الثقافة الفلسطينية في المواجهة

بقلم: شاكر فريد حسن


بعد هزيمة حزيران 1967 واحتلال الضفة والقطاع تشكلت في المناطق الفلسطينية ثقافة جديدة هي ثقافة المواجهة والمقاومة .وهذه الثقافة شكلت سلاحاً هاماً وأداة حادة بأيدي الشعب الفلسطيني في معاركه الوطنية الحضارية من اجل الحرية والاستقلال.
وارتبطت هذه الثقافة بحياة وواقع الجماهير الشعبية الكادحة المقهورة في مخيمات البؤس والجوع والشقاء ، ولامست جراحاتها وعذاباتها ،وعبرت عن همومها واحزانها وقضاياها وطموحاتها وامانيها المستقبلية، واستوعبت التطورات والمتغيرات الاجتماعية في ظل الاحتلال.
واستطاعت هذه الثقافة ان تغرس جذورها في الارض الفلسطينية وفي اعماق الجماهير ، رغم العراقيل والمصاعب من قبل سلطات الاحتلال ، التي قامت باعتقال الكثير من الكتاب والأدباء المساهمين والفاعلين في العملية الثقافية، وقطعت شوطاً طويلاً في مجال بناء الصرح الثقافي الوطني الفلسطيني والإنساني التقدمي ، وقامت بدور طليعي وريادي هام في تعبئة الشعب وتنمية الوعي الكفاحي المقاتل .
وهذه الثقافة وجدت تجسيداً لها في ظهور المنابر الأدبية والثقافية والمسارح والفنون التشكيلية والغناء الوطني الملتزم، ونمو حركة أدبية جادة ونشطة ملتحمة بحركة الجماهير وقضاياها الوطنية والطبقية ، واستهدفت المشاركة في العملية النضالية، والدفاع عن الهوية والوجود الفلسطيني، وخلق علاقة جدلية بين الإنسان والواقع الحياتي اليومي.
واحتضنت هذه الحركة الاقلام الأدبية الناضجة والواعدة في مختلف انواع الكتابة الأدبية الإبداعية ، التي اصبحت فيما بعد رموزاً واعلاماً . ومن الأسماء الاولى التي ظهرت وساهمت في ارساء وتطوير الحركة الثقافية في الضفة والقطاع ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر .. في مجال الشعر : خليل توما،احمد عبد احمد،عبد اللطيف عقل،علي الخليلي،عبد الناصر صالح،اسعد الاسعد،وليد الهليس،باسم النبريص،توفيق الحاج،سميرة الخطيب،ليلى علوش،ليلى كرنيك،محمد حلمي الريشة، وسواهم.
وفي القصة والرواية:محمود شقير،محمد ايوب،زكي العيلة،غريب عسقلاني،عبداللـه تايه،اكرم هنية،جمال بنورة،سامي الكيلاني،مفيد دويكات،سحر خليفة،ابراهيم العلم،ابراهيم جوهر،جميل السلحوت،عمر عقاب،وغيرهم.
وفي النقد الأدبي : محمد البطراوي،صبحي الشحروري،فخري صالح،عادل الاسطة،حسين البرغوثي،وغير ذلك.
وفي الكتابة المسرحية:محمد كمال جبر،محمد الظاهر،محمد انيس.
وفي الفنون التشكيلية:سليمان منصور،كريم ذباح،عصام بدر،كامل المغني،فتحي غبن.
وفي الغناء الوطني:مصطفى الكرد.
وهذه الحركة استفادت من التوظيفات الفنية والجمالية في الأدب التقدمي الإنساني المعاصر، ومن الاعمال الأدبية في حدود العام 1948،ومن صحف وأدبيات الحزب الشيوعي التي اهتمت بالآداب الإنسانية والتقدمية ، واسهمت في تأصيل وترسيخ أدب حقيقي صادق ، جاد وهادف ، مرتبط جدلياً بالهموم الحياتية وبآمال وتطلعات الشعوب الكادحة والمظلومة المتعطشة للحرية والانعتاق من القهر الطبقي.
ان الثقافة الفلسطينية التي ولدت ونمت في ظل الاحتلال هي ثقافة وطنية،تقدمية،ثورية،وانسانية،تمتلك رؤية فنية ناضجة تتفاعل مع الاحداث والواقع ومشاعر الناس واحاسيسهم،ولذلك جاءت اعمال المبدعين الفلسطينيين ،الذين نبتوا وشبوا وسط القهر والفقر والعذاب، آية في الاصالة والمعاصرة الملتزمة .
وكلمة اخيرة،ان الثقافة الفلسطينية عززت الانتماء لهذا الشعب الصامد والمقاوم بالحجر ، وحاربت دعوات اليأس والاحباط والانهزام والمغامرة ، وعلمته على استهاض الهمم وبلورة وعي نضالي فلسطيني ، وساهمت في الكفاح من اجل انهاء وكنس الاحتلال وتحقيق الحلم الفلسطيني في السيادة والحرية والاستقلال التحرري الوطني والاجتماعي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت