لم تتغير صورة المشهد الفلسطيني بالأمس في مدينة رام الله بتصدي قوات الشرطة الفلسطينية لمسيرة فلسطينية ضد العودة إلى طاولة المفاوضات عن أي مشهد في عواصم الربيع العربي ، مسيرة شعبية تقودها الجبهة الشعبية إلى جانب فعاليات عديدة تتصدى لها قوات الشرطة الفلسطينية ينتج عنه إصابة بعض المواطنين بجروح ، إنه المشهد العربي يتكرر اليوم في مدينة رام الله ، وهو مشهدٌ ليس لإسقاط النظام الفلسطيني ، وإنما مشهدٌ للتعبير عن موقف فلسطيني بشأن العودة إلى المفاوضات مع العدوّ الصهيوني ، وهذا المشهد الفلسطيني يؤكد على أنّ الفلسطينيين ليسوا على رأي واحد بشأن العودة إلى المفاوضات ، وهذا شيء طبيعي ونتيجة حتمية لعشرين عام من المفاوضات العبثية والتي لم تؤدِ سوى إلى مزيد من تآكل الأرض الفلسطينية بالاستيطان ، والتنازل عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948 لتناقش في إطار حل ٍعادل بين طرفي الصراع .
مسيرة فلسطينية معارضة للعودة إلى المفاوضات ، كانت فرصة ذهبية بيد المفاوض الفلسطيني لو أدرك قيمة هذه المسيرة وأهميتها ، فالمفاوض الفلسطيني كان وما زال يذهب إلى طاولة المفاوضات ويده خالية من أية ورقة ضغط باتجاه العدوّ الصهيوني ، أو كما يسميه الرئيس الفلسطيني وينعثه بالجار الاسرائيلي ، على حين يذهب المفاوض الصهيوني إلى طاولة المفاوضات وهو مسلح بكل أنواع قوة الضغط على المفاوض الفلسطيني ، وآخر سلاح بيد المفاوض الصهيوني استصدار قانون يوجب على الحكومة الصهيونية إجراء استفتاء شعبي على أي اتفاق يتم مع الفلسطينيين ، فخلو يد المفاوض الفلسطيني من قوة ضغط على الجانب الصهيوني يجعله في حالة ضعف وإرباك اتجاه خصمه الصهيوني المستند إلى قوة الشارع الصهيوني ، ولم يفكر المفاوض الفلسطيني يوماً بأن يملك قوة ضغط في يده لكي يحقق بعض ما يريد من مفاوضاته، ولآنّ المفاوض الفلسطيني رغم مراسه في المفاوضات على مدى عشرين عاماً ألا أنه ما زال يحافظ على ضعفه ، فهو يراهن في مفاوضاته على وعود الإدارة الأمريكية ، والإدارة الأمريكية ليست طرفاً محايداً في قضية الصراع الفلسطيني – الصهيوني ، بل هي كانت وما زالت صاحبة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية وبذلك لا يمكن الرهان على الإدارة الأمريكية وعلى أي وعد من وعودها .
إلى جانب ما شهدناه بالأمس في رام الله من قمع لمسيرة شعبية تعبر عن رأيها في المفاوضات ، كانت مسيرة أخرى في الطرف الصهيوني تحتج على مناقشة الحكومة الصهيونية لدراستها قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم خلال المفاوضات القادمة ، فلم تـُقمع هذه الاحتجاجات الصهيونية من قبل الشرطة الصهيونية كما قـُمعت الاحتجاجات الفلسطينية في رام الله ، لأنّ المفاوض الصهيوني يدرك مدى أهمية احتجاج الشارع الصهيوني على ما يجري في المفاوضات فيحيلها إلى قوة بيده فلا يقمعها ولا يزّج المحتجين في السجون ، والمفاوض الصهيوني يدرك أنه ليس بحاجة إلى ورقة الضغط هذه لأنه هو الذي يراهن على الإدارة الأمريكية كطرف شريك معه في المفاوضات ، ولكن ما يفعله المفاوض الصهيوني هو أن يضيف الاحتجاجات الصهيونية إلى ملف مفاوضاته ويقذفها في وجه المفاوض الفلسطيني ليبقيه ضعيفاً أمامه .
كان على الرئيس الفلسطيني أن يدرك أهمية وجود معارضة للمفاوضات ، وإن لم تكن هذه المعارضة موجودة كان عليه أن يوجد هذه المعارضة ولو من داخل حركة " فتح " نفسها ، ولكن وبكل أسف فأنّ الرئيس الفلسطيني الذي يتخذ من الاية القرآنية الكريمة ( فليعبدوا ربّ هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع ٍ وآمنهم من خوف ) شعاراَ له ، لا يمكن أن يقبل الاعتراض على نهجه وسياساته من قبل أي مواطن فلسطيني أياً كان هذا المواطن ، لأنّ كل المواطنين في عرف الرئيس هم عبيدٌ له ولا يجوز لأي منهم أن يعترض على ما يقوله أو يتصرفه ، وعلى الرئيس الفلسطيني أن يدرك أنه لا أحدٌ أياً كان موقعه يملك حق التصرف الكامل بمصير القضية الفلسطينية ، فالقضية الفلسطينية ملك لكل الشعب الفلسطيني ، والاعتراض الشعبي أياً كان حجمه على سياسات الرئيس حق مشروع للشعب الفلسطيني وواجب على الشعب الفلسطيني أن يعترض على ما يراه مضراً بحقوقه الوطنية التاريخية ، وعلى الرئيس الفلسطيني أن يجعل من المعارضة والاحتجاجات الفلسطينية سلاحاً بيده لا أن يـُشهر في وجهها السلاح .
حمص في 29/7/2013 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت