من الصعب أن تنجح حركة تمرد في غزة

بقلم: رمزي صادق شاهين


لقد تابع شعبنا باهتمام ما حصل في الأيام الأخيرة في مصر الشقيقة ، هذه الثورة الجماهيرية التي أشعلتها حركة شبابية لا تتبع لأي فصيل ديني أو سياسي في الظاهر ، واستطاعت استجماع المعارضة حولها ، وتحويل القضية إلى واقع تم خلاله عزل الرئيس محمد مرسي ، والإطاحة بنظام الإخوان المسلمين ، بمساعدة القوات المسلحة المصرية ، التي لولاها لمت نجحت هذه الثورة .

واقع الحال يؤكد أن حركة تمرد في مصر تلقت دعم كبير ، وها شكل نسبة كبيرة من حالة النجاح لاستمرار مشروعها لجمع ملايين التوقيعات ، هذه الحملة التي تحتاج لموارد مالية ومجموعة من المتابعين وكذلك الدعم اللوجستي من مقرات ومعدات وأدوات اتصال ، وهذا بالتأكيد لم يكن مشروع ذاتي أو شبابي ، لأننا ندرك أن الأوضاع المعيشية في مصر ، وحالة البطالة والفقر لا يمكنها أن تجعل من السهل لمجموعة من الشباب القيام بهذا المشروع الضخم .

كما أن التفاف القواعد الجماهيرية والمعارضة المصرية بكل مقوماتها حول مشروع حركة تمرد أعطاها هذا النجاح ، إضافة لوجود من يهمه إسقاط نظام الإخوان سواءاً من رجال النظام السابق ، أو رجال اقتصاد وأعمال وسياحة شعروا بان وجود نظام الإخوان لا يمكن أن يلبي طموحاتهم ، وبالتالي ساعدوا في دعم هذه الحركة ومدها ببعض الاحتياجات المادية والمعنوية ، خاصة أن مصر جغرافياً تحتاج لفريق متكامل ومتفاهم ولديه الكثير من الإمكانيات والاتصالات .

بعد نجاح مشروع حركة تمرد ، سمعنا عن بعض الشعارات والأحاديث التي تطالب بتطبيق نفس النموذج في غزة ، وذلك للتخلص من حالة الانقسام وإزالة آثاره السلبية على مجمل الحياة الفلسطينية ، هذا الانقسام الذي تجذر ليصل كل بيت وشارع ومحافظة ، لكونه مستمر منذ أكثر من ست سنوات ، ومن أهم تبعاته أن حكومة حماس في غزة استطاعت تحويل غزة إلى مؤسسة حزبية متكاملة تتلقى دعم وقرار من حركة واحدة ، وهي متماسكة من ناحية القرار والتمويل والأداء .

جميعنا ضد استمرار حالة الانقسام ، الذي أضر بمشروعنا الوطني وبقضيتنا العادلة ، وأظهر شعبنا بصورة سلبية وكأنه شعب لا يستحق دولة مستقلة ، وجعل من بعض الدويلات حجة للتدخل في الشأن الفلسطيني في محاولة منها للسيطرة على القرار الفلسطيني ، في إطار مشروع تفتيت القضية الفلسطينية والالتفاف على حقوق شعبنا ، فكلما طال عمر الانقسام ، تقلصت فرص التخلص من هذا الاحتلال الذي استغل الانقسام وخاطب العالم أن الشعب الفلسطيني متفكك ولا توجد له قيادة وبالتالي لا يستحق أي حل سياسي .

لكن بالتأكيد لن تنجح تجربة حركة تمرد في غزة ، وذلك لعدة أسباب واقعية وموضوعية ، هذه الأسباب التي أفشلت التحرك الجماهيري في غزة في 15 آذار عام 2011م ، حيث خرج طلبة الجامعات والمؤسسات الوطنية وقررت أن تعتصم بساحة الجندي المجهول ، ثم انتقلت لساحة الكتيبة ، حيث تم مواجهتها بقوة من قبل حكومة حماس ، وتم الاعتداء على المعتصمين وضرب الصحفيين ، وحرق خيم الاعتصام ، وقد سُجلت عشرات الاعتداءات بحق نشطاء المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان في حينها .

ومن أهم عناصر فشل أي تحرك في غزة ، هو أن بعض الأشخاص يحاولون الظهور الإعلامي ولأهداف شخصية بحته ، ويسعون لكي يكونوا اسم يتداوله الناس في الشارع ، دون الأخذ بعين الاعتبار معاناة شعبنا أو انعكاس أي تحرك على المواطن إيجاباً أو سلباً ، هذه الفئة التي تغذت على حالة الانقسام وأعطت لنفسها مسميات ومواقع وبدأت تتحدث باسم شعبنا وكأنه منفصل عن تمثيله الرسمي الذي قدمنا من أجله تضحيات كبيرة ، ولازلنا نناضل من أجل عدم الالتفاف عليه .

من حق أي مواطن أن يعبر عن رأيه وهذا مكفول بالقانون ، لكن ليس من حق أحد أن بمعزل عن المرجعية الشرعية للشعب الفلسطيني ، ويُطلق مشاريع غير مدروسة قد تثير البلبلة وتعطي المبررات لشن حملات ضد أبناء شعبنا وكوادرنا ، وأعتقد أن مثل هذه الدعوات تحتاج إلى إجماع وطني فلسطيني ، برغم أنهم غير جاهزين لذلك ، كون بعضهم ساهم في إطالة عمر الانقسام ، بل واستفاد منه وكانوا سبباً في أي يتحول الصراع الفلسطيني وكأنه بين فصيلين هما حركة فتح وحماس ، وهم من ترك حركة فتح في الشارع وحيدة ، وسيتركونها في المستقبل وأبناءها سيدفعون ثمن أي تحرك في الميدان .

شعبنا سئم من تجار الشعارات ، وسئم من تجار المعاناة الذين يريدون المواقع والمسميات على حساب آلام مليون ونصف مواطن ، أنهكهم الانقسام الداخلي ، وجعل منهم مجموعة من المحبطين ، بعد أن كانوا في مواقع العطاء والنضال ، وهم بالتأكيد النواة الأولى لبناء السلطة الوطنية الفلسطينية منذ إنشاءها عام 1994م ، وأعطوا من دماءهم وعرقهم وتعبهم الكثير ، دون النظر لمقابل مادي أو دعائي ، وشعبنا على قناعة بأن من يحاول استغلال أي حدث لا يمكن أن تكون فلسطين همه الأول ، بل همه الأول أن يُقال عنه عبر الإعلام ، وأن يظهر على حساب دماء الناس وكأنه بطل قومي .

إنهاء الانقسام الداخلي يحتاج إلى نوايا صادقة ، واستقلالية القرار والعمل من منطلق المصلحة الوطنية العليا لقضيتنا وشعبنا بعيداً عن التبعية ، لأن شعبنا هو صاحب الحق الأصيل في تقرير مصيره ، وهو قادر أن يتحدث عن نفسه ، ولديه شرعية وعنوان واضح ومرجعية يعترف بها العالم ، كذلك الانقسام يحتاج إلى العمل الوطني البعيد عن ثقافة المحاصصة ، وهذا يتطلب منا مزيد من الجهد والضغط على كافة الأطراف لكي تستجيب لإرادة الشعب ، لكن بعيداً عن أي خطوات قد تعود بالسلب على المواطن الفلسطيني أو مؤسساته الذي دفع ثمن بناءها الكثير .

&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غــزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت