خانيونس- وكالة قدس نت للأنباء
"لا أستطيع أن أتحمل فراقه ، فهذا أول رمضان يغيب فيه عنا،عندما نجلس كل يوم حول مائدة الإفطار أتخيل أنه يجلس بيننا و حين أشعر بغيابه أحبس دموعي أمام عائلتي ، و أذهب خارج المنزل لأنفجر بكاءً على فراقه".
هكذا وصفت أم كمال والدة الشهيد سلمان كامل القرا "أبو عمر" - 27 عاما - من مدينة بني سهيلا شرق محافظة خان يونس، عن مشاعرها وحال عائلتها بعد أن فقدت أبنها .و استشهد "سلمان" بصاروخ طائرة استطلاع إسرائيلية استهدفه بشكل مباشر ،مزّق جسده ،و هشّم عظمه ،ويتّم أطفاله وأحلامه الوردية ، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول2012 م.
تعّودتْ أن تأوي إلى فراشها كل ليلة و هي تحمل ألف لوعة في قلبها ودمعة من عينيها تنهمر, تتذكر أم كمال ابنها الذي ارتقي إلى عليين في ليلة ثالث أيام عيد الأضحى المبارك, و هاهي الليلة منتصف رمضان, عشرات الذكريات تتناوش في رأسها المثقل بالهموم والأسي والحزن... أطفاله عمر وإيمان البريئان اللذان حرما منه، وسؤالهما المتكرر أين أبانا؟ ويوم جاءها البشير يزفُّ إليها نبأ استشهاد ابنها وهو يَعُدُّ العدة لقصف المغتصبين .و تتذكر كيف جاءها المهنئون و المهنئات من كل حدب و صوب يحملون في قلوبهم الحزن والمواساة.
واستكملت أم الشهيد حديثها المحزن على فراق ابنها وهي تمسح دموعها : "كان "سلمان" يغمر جو الأسرة في رمضان بالبهجة والفرح وكان دائم الحركة والشقاوة في المنزل يمزح ويلهو مع كل أفراد العائلة ، فمنذ إفطار اليوم الأول لشهر رمضان و أنا أتخيّل أنه سيأتي متأخراً بعد أن يؤدي صلاة المغرب جماعةً في المسجد ، إلا أنني سرعان ما أستفيق من حلمي و أتذكّر أنه ارتقى إلي عليين " .
تتذكر أم كمال و هو يملأ عليها البيت حيوية و شقاوة منذ طفولته حتى أصبح شاب ،يأتي لها بهداياه الحلوة ،وعندما تكون جالسة في البيت يأتي على غفلة من خلفها ويقبلها ثم ينام في حضنها الدافئ و هو ابن العشرين ربيعا ،و حين يقول لها كم أتمني أن يرزقني الله بالشهادة في سبيله ،و تقول له كفاك شقاوة يا حبيبي، ثم يضحك "سلمان" ويقول لها إن شاء الله عن قريب سوف تسمعي خبر استشهادي ،ثم تبتسم وتقول له يكفيك مزاح ... الله يرضى عليك يا بني.واختتمت قولها إن شاء الله يكون مثواه الجنة ومع الحور العين، ويفطر في الجنة عند النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.
أما أم عمر أرملة الشهيد "سلمان" حاولت أن تتحدث بابتسامة محاولة إخفاء دموعها إلا أنها لم تفلح بذلك كثيراً خاصة عندما عادت إلى الوراء حيث الذكريات التي عاشتها معه فقالت : "افتقده كثيرا خلال شهر رمضان الذي كان له شكل خاص معه ،فكان يعتبره شهر التفرغ للعبادة والإكثار من فعل الخير وصلة الرحم ،والاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر ،وكان يحب أن يتسحر ويفطر مع أهل بيته ،وكان بمزحه يضفي علي مائدة الإفطار والسحور الكثير من المرح و الضحك ، وفي ليلة العيد يجهز الحلوى لأهله ولبيته ،وفي يوم العيد يسعي دائما لإدخال البسمة علي قلوب أطفال أهل حيه وبيته ويجعل للعيد جواً خاصاً به ،والآن نفتقده في كل وقت وفي كل ثانية.
وأضافت أم عمر:" بعد استشهاده أحسست أن روحي قد سحبت مني ، وأكثر ما يؤلمني عندما يخرج أعمام أبنائي ويرجعوا إلى منازلهم يكون في استقبالهم ابناؤهم فيخرج معهم أولادي ويقولون "بابا " إلا أنهم يعودون والدموع تملأ وجهوهم الصغيرة وهم يقولون أين بابا لماذا لم يأتِ معهم ؟ ،بالرغم من تلبية كافة احتياجاتهم وعطفهم ،وتفقد كل أفراد العائلة لهم ،لكن الأب لا يعوض بمشاعره وحنانه وحضنه الدافئ " .
وأوضحت أرملة "سلمان" : "أنها بعد ارتباطها به شعرت بمدى حب الله لها بأن رزقها هذا الزوج الحنون الهادئ الطبع الخلوق،حيث كان متدينا متسامحا يحب الآخرين ،كان أقربهم إلى أمه التي وصفته بأنه توأم روحها ،ووصفه أصدقاؤه بأنه ذو سلام نفسي، كان إيجابيا في تصرفاته يرفض النقد لمجرد النقد ولكنه كان يقدم النصيحة للمخطئ ،ولم يكن يحب إثارة القضايا الخلافية في أي مجلس ،وإنما يحاول التوفيق بين الآراء المختلفة ،ويقرب وجهات النظر ، ولكنه كان يعتبر أن السكوت مشاركة في الظلم وكان يؤمن بضرورة قول الحق في وجه سلطان جائر، فقد كانت لديه قناعة أن الجهاد في سبيل الله هو الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين من دنس الاحتلال ،عاش شجاعا بطلا وخاتمته مشرفه الشهادة في سبيل الله ،نسأل الله أن يجمعنا به في جنة الفردوس في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء ونسأله أن يلهمنا الصبر والسلوان".
حال عائلة الشهيد "سلمان " مثال لآلاف العائلات الفلسطينية التي فقدت فلذات أكبادها واعز ما تملك، ليس هذا فحسب بل خيرة الشباب ، وكأنها كانت تشعر بأنه هدية للوطن فأحسنت تنشئته حتى تليق الهدية بمن تقدم له،وهو الوطن الذي يهون أمامه كل غال وعزيز.
من: طارق أبو إسحاق