمن أولويات الحكومة عبر تطوير بنيته التحتية وتنفيذ المشاريع المختلفة في مجال بناء الفنادق والمؤسسات السياحية المختلفة، والحفاظ على الأماكن التاريخية والأثرية وترميمها وصيانتها وتأميمها، والتوسع في الحفريات والبحث عن الآثار ومحاربة سرقتها والعمل على استرداد ما سلبه الاحتلال الإسرائيلي خلال احتلالها للأراضي الفلسطينية .
إن اقتصاد وطني مستقل يتطلب استعادة السيطرة الفلسطينية على كامل حصتنا من البحر الميت وثرواته، ووقف النهب الإسرائيلي للأحواض المائية الفلسطينية ولمياه نهر الأردن، وذلك كي تتمكن الدولة الفلسطينية من تلبية احتياجات الزراعة والصناعة والخدمات الأساسية والاستهلاك المنزلي، وإقامة محطات لتنقية المياه العادمة لاستخدامها للري الزراعي ومن أجل المحافظة على البيئة.
كما مطلوب من الحكومة العمل على حل مشكلة السكن المتفاقمة بإقامة مشاريع إسكان صحية ورخيصة الكلفة ليتسنى للفئات الشعبية ومحدودي الدخل الاستفادة منها، وتقديم قروض إسكان ميسرة وطويلة الأجل للمستحقين لإقامة بيوتهم الخاصة في المدينة والقرية على حد سواء والعمل على تعزيز صموده .
وهنا اطلب من دولة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله أن يسير على خطى سلفه الدكتور سلام فياض الذي حمل شعار " هم يدمرون(المقصود الاحتلال) ونحن نبني(المقصود الفلسطينيون) ، للحفاظ على البقاء والوجود الفلسطيني وتعزيز صموده على الأرض هذا النهج الذي حمله الدكتور سلام فياض أزعج الاحتلال الإسرائيلي لأنه كان يدرك أن سياسته ستبوء بالفشل ما دام هناك من يعمل على تعزيز صمود المواطن الفلسطيني إلى جانب الاهتمام بالمناطق المهمشة والنائية والتي كانت ولا زالت مطمعاً للاحتلال خاصة في مناطق الأغوار والمناطق المحاذية للمستوطنات فسياسته التنموية بإقامة مشاريع تنموية لهذه المناطق ساهمت بتعزيز صمود المواطن الفلسطيني وجعلته قادراً أن يقف في وجه الاحتلال وسياسته العنصرية الرامية إلى التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم وأنا على يقين أن دولة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله سيسير على هذا النهج الوطني والفريد نهج الدكتور سلام فياض من اجل الصمود والبقاء على أرضنا .
إن ايلاء الحكومة الفلسطينية لهذه القضايا سيكسبها ثقة الجمهور الفلسطيني وسيعطيها قوة الصمود والبقاء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياسته الاستيطانية والتهويدية وسيمكنها أيضاً من الاستمرار في مواصلة نضالها السياسي والدبلوماسي من اجل تجسيد السيادة الكاملة للدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
انتهى ،
17/6/2013م
بقلم المحامي / لؤي زهير المدهون
عضو المكتب السياسي – حزب فدا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت