يخضع نجاح جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري لجمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى قدرته على "انتزاع" موافقة رئيس الحكومة الاسرائيلي على الالتزامات التي يطرحها الفلسطينيون للعودة الى مفاوضات سياسية علنية على مستوى القمة "الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو".
لكن هذا الأمر بعيد المنال في ظل وجود شروط "التزامات" مختلفة ومتناقضة ما بين الفلسطينيين والإسرائيلية وكذلك رؤية الادارة الامريكية لأحقية وآلية التعامل مع هذه الالتزامات والشروط المتبادلة. وهنا الجهود الامريكية ليست محتومة بالنجاح أو الفشل تماما خاصة ان الوصول الى منتصف الطريق هي مهمة الادارة الأمريكية "بعقد اجتماعات فلسطينية إسرائيلية" بحيث يرى كل طرف من الاطراف أنه حقق جزء هاما من شروطه ويستطيع أن يدعي أنه "انتصر" في معركة العض على الأصابع التي تجري ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهي "أي الادارة الامريكية" قد تدفع بمجموعة من المبادرات الاقتصادية لدعم السلطة الفلسطينية في اطار دعم السلام الاقتصادي المقترح من رئيس الحكومة الاسرائيلية منذ سنوات عديدة؛ وتبناه طوني بلير موفد الرباعية الدولية، الذي فشل بفعل اجراءات الحكومة الاسرائيلية وقيودها على الاقتصاد الفلسطيني.
كما ينبغي فهم الجهود الامريكية في اطار المصالح الامريكية ذاتها في المنطقة لجمع تأييد الدول العربية وبعض الاحزاب السياسية كالإخوان المسلمين وبعض الذين يدعون أنهم "دعاة" لاستمرار الازمة السورية وتحويل هذه الازمة ليس فقط الى صراع على الحرية والتخلص من نظام استبدادي يقوده بشار الاسد وزبانيته ،بل الى صراع ديني طائفي يشطر العرب هذه المرة الى قسمين سني شيعي بدلا من دول ممانعة ودولة مسالمة هذا من جهة. ومن جهة ثانية مد حبل النجاة لإنقاذ حكومة المستوطنين "حكومة نتنياهو" الحالية من عزلة دولية في المؤسسات والمحافل الدولية جراء ممارساتها في الاراضي الفلسطينية وما شهدته سواء في مجلس حقوق الانسان أو الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي اليونسكو وغيرها من المحافل الاقليمية.
في هذا السياق المطلوب فلسطينيا تغيير قواعد التعامل الفلسطيني في "عملية السلام" استثمارا للانجاز السياسي المتمثل برفع مكانة فلسطين في الامم المتحدة الى دولة مراقبة وما يترتب عليها من تغيير في مكانة الاراضي الفلسطينية وتحول في "ادوات" الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من ناحية ثانية. وتغيير واقع الفلسطينيين من خلال وضعهم في التجارب المتتالية لإثبات الجدارة، للحصول على "شهادة حسن سير وسلوك امريكية" مؤهلة للدولة، الى السياسة الفلسطينية المبنية على المسارات المتوازية دون ربطها أو خضوع الواحدة للأخرى من ناحية ثالثة.
المسارات المتوازية تتطلب من القيادة الفلسطينية اعادة طرح قواعد غُيّبت بفعل قواعد عملية السلام طوال الفترة الماضية، والنظر في مسألة تبني وسائل وطرق تتناسب مع قوة الدفع للشعب الفلسطيني للوصول للسلام المنشود. ترتكز قواعد العملية الجديدة "المسارات التوازية"؛ أولا: تطوير استخدام أدوات هيئة الأمم المتحدة ووسائلها بدءا من التوقيع على الاتفاقيات الدولية وفق خطة وطنية متدرجة قد تصل في نهايتها الى التوقيع على اتفاقية روما المنشأة للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك الامر تقديم طلبات العضوية في وكالات هيئة الأمم المتحدة.
وثانيا:الاستمرار في طرح قضايا الاستيطان وآثاره واعتداءات المستوطنين على الاماكن المقدسة والمواطنين، والاسرى، وسرقة الثروات الطبيعية وغيرها من القضايا والمسائل في المؤسسات الدولية كمجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس حقوق الانسان واليونسكو. وعدم نسيان متابعة فتوى لاهاي بخصوص الجدار، ومواصلة إنشاء لجان تحقيق دولية "تحت رعاية الأمم المتحدة" في القضايا المذكور اعلاه. وثالثا: تفعيل وتكثيف المقاومة الشعبية في الضفة الغربية ومدينة القدس للتصدي لسياسات سلطات الاحتلال الاسرائيلي وممارساته وقطعان المستوطنين بهدف تعظيم التضامن الدولي.
ورابعا: دعم الملاحقة القانونية لأعضاء الحكومة الاسرائيلية وقادة جيش الاحتلال أمام المحاكم المحلية للدول التي يتيح نظامها القانوني ذلك سواء من خلال مبادرات المنظمات الأهلية والحقوقية او دعم مبادرات الافراد المتضررين. وخامسا: تفعيل الدبلوماسية الشعبية سواء من خلال السفارات الفلسطينية أو الاحزاب والفصائل الفلسطينية لتطوير أشكال الدعم الشعبي على المستويات المختلفة العربية والاسلامية والدولية وزيادة عدد المتضامنين الأجانب في اشكال المقاومة الشعبية من ناحية والتأثير على قرارات البرلمانات والحكومات وسياستها اتجاه القضية الفلسطينية في بلدانهم.
يقال إن "أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم" وللخروج من عنق الزجاجة الدائمة للفلسطينيين، نتيجة الشروط الامريكية والممارسات الاسرائيلية على الارض واستكانة قيادة الفلسطينيين، اتباع مسارات متوازية لفرض امر واقع على الارض بالمقاومة الشعبية من ناحية وسياسية من ناحية ثانية للانعتاق من الشروط المرجعية المجحفة "TOR " لعملية السلام على الطريقة الامريكية.
بقلم/ جهاد حرب
--
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت