مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة ، هذه المدينة العريقة التي كانت ولا زالت محط أنظار واهتمام ، خان يونس التي كانت منذ القدم حاضرة في التاريخ ، وكان لها محطات مهمة في نضال شعبنا الطويل ، فكانت شاهدة على قادة الحملات والفتوحات الإسلامية ، وأعطت الكثير من دماء أبناءها عام 1956م ، وقدمت الشهداء من أبناءها ومن جنود مصر الكنانة ، ووقفت ببسالة أمام العدوان الإسرائيلي عام 1967م ، وأيضاً كان لها الوجود مع انطلاق انتفاضة شعبنا عام 1987م ، وانتفاضة الأقصى المباركة .
لقد تميزت خان يونس عن باقي مدن الوطن ، لكونها أكبر المحافظات جغرافيا ، وكانت ولازالت مثال للتعايش الاجتماعي الفلسطيني الأصيل ، لما احتضنت من العائلات الفلسطينية العريقة المعروفة تاريخياً ، وفتحت أبوابها أيضاً للجميع ، حتى أن بعض العائلات المسيحية عاشت ولازالت تعيش في خان يونس ، وظلت علاقاتها الاجتماعية بين أبناء المحافظة الواحدة متميزة في السراء والضراء ، في المقاومة وإيواء المناضلين والمقاومين طيلة الفترات السابقة .
كان لمدينة خان يونس أهمية واضحة في إنجاب المناضلين الفلسطينيين عبر التاريخ ، فكان أبناءها البررة نموذجاً للمناضل الفلسطيني صاحب الحق ، والذي يُعطي دون النظر لحسابات مادية أو منصبيه ، فشهدت خان يونس حالة احتضان لرمز ثورتنا الشهيد أبو عمار ، بعد أن قدم من القدس برفقه والده ، وعاش عند عائلة عريقة في خان يونس وهي عائلة الأغا الكريمة .
ومن الأسماء التي كانت ولازالت حاضرة في ذاكرة الأجيال من أبناء محافظة خان يونس ، من شهداء وأحياء ، مناضلين ومقاومين وسياسيين ، عمالقة سجلوا أسماءهم في التاريخ بأحرف من نور ونار ، كانوا مثالاً لصمود الفلسطيني في مخيم اللجوء ، عاشوا ومنهم من سقط من أجل فلسطين الوطن والهوية ، ومنهم مازال في طريق النضال الطويل ،فكانت البداية مع ياسر عرفات الذي عاش وترعرع هناك وكان من أهم عناوين تاريخ شعبنا المناضل العظيم ، كما أنجبت خان يونس القادة والشهداء ، الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ، الشهيد ياسر النمروطي ، الشهيد عمرو أبو ستة ، الشهيد اللواء أحمد مفرج ، الفريق عبد الرزاق المجايدة ، القيادي محمد دحلان ، القيادي زكريا الأغا ، القيادي يحيى السنوار ، وغيرهم من القادة الذين أعطوا لخان يونس الصورة المشرفة والبطولية .
لم يكن غريباً على محافظة خان يونس أن تكون في الصدارة ، وأن تبقى العنوان الأبرز في الأحداث العالمية والعربية والفلسطينية ، فكان لها بعد الله في إنجاب المواهب الثقافية والفنية أيضاً ، فكان الفنان إسماعيل شموط ، من أبناءها البررة .. عاش فيها وكل وشرب من خيراتها ، وسجل بلوحاته الفنية الفلسطينية تاريخ مُشرف من الإبداع الذي لازال يُدرس إلى يومنا هذا .
اليوم تعود خان يونس لتبهرنا من جديد ، فأنطلق منها صاروخ فلسطيني جديد ، صاروخ يحمل الألم والأمل معاً ، صاروخ عبر كُل القارات ، انطلق ليدخل كُل بيت عربي وفلسطيني من المحيط إلى الخليج ، انطلق ليقول بأن شعبنا الفلسطيني يقاوم بكُل الوسائل ، بالبندقية والمظاهرة ، باللوحة والشعر والغناء ، هو شعب مقاوم يستطيع أن يصنع أبناءه المستحيل حتى تبقى راية هذا الشعب مرفوعة ، ألوانها الأربعة تُزين الكثير من المواقع الدولية والعربية ، فرفعنا علم فلسطين في الأمم المتحدة قبل أشهر ، وقبل أيام رفعناه فوق قمة أعلى جبل في العالم ، واليوم يُرفع من جديد من أضخم برنامج عربي ليقول أن العلم الفلسطيني هو الراية الشرعية وهو العنوان الذي قاتلنا من أجله سنوات ، وسقط من أجله الشهداء .
محمد عساف ، هذا الفتى الفلسطيني الرائع ، الذي حمل هموم المخيم وحمل معاناة شعبنا منذ أكثر من ستون عاماً ، فتى انطلق ليُعيد للشعب فرحته ، ويقول أن الاحتلال إلى زوال ، وان شعبنا سينتزع حقوقه المشروعة من الاحتلال كما انتزع عساف لقب محبوب العرب ، فكانت بداية الأمل بأن يكون لنا سفير من كل مكان ، في السياسة والثقافة واليوم في الفن والإبداع .
ستبقى خان يونس وطناً لكُل المبدعين والمناضلين ، وطناً للشهداء والأسرى الأبطال في سجون القهر الإسرائيلية ، وطناً للمخلصين الذين آمنوا بربهم وكتبوا عهد الوفاء للأرض والشعب والهوية ، بأن لا تسقط الراية ، وأن لا يسقط الحق الفلسطيني المشروع في دولة حرة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غــزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت