تناقض المواقف الفلسطينية

بقلم: صلاح صبحية


الصورة الفضائية التي يمكن التقاطها لعموم المشهد الفلسطيني هي قاتمة وبائسة ويائسة ، حيث تتداخل الألوان كلها في هذه الصورة دون أية حدود ، فلا تمايز بين هذه الألوان ، فتتراكم الألوان فوق بعضها البعض ، لتصبح هذه الألوان منفرة لمن يشاهدها ، على عكس جمالية الألوان في قوس قزح الواضحة الحدود والمعالم بينها .
فعلى مدى أيام الجمعة في شهر رمضان تحولت أرض فلسطين التاريخية إلى مكان لصراع الأيديولوجيات وبرز ذلك واضحاً في التيار الإسلامي ، حيث أعلنت تنظيمات وجماعات التيار الإسلامي أنّ ارتباطها بعموم التيار الإسلامي أقوى من ارتباطها بقضية الوطن ، وأنّ الصراع مع الاحتلال والعدّو الصهيوني يمكن تأجيله وترحيله إلى مرحلة قادمة ، فوقوف حركة حماس كما وقوف الحركة الإسلامية في فلسطين التاريخية إلى جانب ما يسمى بشرعية محمد مرسي رئيساً لمصر ذو اولوية عاجلة ومتقدمة على جعل الجُمع الرمضانية جـُمعاً لمناهضة الاحتلال الصهيوني وأهم من مقاومة تهويد القدس والمسجد الأقصى ، كما أنّ طرح شعار الخلافة الإسلامية في هذه الجُمع والذي هو بعيد المنال في ظل الانقسام الواضح بين المسلمين على واقعهم وعلى مستقبلهم هو هروب من مواجهة الاحتلال الصهيوني الذي أصبح يتصف بأنه أرخص احتلال في العالم .
كما أنّ التصريحات لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي ، وقنوات فضائياتهم لا تتوقف لحظة واحدة وعلى مدى أربع وعشرين ساعة يومياً دون أن تكون مع الحدث المصري والمحتشدين في ميدان رابعة العدوية ودون أن يعلنوا مساندتهم لشرعية محمد مرسي وإعادته إلى قصر الرئاسة المصرية ، وهذا الموقف ليس انطلاقاً من أنّ السيد محمد مرسي قد ألغى معاهدة كمب ديفيد وكاد يحرر فلسطين ، وأنه ليس عزيزاً على الرئيس الصهيوني أو مخلصا له ، بل أنّ هذا الموقف الفلسطيني الإسلامي إلى جانب السيد محمد مرسي رئيساً شرعياً لمصر هو التزام تنظيمي بموقف عموم حركة الإخوان المسلمين بعيداً عن مدى انعكاس ذلك سلباً على الساحة الفلسطينية وعلى أبناء الشعب الفلسطيني في مصر وفي غزة .
كما أنّ التيار الوطني الفلسطيني متمثلاً بحركة " فتح " ارتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته الحركة الفلسطينية الإسلامية ، فسارع الرئيس الفلسطيني وقبل أن تتضح الأمور في مصر إلى إرسال برقية تأييد للرئيس المصري المعين من قبل قيادة الجيش المصري ، وذلك في ظل المواجهات القائمة في ساحات مصر بين طرفي الصراع المصري على كرسي الرئاسة المصرية ، بل والأكثر خطأ ً كانت زيارة الرئيس الفلسطيني إلى القاهرة في ظل الوضع السيء في مصر ، كما أنّ مباركة حركة " فتح " للوضع المصري القائم الآن بقيادة عبد الفتاح السيسي تأتي في ظل التجاذبات مع حركة حماس المؤيدة للسيد محمد مرسي ، رغم أن الرئيس الفلسطيني وحركة " فتح " أعلنا في العديد من المرات على أنهم ضد التدخل بالشأن الداخلي المصري .
هذه المواقف الفلسطينية المتناقضة بشأن الأزمة المصرية ، يصاحبها مواقف فلسطينية أخرى بخصوص الأزمة السورية ، فحركة حماس التي تقف اليوم مع شرعية نظام محمد مرسي هي التي وقفت وما زالت ضد النظام السوري الذي كان سندها الاستراتيجي منذ نشأتها ، بل واتـُهمت حركة " حماس " بالمشاركة عسكرياً ضد قوات الجيش السوري وهذا خلل في الموقف الفلسطيني ، كما أنّ موقف قوى التحالف الفلسطيني إلى جانب النظام السوري ولأسباب يعرفها كل الفلسطينيين ، والتي كانت حركة حماس تشكل إحدى أعمدته ، انعكس ذلك سلباً على عموم الوضع الفلسطيني وخاصة في سورية ، كما أنّ الموقف الرسمي الفلسطيني ، وموقف حركة " فتح " اتخذ الموقف التاريخي بعدم التدخل بالشأن الداخلي السوري والإصرار على تحييد المخيمات الفلسطينية بشأن الأزمة السورية .
هذه المواقف الفلسطينية المتناقضة بشأن ما يحدث في الدول العربية ينعكس سلباً على عموم الشعب الفلسطيني ، فقد انقسم الشعب الفلسطيني حول الأزمة السورية ، كما أنقسم حول الأزمة المصرية ، وبالأساس فإنّ الشعب الفلسطيني منقسم على نفسه بين الضفة وغزة وكيفية المصالحة ومنقسم على نفسه بخصوص المفاوضات مع العدوّ الصهيوني .
كل هذه الانقسامات الفلسطينية إلى جانب عدم قدرة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تقديم المساعدات السياسية والأمنية والإنسانية الحقيقية والفعلية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات السورية يطرح السؤال التالي ، إذا لم تكن كل القوى والفصائل الفلسطينية على مستوى المسؤولية بالمحافظة على وحدة شعبها والسعي الجاد لتجسيدها على الأرض والمحافظة على حقوقه عليها أن تعلن عدم قدرتها على ذلك وتدعو جماهير شعبها لأخذ المبادرة في قيادة العمل الفلسطيني في جميع المجالات وفي كل الاتجاهات ، وإلى متى سيبقى الفلسطيني يعيش حياة البؤس واليأس نتيجة مواقف فلسطينية خاطئة ؟

حمص في 6/8/2013 صلاح صبحية







جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت